أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

 معركة الوعي (70): حديث في الثوابت (6)

حامد اغبارية

ثابت المبشرات:

وإن من أهم أسس فهم السياق التاريخي الذي تحدثتُ عنه في المقال السابق، الاعتقاد اليقيني بأن للسياق التاريخي صلة وثيقة بالمستقبل. وهذا تحديدا ما نسميه نحن المسلمين “المبشرات” التي تضمنتها رسالة الإسلام العظيم الذي جاء به رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

لقد تضمنت رسالة الإسلام كمّا هائلا من المبشرات (المستقبلية) سواء الواردة في آيات وسور القرآن الكريم أو تلك التي وردت في أحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة يطول الحديث فيها. ومنها مبشرات ذكرها القرآن وذكرها النبي عليه السلام فوقعت تحقيقا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وعايشها الصحابة عيانا وعاشوا تفاصيلها، ومنها ما وقع لاحقا بعد عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين في زمن التابعين. فكانت هذه قاعدة يستند إليها المسلم الفطن ليستقر في قلبه وعقله أن المبشرات التي لم تقع بعدُ لا بدّ واقعة، أولا لأن الأحاديث الصحيحة أكدت وقوعها، وثانيا لأنه لم يحدث أن اختلف علماء الأمة وأئمتها حول ثبوت صحتها ويقينية وقوعها في قابل الأيام. ومن هنا لا يجدُر بمسلم أن يساوره شك، ولو بمقدار ذرة، في وقوع تلك المبشرات تماما كما وردت وكما وُصفت في آي القرآن أو في الأحاديث النبوية الشريفة. ولأن الحديث في هذا الموضوع طويل ومتشعب فإنني أنصح كل مهتم أن يرجع إلى التصنيفات التي لا تحصى والتي تحدثت عن كل المبشرات القرآنية والنبوية؛ ما وقع منها وما لم يقع، وخاصة تلك التي لم تقع بعدُ. فمعرفتها تزيدك يقينا بأن ما تعيشه الأمة في زماننا هذا من مهانة وذل وضعف وشتات وضياع وظلم وقمع وكبت وتبعية إنما هو مسألة مؤقتة لا بد لها من نهاية، وهو مرحلة من مراحل تمحيص الأمة التي لا بدّ منها، كي تنتقل إلى مرحلة التمكين والسؤدد.

ولعلك لا يفوتك أن تدرك أن المبشرات التي ستأتي مستقبلا مرتبطة ارتباطا وثيقا بأمور مضت في سالف الأيام. ومن ذلك تأكيد رسالة الإسلام على أن المسجد الأقصى المبارك هو ثاني مسجد بني في الأرض، بعد أربعين سنة من وضع المسجد الحرام. وهذه مسألة لا جدال فيها لأنها عقيدة. فالأقصى القائم اليوم في مدينة القدس المباركة على مساحة مائة وأربعة وأربعين دونما هو مسجد في كل مساحته تلك. ومن حيث أنه مسجدٌ فهو مكان للساجدين العابدين. ولما أن البشرية لم تعلم ساجدين عابدين منذ نبي الله آدم عليه الصلاة والسلام إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم غير المسلمين، سواء أولئك الذين عاشوا في زمن آدم أو نوح أو إبراهيم أو إسماعيل أو إسحق أو يعقوب أو يونس أو هود أو صالح أو يوسف أو عيسى بن مريم عليهم الصلاة والسلام جميعا، وصولا إلى عصر الرسالة الخاتمة، فإن المسلمين هم أصحاب الحق الوحيدون في المسجد الأقصى المبارك، وليس لغيرهم حقٌ فيه لا من قريب ولا من بعيد. هذا ثابت لا يتغير.

ثم يجدر بك أن تتمسك بأسنانك وأظفارك وقلبك وعقلك ونفسك وروحك بأن الحق تبارك وتعالى قد أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس. وقد خلدت هذه الرحلة العجيبة العظيمة في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، وهي الآية الأولى في سورة “الإسراء” التي تسمى أيضا سورة “بني إسرائيل”، وهي تسمية لم تأت هكذا جزافا ولا عبثا، بل لها أبعادها المستقبلية. وأنت ترى كيف أن ما يجري اليوم على أرض الواقع له علاقة وثيقة بتلك الأبعاد. وهذا أيضا ثابت لا يتغير.

وإنك إذا استوعبت هذا وغيره حتى ارتقى عندك إلى درجة اليقين فمما لا شك فيه أن فهمك للمبشرات التي لم تقع بعدُ سيكون مختلفا وأقرب إلى الفهم الصحيح. ومن هنا فإن من المبشرات دخول المسجد (الأقصى) كما دخله المسلمون أول مرة. والدخول هنا ليس الولوج من الأبواب المؤدية إلى داخل المسجد، فهذا نفعله كل يوم تقريبا رغم وجود الاحتلال ورغم كل الظلم المحيط بالمسجد وحول المسجد. إنما المعنى دخول الفتح المؤدي إلى التمكين التام والنهائي. وهذا أيضا ثابت لا يتغير.

وإن من المبشرات قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف/ الصحيح: {حدثنا أحمد بن صالح حدثنا أسد بن موسى حدثنا معاوية بن صالح حدثني ضمرة أن ابن زغب الإيادي حدثه قال: نزل عليَّ عبدُ الله بن حِوالة الأزدي فقال لي: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا فلم نغنم شيئا وعرف الجهد في وجوهنا فقام فينا فقال: اللهم لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم. ثم وضع يده على رأسي أو قال على هامتي ثم قال: يا ابن حوالة؛ إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك} (صححه الألباني).

فالحديث يؤكد نزول الخلافة في الأرض المقدسة التي هي بيت المقدس. وهذا أيضا ثابت لا يتغير.

ثم من المبشرات أيضا ذلك الحديث العظيم الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم مراحل الحكم وأنواعه في عصر الإسلام. وانظر هنا كيف أن الحديث يتحدث عن مراحل حكم وقعت فعلا، ومراحل حكم ما تزال واقعة في أيامنا ومرحلة حكم لم تقع بعدُ. وأن ذلك الحكم الذي لم يقع بعدُ لا بدّ واقع في بيت المقدس. يقول عليه الصلاة والسلام: {تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثمَّ سَكَتَ}. وتأمل كيف أن النبي عليه السلام بشر بخلافة على منهاج النبوة قبل أن تقع تلك الخلافة (وهي الخلافة الراشدة) ثم بشر بالملك العضوض أو العاض، الذي يعني توريث الحكم كما في عصر الأمويين والعباسيين والعثمانيين، وقد بشر بذلك قبل أن يقع، وقد وقع فعلا. ثم تحدث عن ملك جبري، لم يكن قد وقع، وقد وقع فعلا، وهذا واقع الآن كما نعيشه ونراه عيانا ونذوق طعم عذاباته وآثار مراراته. فإن كان هذا كله قد بشّر به النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، وقد وقع، فما الذي يجعل مسلما ذا لب وفطنة يشك في وقوع خلافة على منهاج النبوّة في آخر الزمان؟

إنها واقعة لا محالة، وإن مكانها سيكون في بيت المقدس، إذ لم يسبق لمدينة القدس أن كانت ذات يوم عاصمة للخلافة، فهي المعنية في الحديثين. وهذا أيضا ثابت لا يتغير.

وإن من تلك المبشرات الأحاديث الكثيرة عن أرض الشام وفضلها ودور الإسلام المستقبلي فيها، وحقيقة نزول المسيح عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان وسائر الآيات أو أشراط الساعة التي لا نشك في صدق مَن حدّثنا بقوعها صلى الله عليه وسلم ولا بحقيقة وقوعها مستقبلا.

خلاصة القول إن علينا أن نوقن بأن المبشرات القرآنية والنبوية ذات العلاقة صادقة لا تشوبها شائبة ولا يداخلها باطل، وأن كل هذا سيحدث في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس. هذا ثابت لا يتغير كذلك. (يتبع).

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى