أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الداخل الفلسطيني بين حدّ السيف وحماية الأسوار

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

انتهت هذه الحرب باحتفالات طالت كافة مكونات شعبنا الفلسطيني، رغم عدم التوازن في قوى الجانبين الإسرائيلي والمقاومة، ووضعت القدس والمسجد الأقصى في معادلات الصراع، ممّا يعني أن ثنائيه الحرب بين الاحتلال والمقاومة في غزة، قد دخل عليها عامل الأمة، باعتبار أن المسجد الاقصى ليس خصيصة فلسطينية، تماما كما فعل نتنياهو في بيانه قبل الأخير في الحرب، عندما صرّح أن جيشه يقاتل عن الغرب (الكلمة المخففة للصليبية، مؤكدا الدور الوظيفي لدولته) ممّا يعني كذلك أنه أمّم الصراع وبفضل أدوات التواصل الاجتماعي أمِمَ الصراع لتدخل على خطوطه معظم أمم الأرض، بعدئذ تم نقل وقائع هذه الحرب بالبث المباشر وعبر أدوات التواصل التي لعبت دورا مركزيا في تبيان معالمها وما خلّفته.

ما يهمنا هنا، هو وضعية الداخل الفلسطيني في ظل الأحداث وتداعياتها، حيث شارك الداخل الفلسطيني كظهير رافض للبطش والعنجهية الإسرائيلية، ابتداء في المسجد الأقصى المبارك ومن ثم في الحرب على قطاع غزة.

يشكّل تصريح النيابة ووزارة الأمن الداخلي مدخلا لفهم العقلية الإسرائيلية في كيفية تعاطيها معنا، فقد حدّدت الدولة ثلاثة أهداف شكّلت التوجيه العملياتي للاحتلال اتجاهنا، إعادة الهيبة للدولة وتحقيق سياسات الردع. وإعادة الحكم والنظام وإعادة الأمن للمواطنين. واستعملت عددا من الوسائل لتحقيق هذه الأهداف، منها كما تتضح معالم المشهد حتى هذه اللحظات: الشرطة، الوحدات الخاصة وحرس الحدود ومختلف القوات المتعلقة بهذه الدائرة، المخابرات “جهاز الشاباك”، جهاز القضاء، المؤسسات المدنية ذات الصلة بالمؤسسات الصهيونية العالمية كالجوينت، الإعلام. وزاوجت المؤسسة بين هذه الوسائل والتلويح المستمر بالعصا عبر ممارسات قمعية واعتقالات، وعبر أدواتها الإعلامية الرسمية وغير الرسمية التي تجندت بالكامل لصالح تحقيق الأهداف المذكورة، وسعت عبر سياسات فرّق تسد لشق الصف الداخلي في تعبير ممجوج عن العقلية الكولونيالية التي لا تزال تحكم الجماعة الحاكمة في إسرائيل.

هذه السياسات جعلتنا كمجتمع وكأفراد، أمام التحديات الدائمة الوجودية والمطلبية، ولكن أضافت إليها تحدي يتعلق بالانتماء والهوية، وهو ما دفعنا كمجتمع وكأفراد إلى المدافعة مع المنظومة السياسيات الناظمة للحياة السياسية في المجتمع الإسرائيلي، وإلى تبيان حجم وتقدير العلاقة مع المكونات السياسية الناشطة في مجتمعنا (إنْ وجدت)، وفي سياق جدل العلاقة مع الأغلبية اليهودية، تتموضع قضية التماهي والتعاضد الأخلاقي والعملياتي مع مظلومية الشعب الفلسطيني، حيث تجلت تلكم المظلومية بأعنف صورها في القدس والمسجد الأقصى وقطاع غزة، ولكن في نفس السياق، راكمت مظلوميات أُخَرْ كمظلوميات المجتمعات الفلسطينية في المدن الساحلية. هذا السياق تطلب ويتطلب إجابات في كيفية التعاطي مع هذه المظلوميات من جهة، وكيفية تحويلها من محن وتحديات، إلى فرص تتعزز من خلالها مُمَكِنات الهوية والانتماء، وهذا بالضرورة يستلزم راهنا إجابات شرعية وسياسية تتكون مدياتها الفكرية بين الشرعي والسياسي، وتتكون مدياتها المكانية على مساحة فلسطين التاريخية (الانتدابية).

 

رؤية الأحداث

انطلقت في مدينة يافا، أزمة السكن والدور الممارس تحت حماية السلطة التوراتية التي هدفها الأساس تهجير العرب من المدن الساحلية، واستمرارا مع جرائم الاحتلال في حي سلون المقدسي، ثم الشيخ جراح، ثم جرائم الاحتلال في المسجد الأقصى، حيث كانت بداياتها في التحرش في الشباب المقدسي في باب العمود والتحرش من اليوم الأول لرمضان بالمصلين، وقطع التيار الكهربائي مرة والسماعات مرة أخرى، وتزامنت هذه الاحداث مع الوضعية السياسية واستحقاقاتها ومحاولات نتنياهو تشكيل حكومة في ظل حالة الاستقطاب داخل معسكره، معسكر اليمين. لقد تجاوزت تحرشات الاحتلال حد المعقول في ممارساتها الباغية في المسجد الأقصى، خاصة في شهر رمضان المبارك، الأمر الذي رفع من وتيرة التوترات محليا وقطريا واقليميا، وأدخل على الخط حركة حماس وتهديدات قائد الكتائب، محمد الضيف. طبعا دخول الحركة والمقاومة على خط ملف الأقصى والقدس حَمال دلالات وأوجه ليس أقلها إعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة، وفي مقدمتها القدس والاقصى وإحالتها من قضية فصائلية الى قضية أممية.

من الضرورة بمكان، الإشارة إلى أن تغوّل الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى، ارتبط بعوامل اسرائيلية داخلية، تتعلق بتعاظم التيار الحاريدي والتيار الصهيوني الديني وعموم اليمين، وفرضه أجنداته على الساحة الإسرائيلية الداخلية المجتمعية والحكومية، ومن ضمن ذلك أعمالهم في البلدة القديمة وحي سلوان بدعم مباشر من الاحتلال الإسرائيلي، وتعتبر جمعية إلعاد رأس الحربة في هذا المضمار، حيث وصلت ميزانيتها خلال عام 2020 إلى أكثر من 100 مليون شيقل.

إلى جانب ذلك، تلقى الاحتلال دعما مباشرا من دول عربية تماهت معه ضد الشعب الفلسطيني واعتبرت المسجد الاقصى والقدس قضية فلسطينية، بل شكك بعضهم بمكانة المسجد الأقصى، وأنه ليس في القدس، ولعل ثالثة الأثافي كانت في خطبة الجمعة الأخيرة في الحرمين، المكي والأقصى، حيث اعتبر الاول صلاة اليهود في الاقصى حق تعبدي ولم يتطرق الآخر للمقاومة ومجّد السلطة وأبا مازن ودورهما في الأحداث الأخيرة، وقد واجهه الشباب المنتفض ضد الاحتلال.

 

الشباب رأس مال حي

أكدت الأحداث أن الشباب هم رأسمال حقيقي، وأهم ثروة وطنية، وهو ما يستوجب جملة من المراجعات سواء على مستوى ثنائيات العلاقة بين الشباب والمجتمعات التي يعايشونها، أو العلاقة مع الآخر الإسرائيلي، وفهم ما تعمل عليه السلطات في مجتمعنا. ولعل صور ومشاهد ما ينقل عن تصرفات السلطات مع شبابنا تشي بهذا التوجه الرامي لتحقيق الأهداف المشار اليها سابقا.

إنهم يريدون قمع ليس فقط الجيل الذي انتفض على الظلم، بل الأهل والناس والشعب، يريدون ترويع المصالح التجارية وأصحابها، يريدون تخويف رأس المال المحلي وترويعه، والأخطر هو أسلوب التجنيد والاسقاط للشباب والصبايا الصغار. ولذلك وجب علينا أن نَحذّر ونُحصّن أنفسنا كمجتمع وشعب.

الفشل الإسرائيلي في رهاناته على الداخل الفلسطيني، لا يعني أنه سييأس ويتراجع عن مراكمة ما حقق من إنجازات عينية في مجتمعاتنا، كانت تتأكد يوميا في صيرورات العلاقة معنا كمجتمع عبيد وخدم. فقد فشل في عملية الترويض والتركيع والإستخذاء كما فشل في سياسات التمييع والتخنيث والالهاء، وفشل كما هو واضح من منطق المواجهات وتداعياتها من اعتقالات وامتهان للمعتقلين في زرع الرهبة والخوف، وبالتالي فشل في تحقيق الاسرلة. ولذلك فقد كشفت هذه الحرب على مستوى الداخل الفلسطيني في المقابل عن قضايا مهمة لمجتمعنا، تستوجب العمل راهنا ومستقبلا ضمن رؤية إستراتيجية تتطلب إجماعا شعبيا وحزبيا، وفي مقدمة هذه القضايا معاناة مجتمعات المدن الساحلية (يافا واللد والرملة وحيفا وعكا) وتفكيك خطاب الكراهية الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي وفضحه، وتحديد معالم العلاقة في سياقات المواطنة والحقوق وباعتبارنا أصحاب هذه البلاد.

لا شك أن هذه الأحداث كشفت عن جوهر الشباب، ومدى وعيهم وفهمهم للأوضاع السياسية في البلاد، وهو ما يستدعي قراءات متجددة لهذا الجيل، وفهمه فهما حقيقا بعيدا عن التشنجات والمواقف المسبقة.

 

بين هويتنا وانتماءاتنا

هوية الداخل الفلسطيني في تصوري لا تزال تمر في مرحلة التصور، وقد تخلّقت عبر ثلاثة مسارات: الاقصى والقدس والوطن الفلسطيني، وعزز هذه الهوية الأحداث الجارية مع شعبنا الفلسطيني، والمظلومية التي تعرض ويتعرض لها من أبواق عربية وفلسطينية عملت على تشتيت الجهد الفلسطيني. ونتيجة لتجدد الهوية بسبب الأحداث بأن كان راس مالها المتجدد المسجد الاقصى المبارك، تتعزز معالم الانتماء الديني والشرعي والهوياتي الاسلامي بسياقاته الثلاثة، المقاوم (إعلاميا، نضاليا، عملياتيا)، والمُعاضَد مجتمعيا (أنظر جنازة الشهيد محمد كيوان)، والمتواصل مجتمعيا (الميديا والميديا المجتمعية).

طبيعة الهوية أنها متجددة ومراكمة وليست متغيرة، بمعنى أن هوية الإنسان أي إنسان محملة بمنظومة قيمية ثابتة أسها الدين والمعتقد (حتى لدى العلماني ثمة ثوابت تشكل هويتها تقارب الايدولوجيا الدينية) لا تتغير ولا تتبدل، بل تُراكم وتتقدم وخلال مسيرة الإنسان الحامل للهوية، ثمة متغيرات وثمة ثوابت، الثابت عندنا كما يتضح من خلال الأحداث هو الأقصى، برسم وضعيته الدينية والوطنية التي تستمد وجودها من أصل الدين بسياقاته العقدية والتعبدية.

تتعاظم قضايا الانتماء تبعا لتداعيات الهوية فبينهما اتصال وانفصال، اتصال متعلق بقضايا الأمة الحارقة التي ترتقي الى المستوى الوجودي فبدونها يفقد الانسان ذاته لصالح هوية دخيلة ومن ثم تتغير معالم الانتماء تبعا لهذه الهوية.

الهوية الاسلامية حملت في ثناياها ثلاثة هويات صغرى خرجت من نهر الهوية الكبير لتتخلق الهوية الوطنية والأخرى العروبية والثالثة الإسلامية المُحدثة، المسماة الهوية الحركية التي تخلقت في أتونات الاستعمار الكولونيالي الذي لا تزال آثاره إلى هذه اللحظات.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى