الرسائل الخفية في الإعلام وكيف تجدها؟ (33): مسلسلات رمضان وبلورة الوعي
عائشة حجار
أطلّ علينا شهر الخير كما في كل سنة، نسأل الله أن يكون شهر بركة وغفران للجميع. خلال رمضان من كل عام يبحث الناس عن شيء من الترفيه يخص هذا الشهر، وهو أمر طبيعي جدًا فكل ما حول رمضان يجعله شهرًا مميزًا، بل يلزمنا أن نفرقه عن غيره من الأزمنة. هناك حلوى رمضان واطعمته وتقاليده وطقوس كثيرة اجتماعية ليست في معظمها فروضًا دينية، إنما هي نوع من تعبير العباد عن حبهم وفرحتهم بقدوم الشهر الفضيل. أحد أبرز أنواع التسلية التي ينجذب إليها الاهل في رمضان هو “الدراما الرمضانية”: مسلسلات من ثلاثين حلقة أعدّت خصيصًا لتملأ أمسيات رمضان، ولست هنا بصدد نقاش مكان هذا النوع من الترفيه في شهر مميز دينيًا فهذا عمل الدعاة واختصاصهم. اختار هنا أن اتطرق إلى الجانب السياسي والاجتماعي لهذه المسلسات، والتي برزت مع الاستياء الشديد الذي اثاره مسلسل “الاختيار 2″ والذي عرض أحداث مجزرة رابعة بشكل مشوه قلب الحقائق دون محاولة لتلطيف أو اخفاء محاولة بلورة وعي الجمهور وتحريضه ضد جماعة مقابل تقدير جماعة اخرى وتبرير قتل الآلاف وزرع الكراهية بين ابناء الوطن الواحد.
لنبدأ بكون المسلسلات والبرامج الرمضانية العربية البارزة في السنوات الاخيرة تصدر في معظمها من مصر، الأمر له علاقة بغرق سوريا في دماء لا يمكن تجاهلها ورغبة مصر العسكرية بالعودة والتموضع كأم للقومية العربية. لهجة الممثل الرئيسي في أبرز مسلسلات رمضان يحدثنا كثيرًا عن التركيبة السياسية للمنطقة وعن المكان التي تحاول الحكومات المختلفة احتلاله في ترتيب الاهمية بين الدول العربية.
الجانب الثاني هو الرسائل السياسية والاجتماعية في هذه المسلسلات، فهي تدور حول بناء وعي سياسي، اجتماعي تاريخي اتحدث عنه هنا باقتضاب شديد. من السهل الانتباه الى ان هناك مبنىً اجتماعيًا يحاول أحدهم اظهاره على انه صحيح: الشخص العنيف العصبي المتسرع هو ذو قلب طيب و”جدع” الى درجة تغفر له تصرفاته التي تدمر من حوله. المرأة المحجبة مسكينة تنتظر ان تأتي “مدموزيل” لتنقذها من القهر الذي تعانيه، وحتى يحصل ذلك فدورها يقتصر على ارضاء “ابن عمها”. والمزيد من القواعد الاجتماعية الهزيلة بمعظمها التي تصور مجتمعًا محددًا. الجانب الثاني هو الجانب التاريخي وهو واضح جدًا عند الحديث عن دول يعتاش زعماؤها على تجهيل شعوبهم وقهرها، فنجد ان المسلسلات المصرية تظهر العسكر مرة تلو اخرى على انهم قوات خارقة تضحي بنفسها ببطولات خرافية لاجل بلادها، وان الحكومة لا غبار عليها فالحاكم دومًا يقلق لشؤون رعيته التي لا تجد قوت يومها. وقبل كل شيء “يحمي” شعبه من سيطرة الجماعات الدينية الجشعة الفاسدة. أمّا عن الجانب التاريخي فنجد أن محاولة الدراما المصرية كانت متطرفة للغاية كونهم حاولوا تشويه رواية تاريخية لأحداث وثّقت من جميع جوانبها ولم يمر عليها ما يكفي من الوقت ليحتاج أحدهم التذكير بها. لكن هذه المحاولة ليست جديدة، بل هي نهج واضح ومعروف نراه ايضًا في الدراما السورية مثلًا التي تصور “العصملي” على انه المحتل الظالم الذي يجرّ الشبان العرب الى ميدان المعركة والموت. هذا النهج يمنعنا من تجاهل ما تحاول هذه الملسلات قوله والوصول اليه، ومعرفته تلزمنا أن نحذر من تشجيع استهلاك مسلسلات تحوّلت الى آلة سياسية، فلا يوجد شيء يحصل “لمجرد التسلية”.



