أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (61): الكرة “البيضاء” على طاولة البلياردو، عصا اللاعب والكُرات الملونة

حامد اغبارية
(1)
انتهت لعبة الكنيست في هذه المرحلة، لكن اللعب علينا لم ينتَهِ، ولن ينتهي. فجأة أصبحنا الكرة “البيضاء” على طاولة البلياردو. الجميع يريد الحفاظ على هذه الكرة، لكن الجميع يصوّب إليها العصا الطويلة ليضرب بها سائر الكرات كي يفوز على خصمه.
نحن الآن أمام مشهد عبثي يجري عرضه على خشبة مسرح السياسة الإسرائيلية الهزلي. مشهد يجري التركيز فيه على أنفاس رئيس القائمة الموحدة منصور عباس وعدّها نفَسا نفَسا، وكأنه فعلا هو الذي بيده مصير الحكومة القادمة، وربما ستسمع أيضا (من المؤيدين والأنصار والمخدوعين) أن مستقبل المؤسسة الإسرائيلية أصبح متعلقا بكلمة واحدة من منصور عباس.
إن الذين لا يعرفون كيف يفكر الإسرائيلي الصهيوني، فإنه بالتأكيد سوف يصدق أن ما يجري الآن هو مشهد حقيقي، وأن عرب الداخل أصبحت لهم – أخيرا- كلمة ذات وزن وتأثير؛ والدليل: ها هم جميعهم يلهثون خلف العربي، بدءا من نتنياهو، مرورا بإلهام خازن وانتهاء بلبيد ابن أبيه!
تخيّل أن “الدولة” التي قامت على أنقاض شعبك، وهجّرت آباءك وأجدادك، وهدمت قراهم ومسحتها مسحا، وصادرت أرضك، وسفكت دماء الآلاف من أهلك، واحتلت من بلاد العرب ما لا يخفى على أحد، والتي تستطيع أذرع أمنها مخابراتها أن تصل إلى مخدع أكبر رأس في رقعة الشطرنج العربية، والتي تقصف متى تريد، وتدك البيوت فوق رؤوس أصحابها متى تشاء، وتجرّ خلفها قطيع التطبيع، وتحرّض الدنيا ضد من يقرر أن يرفع رأسه من العرب والمسلمين، وتشعل الحروب في كل بقعة ينشد أهلها الانعتاق من التبعية والتحرر من ربقة الاستعمار؛ هذه “الدولة” تلهث الآن خلف قائمة عربية لها أربعة أعضاء في مؤسستها التشريعية..!!
إن ما يحدث حقيقة هو مشهد من المسرحية العبثية. وعصا الصهيونية الطويلة تستعد لضرب الكرة “البيضاء” لتفريق الكرات الملوّنة على طاولة البلياردو، وإسقاطها في الحفر المنتشرة في الزوايا… ثم تمسك الكرة البيضاء وتقلّبها بين أصابعها وتنفض عنها غبار المعركة، استعدادا للضربة التالية…
أما الكرات الملوّنة المسكينة فليس لها من الأمر شيء إلا أن تصطفَّ، أو يصفُّها اللاعب من جديد بالطريقة التي تحلو له، كي يوجه إليها ضربته القادمة، بينما هي مزهوّة بلمعان ألوانها التي تخطف الأبصار.
لقد نسيت الكرة “البيضاء” وسائر الكرات الملونة اللامعة المخدوعة بألوانها أن اللاعب يعتبر نفسه فوق كل الكرات، لأن الله “اختاره وفضّله” على سائر اللاعبين، وأن الكُرات مجرد “غوييم”، وهؤلاء الـ “غوييم” مصنوعون من طينة نجسة، تختلف عن الطينة التي جُبل منها اللاعب المسيطر على طاولة البلياردو. فهو مصنوع من عنصر مميز، وسائر الكُرات مصنوعة من عنصر أقل شأنا، لا قيمة له، ودوره الوحيد خدمة اللاعب وإيناسُه وتسليته…
إن المسألة الأهم في هذه اللعبة ليست على من سيوصي منصور عباس لتشكيل الحكومة، ولا على من ستوصي بقايا القائمة المشتركة المنهارة، وهي بالتأكيد ليست من سيكون رئيس الحكومة القادمة. فهذه كلها أشبه ما تكون بعروض خيال الظل (مسرح الدمى) الذي يبهر عيون الصغار ويدغدغ أحلامهم، لكنه في نهاية الأمر يبقى خيالا وظلا ودمية لا قيمة حقيقية لها، إنما صنعت للتسلية و”قتل” الوقت” وإدخال الفرح الموهوم أو المؤقت على قلوب الأطفال. إن المسألة الأهم هي ما الذي يتوقع أعضاء الكنيست العرب (من الموحدة وبقايا المشتركة) تحقيقه من وراء كل هذا العبث؟ أو بتعبير أدق: ما الذي يتوقع مجتمعنا أن يحققه أعضاء الكنيست العرب من هذه اللعبة؟
لا شيء…!!
لن يحققوا شيئا مما يتوهمون أنهم يستطيعون الحصول عليه من خلال أداء هذا الدور غير المسبوق، وهو دور يثير تساؤلات كثيرة، لأن ما وراء الكواليس أسوأ بكثير وأخطر بكثير مما نعرفه حتى الآن. وسوف تبدي لك الأيام ما كنت جاهلا.
إن المؤسسة الإسرائيلية لا يمكن أن تمنح العربي الفلسطيني فرصة تسجيل هدف في مرماها ولو على سبيل التسلية واللعب الودّي، إنما تعتمد سياستها على استغلاله وعصره كالليمونة ثم إلقائه حيث تلقى بقايا الطعام التي لم تعد تفيد بشيء. وهذه المؤسسة الإسرائيلية لا يمكن أن تعطي أكثر مما يحقق مقولة “لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم”. إنها لا تعطي ما يمكنه أن يكون سببا في نهوض مجتمع الداخل الفلسطيني. وفقط الحمقى هم الذين يعتقدون أن هذا يمكن أن يتحقق أو يمكن أن تسمح به أيه حكومة إسرائيلية، حتى لو وقّعت على كل الاتفاقيات التي يمكنك أن تتخيلها، وحتى لو كانت أكثر حكومات الأرض “يسارية” و “اشتراكية” و “ليبرالية”…
إن المؤسسة الإسرائيلية قد وقّعت على ما هو أكبر من اتفاق (محتمل) مع منصور عباس أو مع المشتركة. لقد وقعت على “أوسلو”، ولم تترك فيه بندا إلا نقضته. بل هي وقّعت على ما هو أكبر من “أوسلو”.. لقد وقّعت على مواثيق الأمم المتحدة، لكنها لم تلتزم ببند واحد من هذه المواثيق، بل وجّهت إلى مؤخرة هذه المواثيق “شلاليط” كبّتها على وجهها، و”طقَّعت” للدنيا كلها، بينما واصلت الدنيا كلها خطب وُدّ تل أبيب والصهيونية خوفا على “مؤخرتها” حتى لا تحمرَّ من “الشلاليط”. ألم نقل لكم إن كل الكرات الملونة على طاولة البلياردو صُنعت خصيصا لخدمة اللاعب؟! أفيظن أحدٌ أن منصور عباس سيحقق ما لم يحققه محمود عباس وما لم تحققه هيئة الأمم؟ أي عبث هذا؟ وأية أوهام تلك التي يريد هؤلاء أن نصدّقها؟
إننا الآن نقف على حافة الهاوية… والذين شاركوا ويشاركون في لعبة الكنيست هم – وليس غيرهم – الذين جرّوا مجتمعهم إلى هذه الحافة… وسيكون الثمن الذي سندفعه باهظا، وستكون البضاعة التي سنحصل عليها من هذه التجارة الفاسدة مجرد بالونات فارغة. ستكون بالونات ملونة لامعة جميلة، تخطف الأبصار، لكنها ستكون – كالعادة- مليئة بالهواء…
(2)
ما هي الرسالة التي أرادت بعض الفئات إيصالها بواسطة رفع علم نظام آل الأسد في مظاهرة يوم الأرض؟
ما علاقة علم آل الأسد بيوم الأرض الفلسطيني؟
إن الرسالة واضحة: استفزاز غالبية أبناء الداخل الفلسطيني وغالبية أبناء الشعب الفلسطيني، الذي سجّل موقفه طوال عشر سنوات ضد الجرائم التي ارتكبها- ولا يزال- نظام آل الأسد، بدعم روسي إيراني عربي دولي ضد الشعب السوري الذي خرج ناشدا للحرية والهواء النظيف والكرامة.
لكنها رسالة أكثر من مجرد كونها استفزازا. إنها تحدٍّ لكل موقف شريف مساند للشعوب المظلومة. وهي أيضا رسالة مفادها أنهم هم الذين يقررون شكل المشهد السياسي في مجتمعنا، ويقررون من هي الجهة أو الجهات التي يجب أن تتصدر المشهد. والمحصلة أن هؤلاء الذين يرفعون ذلك العلم يقفون ضد تحرر الشعوب، وضد حقها في اختيار من يحكمها؟ وأين؟ تحديدا في المناسبات الوطنية (مثل يوم الأرض ومسيرة العودة وغيرهما)، وهي مناسبات يسعى شعبنا من خلالها إلى تأكيد حقه في تقرير مصيره واسترداد حقوقه المسلوبة… فأين تجدون شريحة من شعب تزعم أنها تنشد الحقوق وتسعى إلى الحرية، وفي ذات الوقت تعلن على الملأ دعمها غير المحدود لأنظمة قامعة باطشة سافكة لدماء شعوبها؛ أنظمة استولت على الحكم بقوة السلاح وبالتآمر والخيانة، لتربض على صدور شعوبها مثل الكابوس؟!!
إن من يفعل ذلك ومن يتخذ هذا الموقف إنما هو كذاب عندما يزعم أنه يشارك في المناسبات الوطنية (كيوم الأرض) من أجل تأكيد حق أبناء شعبه في تحصيل حقوقهم وتأكيد إرادتهم في نشد الحرية والانعتاق ومواجهة مخططات المشروع الصهيوني.
ولذلك فإن على قيادات المتابعة، وفي مقدمتها رئيسها محمد بركة، الذي ينتمي إلى ذات التيار الذي ينتمي إليه جزء من رافعي علم نظام آل الأسد (هناك فئات تنتمي كذلك إلى تيارات أخرى مثل أبناء البلد والتجمع) أن تضع حدا لهذه المهزلة، التي قد تصل ذات يوم إلى مستويات خطيرة من المواجهات التي أتصور أنه لن يكون في الإمكان السيطرة عليها. فمستوى الاستفزاز والتحدي والوقاحة الذي يمارسه هؤلاء كبير بما يكفي لإشعال نار فتنة نحن في غنى عنها….
لقد سبق لهؤلاء أن حوّلوا ذكرى يوم الأرض إلى مهزلة، وأفرغوها من مضمونها الحقيقي وحصروها في أجنداتهم الضيقة، حتى بدا وكأنه لم تعد للذكرى قيمة سوى أنها مناسبة لاستعراض العضلات الحزبية والفئوية. فإن كانت المتابعة ترضى بهذا وتقبل باستمراره فإن شعبنا أكثر وعيًا من أن يواصل الصمت، ويستطيع دائما أن يجد البدائل، وليهنأ –عندها- كلٌّ بعَلمِه ورايته… فالطريق بات أكثر وضوحا، وأغلبية أبناء هذا الشعب الأصيل تعرف الطريق..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى