أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معسكر التواصل مع النقب: بصمات خالدة في مشروع المجتمع العصامي (1)

ساهر غزاوي

لم تكن فكرة مشروع (المجتمع العصامي) الذي أطلقته الحركة الإسلامية التي حظرتها السلطات الإسرائيلية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، مجرد أفكار لا تلامس الواقع وغير عملية ولا مدروسة مع آليات وخطوات للتنفيذ، ولم يكن هناك فيه أي عائق واقعي يعيق تنفيذه لتتم عملية “مأسسة” المجتمع وبناء عصاميته حتى لا يبقى هذا المجتمع رهينة الفروق المدمرة في بنيته الحياتية ولا رهينة الظلم التاريخي والاضطهاد الديني والتمييز القومي ومصادرة حقوقه اليومية. بل على العكس تمامًا، والماضي والحاضر يشهد، أن مشروع (المجتمع العصامي) بِبُعده الحياتي والاجتماعي والسياسي، تفكير فريد ومميز ولا ينّم إلا عن فكر وممارسة سياسية واجتماعية لقيادة وحركة تفقه الواقع جيدًا وتستشرف المستقبل وتعمل له في الحاضر.

قدّمت الحركة الإسلامية نموذجًا عمليًا لمشروع (المجتمع العصامي) عبر أحد مشاريعها العملاقة “معسكر التواصل مع النقب” الذي كانت تُنفذه على مدار 10 أعوام متتالية، (بدأ من العام 2006 وتوقف في العام 2015-العام الذي حُظرت فيه وأغلقت مؤسساتها وجمعياتها)، والذي كان يقوم على استنهاض الطاقات في كافة المجالات، وإحياء مبدأ التطوع وإقامة معسكرات العمل والتواصل لمواصلة إعمار مسيرة المجتمع في النقب لدعم صمود أبنائه في بقائهم وانتمائهم وتمسّكهم بأرضهم وهويتهم الوطنيّة.

 

لمحة عن مشروع المجتمع العصامي

بعد اندلاع هبة القدس والأقصى في عام 2000 التي ارتقى فيها 13 شهيدًا من أبناء الداخل الفلسطيني، وكمغزى من الأحداث واستخلاصًا للعبر والتجارب، دعت الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، إلى إقامة مجتمع يعتمد على ذاته (مجتمع عصامي) لديه القدرة على الاكتفاء ذاتيًا على جميع الأصعدة والمستويات وذلك كي يتمكن من مواجهة تبعات سياسة التمييز العنصري التي تمارسها الدولة الإسرائيلية ضد فلسطينيي الداخل. ويقوم مشروع المجتمع العصامي على ثلاثة أصول، كما بيّنها الشيخ رائد صلاح في سلسلة مقالاته بعنوان (نحو مجتمع عصامي):

  1. إحياء الموارد المالية الذاتية (الأرض، القدرات العلمية، المال) انطلاقا من خلال المفهوم الإسلامي مثل إحياء فريضة الزكاة وزكاة الفطر، وإحياء باب الوقف الإسلامي وباب الصدقة الجارية وباب الوصية.
  2. إقامة مشاريع ذات صلة شمولية من شأنها بناء الحياة الاقتصادية والصحية والاجتماعية وإدارة هذه المشاريع بأيد عربية، مثل إقامة المدارس والمستشفيات الأهلية.
  3. التواصل مع العالم العربي والإسلامي من حيث الخبرات والقدرات المالية، ويكتب الشيخ رائد بشكل واضح وصريح في أوراقه أنه: “يحرم القائمون على هذا المشروع على أنفسهم التواصل مع الجمعيات والمؤسسات الأوربية والأمريكية الداعمة التي تسعى إلى الهيمنة من خلال تقديمها للمساعدات المالية تحت شعار كاذب تسميه المساعدات الإنسانية”.

ويحدد الشيخ رائد صلاح، بالإضافة عناصر المشروع الثلاثة، مبادئ عامة لبناء مشروع المجتمع العصامي:

  1. أن يكون المشروع ناميا.
  2. أن يقوم المشروع بالأساس على قدرات ذاتية.
  3. أن يقوم المشروع باستنهاض القيم الإسلامية.
  4. تعميق التواصل مع الأمة الإسلامية والعالم العربي.
  5. عدم التواصل مع صناديق ومؤسسات الدعم الأوربية والأمريكية التي تسعى للهيمنة.

نشطت الحركة الإسلامية في إقامة مؤسسات اجتماعية وتعليمية وثقافية وخيرية تعنى بملء الفراغ الناجم عن تقصير مؤسسات الدولة المتعمد في توفير الخدمات لفلسطينيي الداخل، توسعت مجالات الدعوة لمشاريع مثل إقامة مدارس ومستشفيات وحتى إقامة أطر اقتصادية، متجاوزة بذلك حالة التخبط في واقع الجماهير العربية السياسي. ومن بين المؤسسات التي تُجسد واقع وحقيقية فكرة مشروع (المجتمع العصامي)، مؤسسة النقب للأرض والإنسان، وهي مؤسسة تعنى بشؤون عرب النقب التي كانت الحركة الإسلامية من خلالها تحشد المئات من أبنائها وأبناء المجتمع العربي من قرى ومدن الجليل والمثلث والساحل لتنفذ معسكر التواصل مع النقب الذي كان يقام سنويًا في ذكرى يوم الأرض لتنفيذ أكبر المشاريع العمرانية في الداخل الفلسطيني وأضخم معسكرات العمل الإسلامي واقامة مشاريع حياتية وخدماتية للتحدي والرباط والصمود على الأرض من أجل الحفاظ على الهوية العربية وغرس مفاهيم الانتماء وحب الوطن في نفوس العرب الفلسطينيين في النقب.

أولت الحركة الإسلامية جلّ اهتمامها الكبير لقضية النقب، وجعلت عشية ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من آذار من كل عام قبلة وطنية لها، إلى جانب حرصها الدائم على المشاركة مع باقي المركبات الحزبية والسياسية في الداخل الفلسطيني في الفعاليات والنشاطات التقليدية الروتينية إحياء لذكرى يوم الأرض، إذ لم تقتصر أعمال “معسكر التواصل مع النقب” على ما أحدثته الحركة الإسلامية من التغييرات الجذرية في مفهوم إحياء ذكرى يوم الأرض، إنما قدمت نموذجًا من نماذج مشروعها الكبير الذي آمنت به ودعت إليه وهو مشروع (المجتمع العصامي).

(يتبع…)

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى