أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ماذا بعد الانتخابات؟ ضرورة المراجعات

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
انتهت انتخابات الكنيست في دورتها الرابعة والعشرون إلى مزيد من التشظي السياسي على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية في الداخل الفلسطيني، وإلى مزيد من قتامة المشهد السياسي وما سيلحقه من تداعيات فورية تتعلق بتشكيل الحكومة، أو العودة مجددًا لانتخابات جديدة، فمنذ سنوات دخل المشهد السياسي جحر ضب الحالة الطليانية التي تحدث فيها الانتخابات في دورات متقاربة، لتتأزم الحالة السياسية هناك، ولكنَّ المشهد الإسرائيلي رغم الضبابية السياسية من حيث تداخل القوى وتفرقها، لا يؤثر حتى هذه اللحظات على مسارات الدولة ككيان سياسي، ذلكم أنها أثبتت إلى هذه اللحظة أنها دولة مؤسسات وأجهزة راسخة، سواء العسكرية منها أو المدنية، ومن سبر أغوار الوضعين الاجتماعي والسياسي الإسرائيليين منذ مطلع هذا القرن، سيدرك سريعًا حجم التحولات والتغيُرات في نسيج المجتمع الإسرائيلي على مختلف الصُعُد، وهو ما يشكّل حقيقة، التحدي الأعظم لهذه الدولة على مستوياتها الداخلية البينية، أو لنا كفلسطينيين خاصة، سواء من حملوا الهوية الإسرائيلية أو الواقعين تحت الاحتلال.
في سياق الداخل الفلسطيني، من الضرورة في هذه اللحظات إجراء مراجعات ليس من جانب من خاض الانتخابات، المشتركة ومكوّناتها الأربعة، أو القائمة الموحدة، الذراع السياسي للحركة الإسلامية الجنوبية المعترف بها إسرائيليا فحسب، بل ومن جانب من نَظَّرَ لمقاطعة الانتخابات وظنّ عديدهم أنهم هم الحزب الفائز في هذه الجولة، بعد أن تكشفت نسبة المصوتين والمقاعد التي حصلت عليها المشتركة والموحدة.
هذه المراجعات يجب أن تكون علمية وموضوعية وجريئة وصريحة وغير شخصية، وليس بالضرورة للمراجعين الإعلان عن مراجعاتهم بقدر استلهامهم لمعاني ونتائج هذه المراجعات، وكيفية تنزيل تلكم النتائج على أرض الواقع، فمجتمعنا في الداخل الفلسطيني يتعرض منذ عقود لسلسلة من عمليات غسيل الدماغ والتأثير الخارجي والداخلي، كما يتعرض لتغييرات أزعم أنها جوهرية، وبات الحس المجتمعي-السياسي-الأخلاقي لدى هذا المجتمع متطور ومتقدم على نخبه السياسية والمثقفة، إن صحت التسمية والتوصيف، ففي العقود الثلاثة الأخيرة شهدنا رِدَةَّ غير مسبوقة بين المثقفين العرب من أبناء الداخل الفلسطيني، ولئن كان الأمر ليس بعمومه بيد أن بيانه جلي جدا.

داخلنا الفلسطيني وأهمية المراجعات
الحديث عن المراجعات، يعني بالضرورة تناول الرّدّة الأخلاقية للأحزاب السياسية في داخلنا الفلسطيني، والحديث عن ردة أخلاقية لا يتوقف عند جريمة شرعنة الشذوذ الجنسي، التي يذهب العديد إلى أنها القشة التي قسمت ظهر البعير في جدل السياسة والمصالح والأخلاق وبنيوية مجتمعنا، فلئن كانت هذه قاسمة ظهر لهذه الأحزاب بحيث بانت من خلالها سوءاتها فعوقبوا على قدر هذه السوءات، فإنَّ القادم في هذا السياق أشدُّ وأخزى مجتمعيا وسياسيا، وخط التماس بين المحافظ والعلماني لن يتوقف عند هذه القضية، إذ فلسفات المنادين بالمحافظة كما المتعلمنين ستطفو على السطح عاجلا أم آجلا، وعندئذ لا مناص للقاعدين على الجدران ومن رفض انتخابات الكنيست من الدخول الى هذه الحمئة، لكنْ في مكونات هذه الردة ما لا يقل عنه خطورة من مثل المال الوافد من خلف البحار ومن الجيران وتداعياته على الموقف السياسي بكل محايثاته وتداخلاته مع النخب السياسية والثقافية، التي دفعت نحو قيم وسلوكيات وسياسات باتت تداعياتها نعيشها على جلودنا، ليس أقلها تعظيم الكسب المادي مهما كان مصدره على كل قيمة، ولعل أنموذج العنف المرتبط بالمال ومقارباته للجريمة المنظمة، من القضايا ذات البعد الأخلاقي-المجتمعي الواجب تفحصها مخبريا وعملياتيا، وَتَحَول عديد الساسة سواء من هم تحت قبة الكنيست أو خارجها إلى وكلاء للداعم الخارجي وتنفيذ أجنداته، ولو كانت على حساب حيوات الناس ومظانهم -المَظَّانْ أي أصول الأشياء ومنابعها وجذورها- وفي هذه السياقات المتعلقة بالمال الوافد ومطالبه، تتداخل منظومات فكرية وعقدية وأخلاقية تتناسل عنها أسئلة تتدحرج بين الحد السياسي في مفاهيمه المتداعية لمعنى السياسة برسمها مكونا للقوة والحكم والتأثير، والى المعاني الأصولية المتعلقة بالشرع والسياسات الشرعية والمقاصدية، وأنَّ السياسة هي كل فعل أقرب الى الصلاح منه الى الفساد، كما ذهب إلى ذلك، ابن القيم وعدد من الفقهاء، أرباب السياسة الشرعية ماضيا وحاضرا، وتنتهي وفق ظنّي المتواضع على عتبات المشهد اللاهوتي بشقيه الديني الثاوي لقيم مهدوية (المهدي ونظرية الخلاص) أو العلماني التي تفضي إلى قيم المدينة الفاضلة (وفق المنظور الافلاطوني والأرسطي) إذ لا تحتسب المسألة في مجرد مال دخل وتَنعمَّ به جمع من المتنفذين ومن ظنّوا أنهم يملكون حق “الوصاية” على مجتمعنا/ مجتمعاتنا المحلية، بل هي مسألة تهم كل فرد فينا فتكون شخصية بمكان، وجماعية بمكان وجمعوية بمكان ثالث.
وفي سياق المراجعات، ثمّة حاجة ماسة لاستيعاب الدور الممارس من قبل جمعيات أمريكية تروم بقاء إسرائيل، بعدئذ قررت المؤسسة الامريكية جعلها جزءا من منطقة المتوسط (بما يحمله هذا من معاني استراتيجية في القاموس الأمريكي) وكيفية تحصيل التطبيع، وقبول إسرائيل تحت مظلات العدالة والديانة الإبراهيمية، ومحاربة التشدد والإرهاب، وأنها جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة (بمعناه المطاط الخادم للأجندات الوافدة وضرورات التغيير الاستراتيجي في المنطقة إن في المفاهيم والرؤى وإن في القيم والسياسات، وهذا جار على مستوى الدول والحركات، سواء كانت حركات مدنية أو حركات مقاومة، فالجميع أدخل رغم أنفه في هذه المطحنة وهو بيان لقوة الغرب بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان ودلالات) ودور النخب السياسية والمثقفة وحتى الدينية والمتدينة منها سواء علموا بذلك أو لم يعلموا وفهم العُقَدْ التي تنسجها تلكم لمؤسسات خارج البحار لتمرير هذه السياسات وفقا لمخطط زماني-مكاني محسوب الأهداف والغايات والنتائج.
وفي سياق المراجعات، ثمة حاجة لفهم معاني تغلغل الدولة في عقول مجتمعنا بعيدا عن صبيانيات النخب بكل أنواعها، ذلكم أنّ هناك الكثير من أبناء الطبقة الوسطى في الداخل الفلسطيني من أصحاب المداخيل فوق المتوسطة والمرتهنين لقيم الليبرالية الحداثوية الإسرائيلية، يعتبرون أنفسهم حالة نخبوية وهذه المجموعة عابرة للأيديولوجيات في الداخل الفلسطيني، تلتقي في كثير من قيم تخلقت من الليبرالية الإسرائيلية، خاصة ما تعلق باستيطان قيم الاستهلاك وأخلاقياته السائلة، وهؤلاء يشكلون حالة وازنة في فهم معاني هذا التغلغل وآثاره على مجتمعاتنا، ومن المتفق عليه أنّ وباء كورونا بما خلق من تداعيات اجتماعية-سياسية داخل المجتمعين الإسرائيلي والداخل الفلسطيني، قارب معاني التغلغل الإسرائيلي الى مجتمعاتنا المحلية ببعديها القروي والمديني المشوه، وقارب كذلك المجتمع الإسرائيلي بكل مكوناته وتشكيلاته لهذه العلاقة ذات البعدين الوظيفي والأخلاقي، وهو ما يستوجب مزيدا من التوضيح والتحليل لفهم تداعياته المستقبلية، وجاءت موجة العنف والجريمة لتعمق معنى التواصل والاتصال مع الدولة، بكونها راعية للجميع، وبكون مجتمعاتنا المحلية يملك أفرادها صك المواطنة دون الخوض في هذه المواطنة ماهيتها وجوهرها ومعانيها وتداعياتها، وهو ما يدفع نحو ضرورات تحليل فهم الوطن والوطنية والمواطنة، وأين نحن كمجتمع من هذه الحسبة، هل نحن في ظلال عوالم متخيلة، أم في سياقات واقعية تدفع نحو تأسيس متجدد لواقعية سياسية لا تقارب معنى السياسة بكونها حاملة الخير للناس، بل وبكونها نوع من فن الحكم والقيادة والمشاركة في صناعة القرار، وكيف ستؤثر هذه المسائل على الهويات الفردية والجمعية والجماعية.

قراءة متجددة للمجتمع الإسرائيلي
وفي هذا السياق، ثمّة حاجة لدراسة وتفكيك المجتمع الإسرائيلي بعد تراجع مستمر لليسار من 56 مقعدا عام 1993 عشية أوسلو وقد كان ربانها إلى 13 مقعدا عام 2012 وانزياحات الناخب الإسرائيلي المستمرة منذ مطلع هذه الالفية نحو اليمين، وإن كان يوجد فيه تنوع واختلاف في الموقف من عديد القضايا القومية والوطنية، ولكن الفريق الأكبر منه ينشد الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على كل مرافق الحياة، سواء في سياق إسرائيل أو مناطق عام 1967 وينادي بتمكين اليهودية كدين وقيم وهوية وفي كل مفاصل الحياة، مع اختلاف في بعض القضايا ذات البعد الديني ويتصاعد فيه نَفَسُ السيطرة المطلقة على القدس العتيقة والمسجد الأقصى وتسريع بناء هيكل ثالث (أنظر جدول رقم 1)
جدول رقم -1-
تنامي قوة اليمين بين سنوات 2013-2021
2013 2015 نيسان 2019 سبتمبر2019 2020 مارس2021
31 30 35 31 36 30

يقابله تمكين مستمر لحزب الليكود بقيادة نتنياهو الذي حصل على أعلى مقاعد في الكنيست منذ عام 2013 والى هذه اللحظات، ويشكل منفردا ربع أعضاء الكنيست على الرغم مما يلاحق زعيمه من قضايا جنائية (انظر جدول رقم 2).

جدول رقم -2-
حزب الليكود في الكنيست 2013-2021
2013 2015 ابريل 2019 سبتمبر 2019 مارس 2020 مارس 2021
19 مقعدا وبالتحالف مع يسرائيل بيتنو على 31 مقعدا 30 35 31 36 30

مما يعني ضرورة دراسة هذه الشخصية ليس في سياق السياسة الداخلية الإسرائيلية فحسب، بل وبفهم أعمق للدور الذي يمارسه في تعزيز الهوية اليهودية للدولة وللمجتمع وأدوات هذا التمكين، وكيف يحقق نجاحات باهرة في هذه السياسات رغم التشظي السياسي إسرائيليا وفي اليمين عموما، إلى جانب فهم اعمق لمكوناته الشخصية والفكرية، وكونه في نظر العديد من المحللين الشخصية الأكثر أهمية بعد بن غوريون، وما يعيشه المجتمع الإسرائيلي من أزمة في القيادة أزمة باتت تلطم وجه هذا المجتمع، خاصة في ظل غياب شخصية كاريزمية وفشل العسكر في منافسته (غانتس ، يعلون …) وهو ما يحمل دلالات مدننة المؤسسة الإسرائيلية ظاهرا وتمكن جهازها الأمني ودوره الطليعي في حماية المنجز السياسي المتمثل بالدولة.
القراءات والمراجعات أساس لازب لكل ما ذكرت آنفا، لفهم القادم علينا في ظل تحولات إقليمية باتت الريح السموم فيها تُسمع من بعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى