أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (74): مستقبل المتابعة… على ضوء المطالبة بإلغاء عضوية الإسلامية الجنوبية

حامد اغبارية

ما زلتُ أؤكد أن الوصفة المناسبة لتحويل لجنة المتابعة العليا إلى جسم وطني- سياسي فعال ذي تأثير ومكانة وأهمية وثقل تكمن في الانتخاب المباشر، الذي يعني مشاركة أهلنا في الداخل الفلسطيني في انتخاب أعضائها، وتمكّن كلّ من يرى في نفسه أهلا لأداء واجب خدمة مجتمعنا من خلال هذا الإطار الجامع من ترشيح نفسه، طبق الشروط والمواصفات التي تشكل رافعة لاختيار قيادات تحمل العبء لا قيادات تشكل عبئا، كما هو الحال الآن، حيث أن جزءا من مركبات اللجنة اليوم يشكل فعلا عبئا ثقيلا وعائقا يحول دون تطورها، ويمنع تحقيق قفزة نوعية في أدائها، ذلك أن بقاء هذه المكونات في المشهد السياسي رهنٌ ببقاء اللجنة على وضعها الحالي الضعيف والمهلهل.

على ذلك فإن مستقبل المتابعة اليوم – فيما يبدو لي- أصبح في مهب الريح، لأنها تعيش حالة من عدم وضوح الطريق، كونها حتى الآن جسما توافقيا غير ذي سلطة على أحد، اللهم إلا البُعد الأخلاقي الذي يدفع جزءا من مكوناتها للالتزام والتفاعل والسعي إلى دفعها إلى الأمام.

ولقد بانت ضرورة السعي فورا إلى وضع خطة للانتخاب المباشر على ضوء المطالبة بإلغاء عضوية الحركة الإسلامية الجنوبية والقائمة العربية الموحدة، وذلك بسبب مشاركتها في الائتلاف الحكومي برئاسة بينيت- لبيد.

وأرى، شخصيا، أن هذه الأجواء المضطربة والمشحونة داخل اللجنة تشكل فرصة حقيقية لإعادة ترتيب أوراقها فيما يتعلق بمستقبلها، ومستقبل مجتمعنا. وعندما نقول: إعادة ترتيب الأوراق، فهذا يعني قلب كل شيء، وتغيير كل شيء، بما في ذلك الدستور أو النظام الداخلي للجنة. وأظن أنه إذا لم تُستثمر هذه الأجواء الحالية لإنقاذ مستقبل اللجنة، فربما نحتاج إلى سنوات طويلة حتى نتمكن من تحقيق أي تقدم مطلوب، ولكن بعد أن ندفع أثمانا باهظة نحن في غِنًى عن دفعها، ويمكننا تلافيها الآن إن أدركنا حجم الأزمة والتعقيدات وأبعادها.

لم يسبق للجنة المتابعة أن واجهت وضعا كالوضع الحالي. فهذه أول مرة تقف اللجنة أمام مطلب إلغاء عضوية أحد مركّباتها منذ تأسست عام 1982. نعم، كانت هناك سابقة لكنها ليست مطابقة لها، فيما يتعلق برفض عضوية أي ممثل عربي لحزب صهيوني في اللجنة. والحدثُ – إن شئت- هو حدث كبير غير مسبوق، فهي المرة الأولى التي يشارك فيها حزب أو تيار عربي فلسطيني (ناهيك عن كونه يحمل أجندة إسلامية) في ائتلاف حكومي، بهذه الفجاجة التي زادت انقسام المجتمع حدّة، فوق الانقسامات التي يعاني منها أساسا.

نعم، من الصعب أن تستوعب أنه الآن يجلس معك في إطار المجلس المركزي أو سكرتاريا الأحزاب في المتابعة ممثل للحكومة الإسرائيلية. في نظري هذه لا يمكن القبول بها بأي حال من الأحوال، وفي التالي فإن مبدأ المطالبة بإلغاء عضوية ذلك التيار فيه وجاهة، وهو من حيث المبدأ مطلب حق….

غير أن الذي يُلزم بالوقوف عنده والتأمل في خلفياته هو الدافع الحقيقي وراء هذه المطالبة. فإذا علمتَ الجهة التي طرحت الموضوع بداية يمكنك أن تفهم الدافع. ولما أن أول جهة – حسب المعلومات التي توفرت عندي- طرحت هذا المطلب، سواء في الإعلام أو على طاولة المتابعة، هي القائمة المشتركة، وتحديدا شريكان فيها هما الجبهة والتجمع، فإنه من الواضح، بالنسبة لي على الأقل، أن الدافع ليس الحرص على المتابعة ولا تطبيقا لنظامها الداخلي، وإنما تصفية الحسابات السياسية مع الإسلامية الجنوبية والقائمة الموحدة، التي أحدثت زلزالا حقيقيا داخل المشتركة عندما قررت فض الشراكة وخوض الانتخابات في قائمة مستقلة.

ولا بد هنا من التنبيه إلى أن هناك مركبات أخرى في المتابعة تحمل ذات التوجه بالمطالبة بإلغاء عضوية الجنوبية – الموحدة، وتحديدا حزب الوفاء والإصلاح وحركة أبناء البلد. غير أن دافعهما ليس كدافع المشتركة، خاصة وأنهما أساسا مقاطعان لانتخابات الكنيست الصهيوني، لذلك فإن الموقف من مطلبهما ليس كالموقف من مطلب المشتركة، فالدوافع تحدد المواقف. وأعتقد أنه هكذا يجب أن تُقرأ الصورة. فالمطلب الأصيل ليس كالمطلب الهجين.

ولنا أن نتساءل: ما هي مسوّغات الجبهة والتجمع في المطالبة بإلغاء عضوية الجنوبية – الموحدة؟ هل هي مثلا الخروج على الإجماع الوطني في التعامل السياسي مع قضايا شعبنا ومجتمعنا؟ أم هي خرقٌ لدستور المتابعة؟

إن كان هذا هو المسوّغ الذي تتذرع به الجبهة ويتذرع به التجمع فإن أول ما يجب أن يفهمه الجمهور أنه ليس بعد المشاركة في الكنيست ترشيحا وتصويتا من كارثة وطنية؛ بكل ما في الكلمة من معنى. فالمشاركة في الكنيست هي أصل البلاء، لأن ما بعدها ناتج عنها وثمرة مُرّة من ثمارها. وإذا كان هناك من يستحق العقاب وإلغاء العضوية فهو كل من يشارك في الكنيست. فهذه المشاركة هي أصل الخروج على الخط الوطني، إذ ليس في هذه المشاركة فعلا وطنيا كما تسعى تلك الأحزاب المشاركة إلى إيهام الجمهور. بل إنه مرت علينا حقب تاريخية كانت المشاركة في الكنيست تُعتبر خيانة للقضية الوطنية ولقضية الصراع على فلسطين، وتسببت إلى جانب ذلك في شقّ مجتمعنا إلى نصفين.

في دستور المتابعة بند يشترط العضوية بالموافقة والالتزام بأهداف وبرنامج وقرارات اللجنة وهيئاتها، ومن لا يفي بهذه الشروط تلغى عضويته بغالبية ثلثي أعضاء المجلس المركزي.

والسؤال: ما هي أهداف وبرنامج وقرارات المتابعة؟ هل في الدستور محدِّدٌ لها؟

أنا أزعم أنه ليس في الدستور ما يحدد ذلك بوضوح، بل ما تزال المسألة فضفاضة، إذ لم يستقر أمر اللجنة حتى اليوم على المرجعية السياسية النهائية، وما تزال تستند إلى قرارات مؤتمر المساواة من سنة 1996. فهل تلك القرارات تنسحب على الجنوبية – الموحدة دون سائر الأحزاب التي غرقت (وأغرقت مجتمعنا معها) في مستنقع اللعبة السياسية الإسرائيلية حتى الأذنين؟

في اجتهادي المتواضع فإن عضوية الكنيست لا تنسجم مع الخط الوطني. وبماذا تختلف الكتلة المانعة (من حيث النتائج والآثار) عن المشاركة في الائتلاف الحكومي؟ وبماذا تختلف التوصية على رئيس حزب صهيوني لتشكيل حكومة صهيونية عن المشاركة في الائتلاف؟ وبماذا يختلف هذا عن التوقيع على وثيقة الاستقلال الإسرائيلية والاحتفال بذلك اليوم في أزمان مضت؟ بل إن التوقيع على وثيقة الاستقلال أعطى الشرعية لكل أنواع البلاء التي يعاني منها مجتمعنا في الداخل.

هؤلاء جميعا في نظري سواء. فوجودهم حيث هم، وأداؤهم أيًّا كان، أساء إلى قضية مجتمعنا، وأساء أكثر إلى قضيتنا الوطنية.

في التالي فإن ما يجري على الجنوبية- الموحدة يجري على الجبهة والتجمع والعربية للتغيير وعلى كل حزب أو تيار سقط في فخ السياسة الإسرائيلية. وإذا كانت المتابعة تسعى إلى أن تكون سقفا وطنيا أو إطارا وطنيا حقيقيا فإن مطلب الساعة ليس مجرد إخراج عضو وإنما تغيير اتجاه البوصلة، والتخلص من تبعات ملعب السياسة الإسرائيلية، واتخاذ خطوة جريئة بوضع دستور جديد يكون البند الأول فيه: الانتخاب المباشر للجنة المتابعة..

وعندها تيقَّنوا أن كل هذه الأطر التي صدّعت رؤوسنا بالكنيست وتبعاته لن تكون هناك..

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى