أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (75): كثرة تبرير الأخطاء حالة نفسية تحتاج إلى علاج فوري..

(من تبرير المشاركة في الكنيست إلى تبرير التصويت مع قانون منع لم الشمل)

حامد اغبارية

منذ انشقاق الحركة الإسلامية عام 1996 وحتى لحظة كتابة هذه السطور عشنا (وسنعيش بعدها بطبيعة الحال) سلسلة طويلة لا نهاية لها من التبريرات التي أصبحت الوسيلة الوحيدة للدفاع عن الانحراف عن البوصلة وتزيين المسألة على أنها اجتهادٌ لصاحبه أجرٌ أو أجران!! وما هي في الحقيقة – كما ثبت على طول المسيرة الموجعة- إلا تزيينات من الشيطان، حتى حسب أصحابها أنهم يحسنون صُنعا، واستقر في عقلهم الباطن أنهم هم – وفقط هم- الذين على الحق، وأنهم لا يشق لهم غبار في علم السياسة؛ الذي تحوّل إلى لعب على حبال البهلوان.

بدأت تلك التبريرات لتزيين المشاركة في الكنيست الصهيوني. وكان المبرر الرئيس لتلك السقطة تلك المقولة التي اختبأوا وراءها طوال الوقت والتي تتلخص في حماية المشروع الإسلامي من الاستهداف، ثم خصوصية وضعنا كفلسطينيين في الداخل!! وكأن مشروعهم الإسلامي (الذي عملوا على حمايته) لم يسقط في فخ الصهيونية وبين خيوط العنكبوت.

في علم النفس أن الشخص قد يلجأ أحيانا إلى تبرير وقوعه في الخطأ عند التعرض لمواقف محرجة، وهذا أمر طبيعي، إلا أنه عندما يصبح التبرير صفة لصيقة لصاحبها، فإنه يخرج عن كونه طبيعيا، ويحتاج صاحبه إلى استشارة نفسية، ذلك أنه أصبح في مرحلة خطيرة من إنكار الأخطاء مطلقا. وفي حالات أخرى يكون الشخص غير مدرك لهذه الأخطاء، وكلا الأمرين يحتاج إلى تدخل علاجي سريع.

وعادة ما يلجأ هذا النوع من الأشخاص إلى تبرئة نفسه حتى لا يتحمل مسؤولية أخطائه، ويُلقي الأسباب على الظروف المحيطة به، فيلجأ إلى ما يسمى في علم النفس “الحيلة الدفاعية”، وهي استراتيجيات يستخدمها العقل الباطن لحماية الذات مما يخالطها من مشاعر مرفوضة. وتقول نظرية التحليل النفسي إن اللاوعي يعمل على إنكار الحقيقة أو يعمل على تغييرها أو التلاعب بها من أجل حماية نفسه. وإحدى وسائل إنكار الحقيقة أو إعادة تشكيلها هو التبرير الذي عادة ما يبحث عن أسباب منطقية للسلوك الخاطئ أو لدوافعه، من خلال إعطاء مبررات تبدو – لأول وهلة- أنها مقبولة. وغالبا ما يجتهد ذلك الشخص في تقديم المبررات إلى المقربين منه (بطريقة غير مباشرة)، بصفتهم البيئة التي تحتضنه، فيسعى إلى عدم خسرانها من خلال هذه المبررات.

هذا تماما ما يحدث لدى الحركة الإسلامية الجنوبية وممثليها في الكنيست الصهيوني (القائمة العربية الموحدة) وقياداتها. فبدلا من أن يناقشوا أخطاءهم بدءا من المشاركة في الكنيست (ناهيك عن المشاركة في ائتلاف حكومي- وهذا بحد ذاته كارثة سياسية وفكرية غير مسبوقة) ووضعها على طاولة النقاش التنظيمية والشعبية العامة، يلجأون إلى تبرير الغرق في الأخطاء تلو الأخطاء وتزيينها للعامة على أنها إنجازات، وأنه لا يأتيها الباطل من بين يديها ومن خلفها.

لذلك وجدنا الدكتور منصور عباس، رئيس القائمة الموحدة ونائب رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية، يذهب إلى تبرير تصويت قائمته لصالح قانون منع لم الشمل (في مقابلة إذاعية مع ريشت بيت) بأنه جاء لسببين: الأول مقابل تعهدات من الحكومة الصهيونية التي يشارك فيها (وهي تعهدات ما تزال حبرا على ورق)، والثاني لأنه اكتشف أن التصويت كان على سحب الثقة عن الحكومة، فكان لا بد من التصويت لصالح القانون حتى لا تسقط الحكومة. وهكذا نجد أن الذي حرّك الدكتور منصور وقائمته هي المصلحة (الوهمية) وليست المبدئية المتعلقة برفض قانون منع لم الشمل، باعتباره قانونا عنصريا أولا، ثم باعتباره موجَّها إلى أبناء الشعب الذي ينتمي إليه الدكتور منصور. وهذا يسمى في علم السياسة بيع المواقف باهظة الثمن بثمن بخس كله- من أوله إلى آخره- خسارة حتى في حسابات التاجر العادي. أما التبرير الأسوأ فهو تلميحه إلى أنه حتى لو سقط القانون نهائيا فإن مصير العائلات الفلسطينية المعنية بالأمر أصبح في يدي وزير “الأمن” غانتس، ووزيرة الداخلية شاكيد، مشيرا في تصريح آخر إلى أن قائمته مستعدة لاستقبال طلبات لم الشمل ومعالجتها لدى الوزيرين المذكوريْن..!! معنى هذا أنه سيتحول إلى “مقاول طلبات لم شمل” بدلا من أن يقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع.

ثم تجد الشيخ إبراهيم عبدالله، رئيس الحركة الجنوبية السابق وعضو الكنيست الصهيوني السابق، ينبري للدفاع عن ذلك الموقف (الذي أعتبرُه أنا سقوطا مدوّيا) بقائمة من التبريرات التي أطلق عليها اسم “الحقائق”، وهي في الحقيقة محاولة بائسة لتشويه الحقائق، دون أن يخلو الأمر من مناكفة الخصوم السياسيين (المشتركة) بأسلوب أشبه ما يكون بمماحكات الأطفال.

فقد اعتبر أن قانون الجنسية سقط بأصوات القائمة الموحدة. كيف ذلك والدكتور يقول إنه صوّت لصالح القانون؟؟ ليس مهما… المهم أن هناك من يبرر ويشرح للأنصار قبل المخالفين، لأن مستوى الغضب لدى الأنصار قارب درجة الغليان التي تنبئ بانفجار قريب.

واعتبر الشيخ إبراهيم أن ما حدث من سلوك من طرف القائمة هو قمة في الذكاء عندما أنقذت الحكومة من السقوط. إن هذا لشيء عجيب! عجيب أن تسمع إسلاميا يتحدث عن حماية حكومة صهيونية من السقوط. في أي زمن نحن؟ وأين أوصلنا هؤلاء؟ وإلى أين سيصلون بعدُ؟؟

ثم حاول الشيخ أن يُبعد شبح الخلافات داخل القائمة بالقول إن تصويت اثنين من أعضاء الكنيست مع القانون وامتناع اثنين هو موقف متفق عليه. والحقيقة أن هذا بعيد عن الحقيقة. لأن الخلافات تجاوزت القائمة إلى صفوف الحركة التي بدأت أصلا من لحظة اتخاذا القرار بالمشاركة في الائتلاف. وكما سمعنا حتى الآن همسًا أو خجولا، سوف نسمعه صراخا في قادم الأيام.

أما قول الشيخ إبراهيم بأن الائتلاف الحكومي الحالي لا يعنيه كثيرا تمرير القانون من عدمه، فهذا ما يسمى بعبثية التبرير. كيف يكون ذلك والحكومة الحالية استقتلت لإقناع الموحدة طوال الأسبوعين الماضيين لتسهيل مسألة التصديق على تمديد القانون، وأجَّلت التصويت مرتين من أجل ذلك؟؟ يا سبحان الله!

انتهى… ونؤجل الحديث عن “عبقريات المدارس السياسية”…. فهذا يحتاج إلى وقفة طويلة….

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى