أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

بين سيف القدس وحماية الاسوار تكمن كلمة السر

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

ليست هذه الحرب الأولى التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وكما يتضح فإنها لن تكون الأخيرة، ومنذ عام 2008 وحتى هذه الحرب (شنَّ الاحتلال ثلاثة حروب على القطاع، عام 2008، 2012، 2014) طوّرت المقاومة في قطاع غزة من قدراتها العسكرية واللوجستية والاستخباراتية والسايبر، ما دفع عديد القادة الإسرائيليين للاعتراف بقدرات المقاومة، كما أن الاحتلال الإسرائيلي طوّر من أدواته وتَحَّصّل على دعم غربي وعربي وأمريكي في هذه الحرب سعيا لتفكيك المقاومة وتركيعها لترفع الراية البيضاء.

في هذه المقالات الثلاثة، سأتناول في التحليل من رؤية استراتيجية ورؤية مستقبلية مستقبل كل من المقاومة والاحتلال، ضمن محددات ثلاثة، محدد القوة بمستوياتها الثلاثة: الإرادة، القوة المادية، قدرة التحمل بمكوناته الثلاثة: القدرة على تحمل الشدائد، القدرة في الصبر على الشدائد، والقدرة على تحمل تداعيات ونتائج الحرب، وثانيا: المحدد الإعلامي والحرب النفسية التي تدخل بقوة في هذه المعركة من الجانبين وثالثًا المحدّد السياسي باعتباره المعطى المُرتجى تحقيقه من خلال هذه الحرب.

ثمة ضرورة تقتضي التأكيد تتعلق بهذه الحرب التي اندلعت أواخر شهر رمضان المبارك، تتعلق بنتنياهو كشخص وكرئيس وزراء وكقائد يميني متطرف. ثبت في هذه الأحداث أنه يملك أدوات يمينية متطرفة يحرّكها لتحقيق مصالحه السياسية الشخصية المغلفة بقيم أيديولوجية يمينية متشددة، تتجلى هذه اللحظات في تيار ممثل في الكنيست مكون من بقايا التيار الديني الصهيوني المتشدد- هتسيونوت هدتيت، الصهيونية الدينية- يقوده بتسلئيل سموطرتش بشراكة مع حزب عوتسمه يهوديت الممثل الرسمي لجماعة كهانا المحظورة إسرائيليا بصفتها حركة إرهابية، يقودها ايتمار بن جفير وجماعات الفلك التي تدور في فضاء هذا التيار كمجموعة لا فاميليا والنوويات التوراتية وجماعات التلال.

لقد استغل نتنياهو هذه الجماعات وأنعم عليها بحماية عسكرية وأمنية وشرطية، ودفع بها للتحرش بالمصلّين المسلمين في شهر رمضان المبارك، بالتعاون مع حرس الحدود وشرطة مدينة القدس لتتفجر الأوضاع، ظنًا منه أنّه يمكن أن يحصد دعما وتأييدًا لتمكينه سياسيا، سواء على مستوى تشكيل الحكومة أو خوض انتخابات خامسة، تفتح له آفاقا جديدة لعله يشكل حكومة بعدئذ باتت الحالة السياسية الإسرائيلية تراوح ذاتها بين يمين متشدد ويمين يميل إلى مركز الخارطة السياسية، ساعيًا إلى فك المعادلة عبر افتعال أحداث في أكثر المناطق حساسية، القدس والمسجد الأقصى، وشرع في عملية إخلاء لساكنة حي الشيخ جراح والتحرش بالشباب في باب العمود والمصلين في المسجد الأقصى المبارك، ومعلوم لكل مراقب، أنَّ عملية التحرش شرعَ بها نتنياهو مباشرة مع بداية شهر رمضان المبارك، عبر قطع سماعات الاذان في المسجد الأقصى تحت عناوين مختلفة من التبريرات والدعاوى، والتحرش بالشباب في باب العمود وصدرت منه ومن زمرته أوامر تقضي بضرب الشباب بكل قوة على أن لا يسقط قتلى (شهداء) لذلك كانت الإصابات بالرصاص المطاطي في الوجه والعين والصدر، وخلّفت إصابات وتشويهات كبيرة. ومن ثم جاءته المفاجأة من قبل المقاومة التي وضعت النقاط على الحروف، وحدّدت معالم العلاقة بعد إذ أدخلت القدس والمسجد الأقصى إلى المعادلة، رافضة سياسة البطش والتنكيل بحق المصلين في المسجد الأقصى، حيث عاثت المؤسسة الاحتلالية فسادًا في المسجد الأقصى في أعظم أيام العام، أيام رمضان المبارك، وذروة أيامه العشر الأواخر وتاجها ليلة السابع والعشرين، حيث منعوا المصلين القادمين من الداخل الفلسطيني للوصول الى المسجد الأقصى للصلاة، والمشاركة في هذه الليلة المُباركة بأن أنزلوهم على بوابات المدينة، قرب قرية أبو غوش، فكان يوم تحد غير مسبوق في التاريخ الفلسطيني، حيث هبّ أهالي القدس وأبو غوش وعين نقوبا لنقلهم الى المسجد الأقصى المبارك، وهو ما أغاظهم وشرعوا بالتحرش ومواجهة المصلين، لتبدأ ملحمة غير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، يعيد تشكيل الهوية مجددًا عبر ثنائية القدس والمسجد الأقصى المبارك وعادت فلسطين “التاريخية” في الذهنية الفلسطينية، لتكون كُلا واحدًا لا تفرقه السدود والحدود المُحدثة. المسجد الأقصى المبارك، هو كلمة السر في هذه الحرب وهو الخط الأحمر الذي كان يعلم نتنياهو أنّ المس به يعني إثارة عش الدبابير وهو ما فعله مُحرِقا دولته من أجل بقائه السياسي.

منذ أن انطلقت الحرب على غزة، ثمة معطيات رافقت هذه الحرب منها: العنصرية الإسرائيلية ومستوياتها العالية من الفاشية المتجلية في جدل العلاقة مع الداخل الفلسطيني، العقل الجمعي للفلسطينيين. بدأت ببيان مفضوح للعنصرية الإسرائيلية في سياقها الرسمي والشعبي، وظهر الإعلام الإسرائيلي كأنه إعلام لا يقل عن إعلام شمالي كوريا، وتجل للهويات في ثنائياتها المُبلورة للشخصية الفلسطينية في الجيل الثالث، الذي خَلَّقَ هوية عمودها الفقري المسجد الأقصى المبارك وهموم الشعب الفلسطيني، ليس من باب التعاطف معه بل التماهي معه وأنّ الشعب الفلسطيني كل واحد لا يتجزأ، وهذا الكل الفلسطيني بات كالجسد الواحد.

ثمة عقل جمعي للفلسطينيين، كلّما سعت القوى العالمية والرجعية العربية لتدميره، عاد من جديد وكأنه يخرج من أطوار الركام أكثر قوة وثباتا مما كان سابقا، فالشباب الفلسطيني كان حبر هذه الملحمة وواضح أن هذا الجيل المتجاوز للأيديولوجيات من الداخل والشتات، جمعه وعي جمعي كان للرقمنة ولأدوات التواصل الاجتماعي دور كبير فيه، مع ما رافقه من هجوم إسرائيلي رسمي وتواصل مع أرباب هذه الشبكات التي عبرها تبين للعامة والخاصة من شعوب الأرض، الوجه الحقيقي لإسرائيل الاحتلالية وهو ما يشي بملحمة سايبيرية قادمة على الوعي الاممي، إذ نقل هؤلاء الشباب القضية الفلسطينية من محورها الإسرائيلي-الفلسطيني الخاضع لسلطة واشنطن وإرادتها، الى العالمية، وهو ما يمنح بُعدا تقدميا سداه الحق والعدالة للقضية الفلسطينية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى