أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (68): حديث في الثوابت (4)

حامد اغبارية

ثابت “آية في كتاب الله”

وإن من الثوابت التي تدوم دوام القضية، ولا ينمحي أثرها بعد انتهاء القضية، أن فلسطين التاريخية هي عقيدة إسلامية لا تتغير ولا تتبدل ولا تتأثر بواقع ولا بمتغيرات، ولا علاقة لها بضعف الأمة أو قوتها. ففلسطين آية في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

قد يخرج علينا متنطع جاهل ليقول إن أول آية في سورة الإسراء والتي يقول فيها ربنا عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} إنما هي خاصة بالمسجد الأقصى المبارك وحسب وإنها لا تتحدث عن فلسطين. وعن هؤلاء نقول: لقد استفحل الجهل في عقولكم ولم تفقهوا الآية وتوقفتم عند بعضها وتجاهلتهم بعضها الآخر.

لقد أجمع علماء الأمة بمن فيهم علماء التفسير على أن قوله تعالى “الذي باركنا حوله” إنما يشمل كافة فلسطين، وأنه لو أراد غير ذلك مما يذهب إليه بعض الذين يعانون من ضحالة فهم آي القرآن لقال سبحانه {الذي باركنا فيه}. ولما أنه قال {الذي باركنا حوله} فإن البركة والقدسية وتبعية المكان للأمة تشمل كل ما حوله. بل أجمع أهل العلم والتفسير إلى أن {حوله} تشمل كافة بلاد الشام (فلسطين وسوريا والأردن ولبنان). وهذا ما تؤكده آية الإسراء وتدعمه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، التي ذكرت بلاد الشام في معرض الحديث عن الأرض الفلسطينية التي فيها المسجد الأقصى المبارك. بل ذكر بعض أهل التفسير أن (البركة) تمتد من العريش في سيناء إلى الفرات. وعلى ذلك فإن هناك إجماعا على أن ما (حوله) بالمفهوم المكاني تشمل كل ما أحاط ببيت المقدس من أراض وأماكن باركها الله تعالى. وإن قراءة التاريخ قراءة صحيحة تدلّك على أن الله تعالى الذي بارك في أرض المسرى وما حولها إنما بارك أيضا في (حول) كل من عاش فيها ودافع عنها ودفع عنها الأذى وعمل على رفع الظلم عنها. فكانت لفظة (حوله) تعني المكان وتعني القوة والقدرة كذلك. ولما أن المسجد الأقصى قد بني قديما بعد أربعين سنة من بناء المسجد الحرام، كما ورد في الحديث الشريف، فإن قدسيته وبركة وقدسية ما حوله لم تنقطع، وهي لن تنقطع أبد الدهر. ولذلك طهره نبي الله داود عليه السلام ثم نبي الله سليمان عليه السلام، ثم طهره عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبعده صلاح الدين الأيوبي، ثم حفظه العثمانيون بأحسن ما يحفظ مكان بارك الله فيه وفيما حوله.

خلاصة القول إن المسجد الأقصى المبارك وما حوله من أرض مباركة (بلاد الشام كافة) هي ثابت من ثوابت الأمة. وهذا ما يجب أن يفهمه أبناء هذه الأمة ويتصرفون على ضوئه. بل إن الله تعالى قد ربط قدسية هذا المكان على الأرض بقدسية السماء لما أسرى بعبده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء السابعة من ذلك المكان، لتكون قدسيته أرضية سماوية تامة دائمة لا لبس فيها. من أجل ذلك فإن المسجد الأقصى المبارك وما حوله من الأماكن جعل الله لها قدسية في نفوس أهل الحق.  وإن من الأماكن ما يبعث في نفوس أصحابها وفي نفوس من يرتبطون بها عقديًا طاقات روحية ونفسية تنعكس وتتجسد في أعمال قد لا يتصورها العقل. لذلك ترى الفلسطيني والعربي والمسلم يجترح المستحيل من أجل الدفاع عن أرض الإسراء التي تشمل أرض بلاد الشام كافة. وهذا فضلٌ كتبه الله لهذه الطائفة وقدره لها في سابق علمه، لأن مستقبل البشرية كلها متعلق بمصير المسجد الأقصى المبارك وبمصير أرض الإسراء التي تشملها آية {الذي باركنا حوله}.

هذا ثابت آخر من ثوابت مستقبل قضية الصراع على فلسطين، ذلك أن مستقبل هذا الصراع متعلقةٌ نتائجُه بفهمنا لحقيقة هذا الصراع وعمق معنى هذا الثابت الذي يضاف إلى ما تحدثنا عنه قبل ذلك من ثابت فهم القضية وثابت وقفية فلسطين. (يتبع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى