أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (71): حديث في الثوابت (7)

ثابت "لا شرقية ولا غربية.. بل عربية إسلامية":

حامد اغبارية

ثابت “لا شرقية ولا غربية.. بل عربية إسلامية”:

في شهر آب من العام 1980 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 478 الذي يعتبر قانون الأساس الإسرائيلي الذي صدر في تموز من نفس العام بأن القدس الموحدة هي عاصمة دولة إسرائيل هو خرق للقانون الدولي. ولا يزال هذا القرار الدولي ساري المفعول حتى الآن، بمعنى أنه حتى ما يسمى بـ “المجتمع الدولي” لا يعترف بشيء اسمه القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل.

ولو اكتفى الفلسطيني بهذا القرار وحده لكان وسيلة قانونية دولية لمقارعة الاحتلال، فما بالك وهو يعتبر أن المسألة فيما يتعلق بالقدس أكبر بكثير من مجرد قرار يتخذه مجلس الأمن الدولي أو أية هيئة دولية أخرى؟ بل وأكثر من ذلك: ماذا لو أن مجلس الأمن وكلَّ هيئة دولية أخرى وكل دولة فوق كوكب الأرض اعترفوا جميعا بأن القدس الموحدة هي عاصمة المؤسسة الإسرائيلية؟ هل هذا يعني أن الفلسطيني فقدَ حقه في القدس لمجرد هذا الاعتراف؟! وهل هذا يلزمه بالاعتراف بما اتفق عليه هؤلاء وأقرُّوه؟ وهل هذا يعني أنه إذا اتفق ما يسمى بـ “المجتمع الدولي” على تقسيم فلسطين عام 1947، فإن على الفلسطيني أن يرضى ويسكت ويحمد الله أنهم لم يأخذوا منه كلَّ شيء؟ ولو رضي بالتقسيم، فهل التزم ذلك “المجتمع الدولي” بالقرار الذي اتخذه؟ خلاصة القول: هذه لعبة كان الشعب الفلسطيني ضحية لها.

غير أن المسألة أكبر وأوسع وأشمل من ذلك بكثير، وهي تتجاوز الفلسطيني، بل وتتجاوز خارطة العالم العربي لأنها من أخص خصوصيات الأمة الإسلامية. فالقدس هي القدس، لا شرقية ولا غربية. والمسلم لا يعرف قدسا غير القدس التي يعرفها من تاريخه وحضارته ودينه، وليس مهما في هذه الحالة إحداث تغييرات في جغرافيتها أو ديمغرافيتها.. فهذه طارئات كأي طارئ شهدته المدينة على مدار تاريخها، وكل طارئ مُنْتَهٍ لا يغير من الحقيقة شيئا. كانت القدس قبل النكبة مدينة واحدة بأهلها الفلسطينيين وبتاريخها المعروف عبر الزمن، غير أن العصابات الصهيونية وضعت يدها على الجزء الغربي من المدينة، وكان في الحقيقة جزءا يكاد يكون خاليا من اليهود إلا من عدد من العائلات اليهودية التي استوطنت في المكان، بعضها كان موجودا سابقا، وقسم كبير منها استُحضر في موجات ما يسمى بالهجرة اليهودية. وكان هذا الجزء يقع تحت ملكية عائلات فلسطينية عريقة معروفة منها عائلة الحسيني وعائلة النشاشيبي، إضافة إلى أملاك عامة وأراض تابعة للكنيسة الأرثوذكسية. وقد تسنى للعصابات الصهيونية السيطرة على القسم الغربي من المدينة بعد معارك طاحنة مع المقاومة الفلسطينية وسقوط العديد من القرى المحيطة بالمدينة المقدسة. ثم إن الكيان الجديد الذي أطلق على نفسه اسم “دولة إسرائيل” بدأ تنفيذ مخطط تهويد المدينة من خلال نقل مؤسسات الحكم من تل أبيب إلى الجزء الغربي، وتحديدا عام 1949، بعد أن أعلنت هيئة الأمم المتحدة ما يسمى بـ “تدويل القدس”. وكان هذا “التدويل” هو أيضا جزء من مخطط التمكين للمشروع الصهيوني. عندئذ قررت تل أبيب اعتبار القدس (الجزء الغربي) عاصمة لها!

أقام “الكيان الجديد” مؤسسات حكمه في غربي المدينة، واختار لها موقعا استراتيجيا أطلق عليه اسم “جفعات رام”. وفي الحقيقة أن هذا الموقع كان عبارة عن قرية فلسطينية عريقة مليئة بالحياة والإنتاج والحضارة اسمها قرية “الشيخ بدر” اقتحمتها عصابات “الهاجاناه” أثناء الحرب عام 1948 وطردت أهلها منها ثم هدمتها تماما. في هذه المنطقة وضعت المؤسسة الإسرائيلية غالبية مؤسسات الحكم، عدا مبنى الكنيست الذي أقيم لاحقا (عام 1966) فوق أرض بملكية فلسطينية خاصة كما تؤكد وثائق الأرشيف الفلسطيني، بينما تزعم المؤسسة الإسرائيلية أنها استأجرت الموقع الذي أقامت عليه مبنى الكنيست من الكنيسة الأرثوذكسية لفترة طويلة المدة (99 سنة). وحتى لو صحّ هذا الادعاء فإن هذا يعني أن أهم مؤسسة وأكبر رمز من رموز المشروع الصهيوني قائمة على أرض ليست ملكا له أصلا. وفي هذا ما يكفي ويزيد.

في سنة 1995 صرّح الراحل فيصل الحسيني رحمه الله بأن 70% من أراضي غربي القدس هي بملكية فلسطينية بالوثائق والمستندات. وليس معنى هذا أن الـ 30% المتبقية ليست بملكية فلسطينية، وإنما كان يقصد (بصفته الرسمية كقيادي فلسطيني وبصفته الشخصية كابن لعائلة الحسيني) أن هذه الـ 70% بملكية خاصة، وما تبقى منها بملكية عامة، وقسم منها تابع للكنيسة الأرثوذكسية، وقليل جدا منها بملكية أسر يهودية كانت تعيش في المدينة قبل النكبة وقبل موجات الهجرة الاستيطانية في ثمانينات القرن التاسع عشر. فهي عائلات يهودية الديانة فلسطينية الهوية، وأغلب هذه العائلات وصلت إلى فلسطين بعد طرد اليهود من الأندلس في القرن الخامس عشر. وقد ضمنت لهم الدولة العثمانية الإقامة الآمنة في بلاد المسلمين.

هذه العجالة التاريخية إنما أردنا منها تأكيد المؤكد، وهو أن في فلسطين مدينة واحدة تسمى مدينة القدس، وهي ذات المدينة التي نعرفها من التاريخ العربي باسم يابوس وأيلة أو إيلياء. بل إن الاسم “أوشاليم” إنما هو اسم كنعاني الأصل وليس عبرانيا كما يتوهم البعض. وكانت تسمى عند الكنعانيين باسم “أور سالم” أو أور شالم” ويعني النور والسلامة والأمن. ومن ثمّ فإن القدس التي على الفلسطيني والعربي والمسلم أن يتحدث عنها هي قدس واحدة، لا شرقية ولا غربية، كما عليه أن يدرك أن الطارئ لا يغير الحقيقة التاريخية، وأن أي تغيير في خريطتها الجغرافية أو خريطتها السكانية لا يغير من الحقيقة شيئا، وأنه ليست هناك قدس غربية وأخرى شرقية. فهذا من أوهام السياسة التي غرقت فيها قيادات فلسطينية وعربية وإسلامية قبلت على نفسها المهانة، ووقّعت على وثائق تزوير التاريخ تحت وطأة ضعفها وذلّها، بعد أن فعل الاستعمار الغربي الممهِّد لتمكين الصهيونية أفاعيله في المنطقة. وإن شئت فإن القدس التي نعرفها هي تلك التي داخل الأسوار التاريخية أو ما يعرف اليوم بمصطلح “البلدة القديمة”، وما سوى ذلك تابع لها أو ضاحية من ضواحيها أو حي من أحيائها أو قرية ضمن قضائها.

وإنك لتستغرب فعلا عندما تجد بيننا من يشتري الأضاليل ويقبل بها ويعتبرها واقعا لا مفر منه، فيروح يردد المسميات التي فرضت بقوة السلاح وبقوة التزوير والبطش بالتاريخ وسفك دم الحقيقة. هؤلاء تجدهم يستخدمون مصطلح “القدس الشرقية” و “القدس الغربية” وكأن هناك قدسين اثنتين لا قدسا واحدة! وليتهم يكتفون بهذا، بل إنهم يقرّون للطارئ بما فرضه الواقع، وهذا من كبريات المصائب. (يتبع).

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى