أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

73 عامًا على جرح النكبة… “المدينة” في حوار مع البروفيسور إبراهيم أبو جابر

* نجح الصهاينة في تطبيق مقولةأرض بلا شعب لشعب بلا أرضولو جزئيا

* الخطاب الجديد الذي أطل على مجتمعنا في الآونة الأخيرة يحمل معه بذور الولاء للآخر على حساب هوية مجتمعنا

* عودة اللاجئين الفلسطينيين حق مقدّس لا يسقط بالتقادم أبدا طال الزمان أم قصر

 

ساهر غزاوي

في الخامس عشر من مايو/أيار من كل عام يحيي الفلسطينيون في الوطن ومناطق اللجوء، ذكرى النكبة للتأكيد على حقهم بالعودة إلى ديارهم التي تم تهجيرهم منها قسرًا، وللتذكير أيضًا بأهمية تثبيت الذاكرة الجماعية ونشر الرواية التاريخية الفلسطينية في ظل سطوة الرواية الصهيونية.

تحلّ ذكرى النكبة الـ 73 هذا العام مع تطورات تشهدها الساحة الفلسطينية والإقليمية، وتحلّ وسط تخوف من مشهد وخطاب سياسي على مستوى الداخل الفلسطيني، من شأنه أن يضيّع البوصلة الوطنية والدينية وهو ما يمثّل نكبة جديدة تستهدف مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني.

حول هذه الذكرى وتفاصيلها، كان هذا الحوار لصحيفة “المدينة” مع البروفيسور إبراهيم أبو جابر، نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح-أكاديمي وباحث في العلوم السياسية-وله عدد من الإصدارات والمؤلفات في الشأن الفلسطيني والذاكرة الفلسطينية أبرزها موسوعة “جرح النكبة” وهي وثيقة تاريخية شاهدة على الإجرام الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

البروفيسور إبراهيم أبو جابر
البروفيسور إبراهيم أبو جابر

 

المدينة: بداية، هل مصطلحنكبةيتناسب مع حجم ما حدث في العام 1948 وتفاصيل تداعياته المأساوية؟ وهل النكبة حالة مستمرة أم حدث عابر؟ 

أبو جابر: تم تداول مصطلح نكبة لما حلّ بالشعب الفلسطيني عام 48 لأول مرة من قبل المفكر السوري قسطنطين زريق (1909-2000) في كتابه “معنى النكبة”، لكنه استعمل قبل ذلك كما ورد في الروايات التاريخية. ثم من قبل الشاعر المصري أحمد محرّم عام 1933 أثناء وصفه للحالة الفلسطينية وحثّه العرب على إنقاذ فلسطين. أما مناسبته للحالة الفلسطينية فهذا على الأقل ما يتداوله المؤرخون والسياسيون والباحثون في عصرنا، وأراه يترجم واقع شعبنا الفلسطيني وما تعرض له من اقتلاع له من وطنه وتدمير حيّزه وتهجير قرابة المليون من أبنائه وارتكاب عشرات المجازر الجماعية والتطهير العرقي الممنهج، بهدف طمس الهوية الوطنية لهذا الشعب.

وتعدّ نكبة الشعب الفلسطيني مستمرة إلى اليوم، ولم تنتهِ بعد فصولها، فما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من ممارسات قمعية في حق شعبنا الفلسطيني، أكبر دليل على ذلك من أعمال قتل واعتقال وإهانة للكرامة الإنسانية على الحواجز والمعابر وهدم للمنازل ومصادرة للأراضي وتجريف واتلاف للمحاصيل الزراعية واغلاق للمؤسسات وغيرها، فصول مختلفة لاستمرارية النكبة.

 

المدينة: هل كان بالإمكان وقف التهجير أم أن غول التهديد بالقتل والمجازر كان هو الدافع الأساس لمغادرة الناس؟

أبو جابر: يقينا امتلك العرب عام48 القدرة الكافية على منع ووقف مشروع تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه، بخاصة وأنه لا وجه مقارنة بين الطرفين العربي والصهيوني من حيث العدد والعدة ولا أيضًا من حيث معرفة المكان، لكن جملة من القضايا لعبت دورًا مهمًا وحاسمًا في ترجيح الكفة لصالح المشروع الصهيوني سواء خارجية بدعم الدول الغربية الكبرى له أو تبعية الزعامة العربية للغرب أيضا ووعوده العرقوبية لهؤلاء.

إن ما حلّ بالشعب الفلسطيني ما هي إلا مؤامرة دولية نسجت خيوطها بعلم بعض الزعماء العرب حينها، وعليه تركوا الشعب الفلسطيني وحيدًا في مواجهة مشروع عالمي استعماري، فارتكبت في حقه المجازر الجماعية والتطهير العرقي الممنهج، مما ترك الناس أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا الموت أو الرحيل، ولقد نجح الصهاينة في تطبيق مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” ولو جزئيا.

 

المدينة: هل التهجير القسريترانسفيرلم يعد ممكنا لذلك تجري محاولات جدية لاستبداله بمشاريع الأسرلة والاندماج من خلال فكرة الولاء والاستحقاقات مقابل الحقوق حتى تحل المسألة الديمغرافية إلى حد بعيد؟ 

أبو جابر: لا أستبعد شخصيًا إقدام الكيان الإسرائيلي على تهجير أعداد من الفلسطينيين على مراحل من وطنهم، على صعوبته، في وقت غزا فيه الإسرائيليون العرب في عقر دارهم لا بل يهرولون فيه إلى التطبيع مع هؤلاء وبالمجان في ظل المشروع الإبراهيمي والسلام الإقليمي، وتوجه دول عربية للمشاريع التنموية على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

إن المزعج أيضًا في هذا السياق هو طبيعة المشهد السياسي على مستوى الداخل الفلسطيني والخطاب الجديد الذي أطلّ على مجتمعنا في الآونة الأخيرة، واستعداد البعض للمشاركة السياسية والاندماج في المشهد السياسي الإسرائيلي مما سيفقد مجتمعنا بوصلته الوطنية والدينية ويحوّل نضالنا السياسي إلى نضال مطلبي لا غير، حاملًا معه بذور الولاء للآخر على حساب هوية مجتمعنا والانتماء له.

 

المدينة: ننتقل إلى الحديث عن الحالة الفلسطينية، هل ثمة مسؤولية تقع على القوى الفلسطينية التي كانت فاعلة إبان النكبة ما ساهم في النكبة كذلك؟ وهل طرأ تغيير على الحالة الفلسطينية اليوم بعد 73 سنة أم أنها مازالت كما هي؟ 

أبو جابر: إلى درجة معينة نعم وهذا ما هو ثابت في المراجع التاريخية وروايات أهلنا ممن عاصروا النكبة، فالزعامات العربية سواء النخب الاجتماعية منها أو السياسية تتحمل جزءًا مما حل من نكبة للشعب الفلسطيني ليس لأنها كانت راغبة في ذلك تماما وإنما لارتهان قراراتها بالخارج وبالتحديد للشريف حسين أو آل سعود والقادة العرب الآخرين الذين ارتبطوا بالإدارة الإنجليزية، بل شارك بعضهم في رسم مستقبل فلسطين، وأقصد موافقة الوفد العربي لمؤتمر باريس عام 1919 على وعد بلفور وترسيم الحدود بين دولة اليهود المزمع اقامتها والعالم العربي وتسريع الهجرة اليهودية إليها.

إن ثمة مأخذ آخر على القيادة الفلسطينية التي تصدرت المشهد خلال الصراع مع دعاة المشروع الصهيوني والدول الداعمة له، هو كثرة الخلافات بينها على الوجاهة وتصدر المشهد، ثم الاتهامات المتبادلة والتي كما يبدو كانت تدخل في إطار نظرية المؤامرة التي تحاك للنيل من وحدة القوى الوطنية والدينية في فلسطين بناء على قاعدة “فرق تسد”.

أما الحالة اليوم، فأشبه بالبارحة كما يقال، فحالة الانقسام الحاصلة في صفوف الفلسطينيين والاصطفاف المضر بالقضية الفلسطينية، معول هدم لا بناء، ولصالح الاحتلال الإسرائيلي أصلًا، بل يغذيه الإسرائيليون بطرقهم الخاصة، وما ببعيد عنا قرار إلغاء الانتخابات في أراضي عام 67. فالقيادات الفلسطينية الحالية والخلافات بينها تطيل أمد الاحتلال وتعيق مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة.

 

المدينة: وماذا عن مسؤولية النظام الرسمي العربي عن النكبة؟

أبو جابر: لعب النظام الرسمي العربي دورًا مهما في نكبة عام48 من خلال تخاذله في نصرة الشعب الفلسطيني بالشكل المطلوب لموقفه الهزيل في التصدي للمشروع الصهيوني، واكتفائه بالبيانات وتشكيله لوحدات عسكرية محدودة بدا لاحقا أن مهمتها الاشراف على تطبيق قرار التقسيم رقم 181 لا غير، ناهيك عمّا عُرف بجيش الإنقاذ المتهالك والذي فاقت أعداد عناصر العصابات الصهيونية عدد أفراده بأكثر من ضعفين، والخيانة المتفشية حينها في صفوفه.

إن الأنظمة العربية كانت ولا تزال لا تملك قراراتها، وإنما مرتهنة للغرب وتابعة لدول الاستعمار وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا ثم أمريكا، وعليه فإن مخالفتها لهؤلاء قد تجعل قادة عربا يخسرون عروشهم، ممّا انعكس سلبيًا على الصراع في المنطقة وأفقد الفلسطينيين القدرة على مواجهة تمدد المشروع الصهيوني في الإقليم.

 

المدينة: في ظل الانهيار العربي في الإقليم هل ثمة أمل بعودة اللاجئين الفلسطينيين؟ 

عودة اللاجئين الفلسطينيين حق مقدّس لا يسقط بالتقادم أبدا، طال الزمان أم قصر، ولكن عندما تتهيأ الظروف المواتية لذلك، متى؟ هذا في علم الله، إلا أن الظروف الحالية يقينا لا تساعد على العودة القريبة أبدا، فالعرب يعيشون فترة انحطاط وتبعية وهزيمة نفسية، في حين يعيش الكيان الإسرائيلي مرحلة النشوة وإن بدا غير مستقر سياسيًا، إلا أنه تمكن من حمل العرب ترغيبًا وترهيبًا على التطبيع معه بالجملة مهمشًا القضية الفلسطينية بعد توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم مع منظمة التحرير الفلسطينية. إن الظلم والغطرسة متناهية ولا بد وأن يعود اللاجئون إلى وطنهم فالأيام دول بين الناس.

 

المدينة: في الحديث عن طريقة صياغتنا للنكبة ولرواية النكبة وسرد الرواية الفلسطينية. هل نجحت الفعاليات الفلسطينية بتوثيق رواية النكبة الفلسطينية كما يجب في ظل سطوة الرواية الصهيونية؟ 

أبو جابر: نجح الفلسطينيون أخيرا، بخاصة منذ تسعينيات القرن العشرين، في الترويج لروايتهم، وما حلّ بهم من مآس خلال نكبة عام 48، بعدما هيمن الإسرائيليون على المشهد وأظهروا أنفسهم الضحية دائمًا، وزعمهم أن ما أقدموا عليه من تطهير عرقي ومجازر جماعية وعمليات اقتلاع للفلسطينيين من بيوتهم ووطنهم كان دفاعًا عن النفس، تبريرًا لهذه الجرائم أمام الرأي العام العالمي.

إن تأخر نشر وترويج الرواية الفلسطينية لنكبة 48 مرده ما مر به الفلسطينيون من ظروف أمنية ومعيشية واجتماعية، لا بل غياب القيادة الفلسطينية التقليدية عن المشهد العام، لكن الأمر تغير بعدما تمكن الفلسطينيون من استيعاب ما حصل، فأخذت الفعاليات والحركات والأحزاب والهيئات على اختلافها، في توثيق أحداث النكبة، بل ونشرها وتسخير ما تيسر من وسائل إعلام للحديث عنها وبثها، فتم خلق رأي عام عالمي بدأ يصحو من جديد ويعي الحقيقة ليدرك أن الرواية الصهيونية غير صحيحة بل مزورة، ممّا حمل الكثيرين على دعم الحق الفلسطيني والاعتراف بمعاناة الشعب الفلسطيني والتنديد بالممارسات الهمجية الإسرائيلية.

 

المدينة: هل انتصرت الصهيونية وفرضت رواياتها فيما يخص أراضي الـ 48 على الأقل؟

أبو جابر: لا شك أن المشروع الصهيوني قد نجح إلى درجة عالية جدًا لكنه لم يحقق كامل أهدافه، وأكبر نجاحاته إقامته للكيان الإسرائيلي، أمّا قضية فرض روايته على مستوى الداخل الفلسطيني فلم ينجح في تمريرها ولن ينجح، مع أن هناك قلة قليلة لا تذكر ولا تعد هي من المنتفعين والمتعاونين والمخدوعين من سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال ومثقفين ممن اندمجوا فعلًا واقتنعوا بالأمر الواقع، فالداخل الفلسطيني لديه الوعي الكافي لإفشال كل مخططات ومشاريع السلطة الرامية لتدجينه وأسرلته ودمجه في المجتمع الإسرائيلي وقد نجح في اختبار الحكم العسكري فخرج أقوى عودًا وأكثر انتماءًا لشعبه الفلسطيني وأكثر إدراكًا ووعيًا بما ارتكبته العصابات الصهيونية من مجازر وجرائم عام النكبة.

إن فعاليات الداخل الفلسطيني على مدار العام بخاصة في ذكرى النكبة أكبر دليل على فشل تمرير الرواية الإسرائيلية ودليل ساطع على نجاح مجتمعنا في الحفاظ على هويته وانتمائه لا بل ووعيه بكل المشاريع المشبوهة في الداخل والإقليم.

 

المدينة: المؤرخون الجدد أو ما يطلق عليهمحركة المؤرخين الإسرائيليين الجدد، ما هي حقيقتهم؟ وهل حقا هم غير متحيزين للرواية الأكاديمية الصهيونية؟ وهل هم منصفون أرادوا أن يعيدوا صياغة أحداث النكبة بصورتها الصحيحة ويستطيع الباحث العربي والفلسطيني الاعتماد على رواياتهم كمصدر موثوق إلى حد ما؟ 

أبو جابر: المؤرخون الجُدد كما تم التعارف عليهم هم مجموعة من المثقفين اليهود باحثين ومحاضرين ومؤرخين وثقوا وتعاطوا مع أحداث النكبة أو مع الصراع العربي الإسرائيلي، فأصدروا ونشروا مجموعة من الأعمال العلمية المغايرة بعض الشيء عن النسق المعرفي والعلمي العام الدارج في الكيان الإسرائيلي.

انتاج هؤلاء المؤرخين فيه الغث والسمين كغيرهم من الباحثين والأدباء والمؤرخين يمكن الاستفادة من بعض أعمالهم الموثقة والمحققة وترك ما دون ذلك، ولا أرى غضاضة في التعاطي مع انتاجهم المعرفي، إذ كيف لا ونحن نقرأ وندرس كتبا واصدارات لعلماء وفلاسفة وأدباء من كل الملل وننهل من معارفها، فهناك الكثير من القواسم المشتركة الإنسانية بين الحضارات والثقافات وإن اختلفت، لكن على الفرد أن يكون محصنًا ثقافيًا ومعرفيًا.

إن المؤرخين الإسرائيليين هؤلاء أنصفوا الشعب الفلسطيني في أمور لا ننكرها، ولكن على القارئ أن يكون حذرًا قبل مراجعة اصداراتهم لأنها لا تخلو من الانحياز بخاصة فيما له علاقة بالأرض.

 

المدينة: ختاما، 73 سنة على جرح النكبة وما زال غائرًا، متى يندمل هذا الجرح؟ 

أبو جابر: سيأتي الوقت يقينا الذي يندمل فيه جرح شعبنا وإن طال انتظاره، شريطة أخذنا بالأسباب بعيدًا عن التواكل والمثل يقول “ما حك جلدك سوى ظفرك فتَوَل أنت جميع أمرك”، سيندمل حينما ننتصر على ذواتنا أولا، سيندمل الجرح “إذا أكلنا مما نزرع ولبسنا مما نصنع …”. سيندمل حينما ترتاح الأمة من التجار والسماسرة، وعديمي الضمائر وفاقدي الهوية والمتاجرين بالثوابت من بني جلدتنا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى