أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الرسائل الخفية في الإعلام وكيف تجدها (35): عندما يتحول الصحفي الى جندي- لم يعد هناك ما يخفونه!

عائشة حجار

في مثل حالات الحرب التي نعيشها كل بضع سنين، في هذه البلاد التي يشهد كل شبر فيها على دماء أريقت في سبيلها، بلاد لا تعرف السلم إلا في قصائد تتغنى بها، يتحول الصحفيون إلى جنود مع كل معركة. كل من يدرس أبسط مواد الصحافة يعلم أن الصحافة في كل بلد تتجند لصالح حكومتها وتنشر روايتها مهما كانت الخلافات بين الصحافة والحكومة.

مثل كل هبّة تنجم عن الاضطهاد والاستفزاز المستمر لفلسطينيي الداخل “تفاجأ” الإعلام الاسرائيلي بـ “أعمال الشغب” التي يقوم بها “ناكرو الجميل” هؤلاء، كما لا يجيدون الربط بين غضب فلسطينيي الداخل والضفة الغربية وأهالي القدس، فهؤلاء في وعي الصحفي الإسرائيلي مجرد مجموعات سالبة مفصولة عن بعضها البعض، وبالتأكيد فلا مكان لتعاطفهم مع أهالي غزة الذين لهم معاملة خاصة لدى الصحافة الاسرائيلية. فضحايا المعارك هم قبل كل شيء الأطفال والأبرياء الذين يريدون العيش بهدوء لا أكثر، هؤلاء لا يراهم الصحفي الإسرائيلي، ففي غزة مجموعة من الكائنات العنيفة غير العاقلة التي كلما قلّ عددها بدا العالم أفضل، التعامل معهم أشبه بكائنات مزعجة في حديقتك الخلفية لن تشعر بأي ندم عندما تتخلص منها بطريقة قد تمحوها، المهم أن تكف عن ازعاجك، حتى لو قتلت ايضًا تلك التي تواجدت في المكان ولم تؤذك. الصحفي الاسرائيلي يريدك أن تعتقد أن الفلسطينيون كائنات تألف خشونة العيش والشقاء فهم يرفضون “التقدم” الذي يترجم في امتلاك بيت على رقعة أرض أو في بناية وفي الحصول على طعام كاف في صحن العشاء. نحن نعلم كل هذا ونتوقعه، ونعلم أنّ للصحافة الاسرائيلية دورًا مركزيًا في زرع كراهية العربي الذي يتمسك بهويته، وحب العربي الأليف حبًا يشبه حبي لقطتي التي اعاقبها على موائها المزعج واستلطف شكرها لي إن ناولتها صنفًا بسيطًا من الطعام. أذكر هنا السيدة الطيبة منال اسماعيل التي شاركت ببرنامج “ماستير شيف” في القناة 12 الاسرائيلية، كان الحكام في البرنامج ينثرون عليها الاطراءات كلما حضرت البقلاوة والمعمول وتصرفت بلطف مع كلام هادئ بعبريتها الممتازة، لكن كانت تكفي عبارة واحدة أكدت فيها منال أنّ الفلافل الذي حضرته هي طبق فلسطيني وعرفت نفسها على أنها فلسطينية، كان ذلك كافيًا ليبدأ الحكم “إيال شاني” بتلقينها أصول اعداد الفلافل وبقدرة قادر خسارتها في الحلقة التالية من البرنامج.

هذه المرة ارتفع سقف كراهية الصحفيين الإسرائيليين، وفقدوا في المقابل درجات من مهنيتهم، فالصحافة الاسرائيلية التي تعمل كماكنة عملاقة من الدعاية السياسية اغفلت كل معايير المهنية لصالح معطيات المشاهدة العالية التي تؤيد التطرف والصراخ، والتي تحول نشرة الاخبار إلى عرض ترفيهي لتفريغ الغضب والكراهية وتأجيج العنف. وصلت الصحافة الاسرائيلية إلى حضيض جديد عندما كسر “عميت سيغل” كل أخلاقيات المهنة باعتباره أن العرب في اللد يجب أن “يعدوا امواتهم” ودافع عن هذا الادعاء في نشرة الاخبار نفسها مرة واثنتين وثلاثًا، هذا التحريض الصريح على قتل المدنيين كان سابقة في جهاز يدعي المهنية والنزاهة. ومع أنّ كراهية العرب واستخدام صحفيين تصرخ عنصريتهم من افواههم الحاقدة ليحللوا وضع المجتمع العربي! ليس فقط عميت سيغل فايضًا تسفي يحزكيلي يستخدم للحديث نيابة عن الفلسطينيين الذين لا يعرف عنهم شيئًا سوى انه يكرههم!

ما هي خطورة استخدام خطاب الكراهية هذا إن كانوا في الجانب الآخر، الجانب الذي يكرهنا في كل الاحوال؟ الخطورة التي يجب أن يحذر منها الاسرائيلي نفسه هو أن الكراهية مرض معدٍ تنتقل من خارج كل مجتمع الى داخله. تترجم خطاب الكراهية الذي قاده سيغل ويحزكيلي وغيرهم سريعًا هذه المرة ليتحول الى مشكلة داخلية، لنسمع قبل أيام أن مجموعة من كبار الصحفيين الاسرائيليين بينهم دانا فايس ورينا متسلياح قد اضطروا لاستخدام الشرطة لحمايتهم بعد تعرضهم لتهديد حقيقي على حياتهم، الكراهية في خطاب الصحفي الاسرائيلي انصبت على أرضية خصبة من كره كل من يتحدث بشكل آخر ولتعود الى الصحافة الاسرائيلية على شكل خطر حقيقي. إذا لم يدرك صناع الوعي الاسرائيليون أن خطاب الكراهية نحو العرب يجب أن يتوقف (رغم عدم تعاطفهم أو اهتمامهم بالعرب) فإن هذا الخطاب سيترجم الى أفعال خطرة يندم عليها ذات صناع الوعي هؤلاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى