أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (73): حديث في الثوابت (9)

حامد اغبارية

1.ثابتتحرير الأسرى

ومن الثوابت التي طرأت جراء النكبة، ثم تصاعدت وتفاقمت بعد احتلال 1967 ثابتُ ملف أسرى وأسيرات شعبنا. هذا ثابتٌ المطلب الرئيس فيه هو تحرير جميع الأسرى والأسيرات الذين يقبعون في سجون الاحتلال، سواء أولئك الذين يُحسبون على الأراضي المحتلة عام 1967 أو الذين يعيشون في الداخل (أراضي 1948)، فجميعهم أسرى شعبنا، وقد أُسروا على خلفية قضية الصراع على فلسطين، فلا فرق بين أسير من القدس أو جنين أو نابلس أو الخليل أو غزة وبين أسير من الناصرة أو أم الفحم أو رهط. هؤلاء الأسرى هم أكثر صفحات الصراع إيلاما وإلحاحا.

منذ احتلال 1967 أعتقل الاحتلال أكثر من مليون أسير من أبناء شعبنا غالبيتهم من الضفة والقطاع. ومن هؤلاء من أمضى فترة سجنه وعاد إلى حضن أهله وأبناء شعبه، ومنهم من ما يزال يقبع في زنازين الظلم منذ ثلاثين سنة أو عشرين أو عشر سنوات، ومنهم من حكم عليه بعشرات المؤبدات، بينهم أطفال وشيوخ ونساء.

ولأن هذا هو الحال، ولأن نزيف الأسر والسجون لا يتوقف، كما لم يتوقف لحظة واحدة منذ النكبة فإن هذا الملف لن ينتهي ولن تُطوى صفحته حتى يتحقق أمران: الأول- تبييض السجون كليا، بحيث لا يبقى هناك أسير واحد. والثاني- وقف هذا النزيف. بمعنى أن نصل إلى مرحلة من مراحل هذا الصراع لا يستطيع فيها الاحتلال اعتقال فلسطيني واحد، لا في الداخل ولا في الضفة ولا في القطاع ولا في القدس. وحتى يتحقق هذا- بزوال أسبابه ومسبباته- فإن هذا الملف سيبقى مفتوحا، وسيظل ثابتا من ثوابت شعبنا لا يجوز فيه تراخِ ولا تراجع ولا نكوص.

وإذا كان المطلب الرئيس هو تبييض السجون، فإن من واجبنا (أهل الداخل وسائر أبناء الشعب الفلسطيني) أن نبذل كل ما أوتينا من وسائل وإمكانات حتى يبقى هذا الملف حيًّا ملتهبا، يرافقه حراك متواصل على المستوى الشعبي والسياسي. وفي ذات الوقت العمل على استراتيجية تسعى إلى وقف نزيف الاعتقالات والمحاكمات الظالمة إلى الأبد.

 

2. ثابتعودة لاجئي الداخل

تحدثنا في مقال سابق عن ثابت حق العودة، غير أن هذا الثابت يتضمن بندا حارقا ما يزال ماثلا أمامنا هو ملف لاجئي الداخل. فما هو هذا الملف الذي ربما لا تعرفه شريحة واسعة من الأجيال الشابة على وجه الخصوص؟

هناك مجموعة من أهلنا في الداخل الفلسطيني هُجّروا من قراهم عام 1948 لكنهم لم يغادروا وطنهم، بل انتقلوا للعيش في بلدات مجاورة لقراهم التي هدمتها العصابات الصهيونية بعد إفراغها من أهلها.

بحسب الإحصائيات الأممية والتي ذكرت عام 1950 أن عدد اللاجئين في الداخل يصل إلى 46 ألفا (العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير) فإنه بحساب نسبتهم من السكان الفلسطينيين الذين كانوا في الداخل في تلك السنة يشكلون أكثر من 30% من عدد السكان. هذا يعني أن عددهم اليوم يزيد على نصف مليون فلسطيني يعيشون في بلدات مثل عكا والناصرة وشفاعمرو والجديدة – المكر وشعب والمغار ويافا واللد ودير حنا والمزرعة والشيخ دنون ومجد الكروم وأم الفحم والجش وفسوطة وغيرها.

هؤلاء يمرون على قراهم التي هجروا منها، وليس فقط أنهم لا يستطيعون العودة إليها والسكن فيها، بل في أغلبها لا يمكنهم حتى الدخول إليها واسترجاع ذكرياتهم فيها، وهذا أكثر إيلاما من التهجير نفسه. إذ ليس أصعب على النفس من أن ترى بيتها وأرضها وبساتينها وحقولها وينابيعها أمامها لا تستطيع أن تصل إليها بينما ترى الغريب الطارئ قد استقر فيها؛ يأكل من خيراتها ويشرب من مائها ويتنفس هواءها وينام في فراشها وكأنه ورثها عن أبيه وجدّه…!

هناك 44 قرية فلسطينية بقي أهلها أو قسم منهم في الداخل. ومن القرى التي بقي غالبية أهلها: المجيدل ومعلول والدامون والبروة والرويس وإقرث وكفر برعم والحدثة ومفتخرة والمنصورة وقوميا واللجون. وهناك قرى بقي عدد قليل من أهلها مثل سيرين وإندور وكوكب الهوا والغابسية وميعار وصفورية.

هذه الأسماء، مثلما هذه القضية، يجب أن تبقى ماثلة أمامنا تتناقلها الأجيال، مع الأمل ألا نضطر إلى أن ننقل روايتها النازفة ووجعها الذي لا ينتهي إلى أجيال كثيرة قادمة.

 

3. ثابت الأخلاق والقيم

لا بدَّ أن ندرك أن الأخلاق ليست مسألة نسبية بحيث أن هناك أخلاقا تصلح لمجتمع ولا تصلح لآخر كما يزعم المبطلون والمفسدون، وكما هو الحال في زماننا، بل هي واحدة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغيّر المجتمع أو بتغيّر الأفكار. والأخلاق هي مجموعة القيم والسلوكيات الإنسانية التي تميز المجتمع البشري عن غيره من المجتمعات والكائنات، وهي هي كما وردت في الشرائع السماوية منذ عهد نبي الله آدم عليه السلام مرورا بنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه. فهي من مشكاة واحدة هي مشكاة الإسلام دين الله الواحد.

وإن مجتمعنا في الداخل، بصفته جزءًا من الشعب الفلسطيني ومن العالم العربي ومن الأمة الإسلامية ومن المجتمع الإنساني، ليس استثناءً في هذه القاعدة. ومن ثَمَّ فإن ثابت الأخلاق الصافية والقيم النقية التي هي أساس نهضة المجتمعات وأصل حضارتها يعتبر من أهم وكبريات الثوابت التي على مجتمعنا أن يتمسك بها ولا يحيد عنها ولا ينحرف عن طريقها، وإلا فإن المصير المحتوم هو السقوط والتخلف والبقاء في ذيل قافلة الأمم، وهذا يرافقه بالضرورة تفكك مجتمعي وأسري وتناحر وتنافر وتخاصم وتصادم حتى في أصغر مسائل الخلاف أو الاختلاف.

إن مجتمعا دون أخلاق رفيعة وقيم سامقة لا مستقبل له حتى لو حقق أعلى درجات التقدم العلمي والتكنولوجي، وحتى لو نفذ من أقطار السماوات الأرض، بل إن انهيار الأخلاق والقيم نتيجته الحتمية تلاشي الأمم والشعوب، لتنطبق عليها سنّة الاستبدال.

بهذا يمكنني القول إنني أجملت أهم الثوابت التي على شعبنا الفلسطيني، وخاصة الأهل في الداخل أن يتمسك بها ويعض عليها بالنواجذ ويدافع عنها بكل ما أوتي من قوة. هي ثوابت إسلامية وثوابت سياسية وثابت قومية وثوابت وطنية وثوابت أخلاقية وثوابت اجتماعية وثوابت جغرافية وثوابت تاريخية حريٌّ بكل واحد منا أن يفقهها وأن يسير على ضوئها وأن يبني تصوراته في حاضره ومستقبله وفي تفاعلاته مع قضايانا كلِّها- صغيرها وكبيرها- على أساسها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى