أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (60): قراءة في المشهد السياسي على ضوء نتائج الانتخابات النتيجة الأهم: فوز حزب المقاطعة

حامد اغبارية
(1)
إذا كانت أربع انتخابات للكنيست الصهيوني خلال سنتين غير كافية لفهم ما يجري على الساحة السياسية الإسرائيلية، ومن وراء ذلك فهم مستقبل هذا الكيان فإن لدينا مشكلة في قراءة الحدث وما وراء الحدث.
نعم، تكفي أربع جولات انتخابية لإدراك أن شيئا ما غير مسبوق يحدث، وأن ما كان لن يكون. فقد تغيرت شروط اللعبة وأدواتها، ولم تعد الساحة السياسية الإسرائيلية هي ذات الساحة التي عرفناها قبل 2019. إنها في طريقها إلى المربع الأصعب والأخطر في تاريخ المؤسسة الإسرائيلية القصير وعمرها الأقصر.
أولا: ستبقى هذه الصورة تتكرر، وبأشكال وصور أكثر ارتباكا، وسوف تختلط أوراق كثيرة، وربما يبقى مشهد إعادة الانتخابات كل بضعة أشهر هو سيد الموقف. فالقوى السياسية الرئيسية التي تشكل ذلك المشهد السياسي في الجانب اليهودي من المشهد تتجاذبها أجندات متطرفة. والخلاف فقط هو حول من هي القوة السياسية الأكثر تطرفا والتي يمكنها تصدّر المشهد السياسي، أو على الأقل تكون جزءا من القوى التي تتصدره. وبناء على ذلك لا أستبعد انتخابات خامسة هذا العام، لأنه، حتى لو تمكن نتنياهو أو المعسكر الآخر من تشكيل حكومة بعد مخاض عسير، فإنها لن تكون حكومة مستقرة، ولن يكون في مقدورها إدارة شؤون الدولة الإسرائيلية بصورة طبيعية، وستكون هناك ملفات ذات وزن هي التي تقرر مصير أية حكومة ستنشأ من هذا الوضع المرتبك، وعلى رأسها الموضوع الاقتصادي والملف الأمني، إضافة إلى ملف وباء كورونا الذي يعتبر ملفا طارئا (سينتهي في مرحلة ما) بخلاف الملفات المصيرية الأخرى.
ثانيا: إن المحرك الوحيد لنتنياهو في جولة الانتخابات الأخيرة، كما في الجولات الثلاث السابقة، هو مصيره الشخصي المتعلق بالملفات القضائية التي سيحاكم فيها. ولذلك فإنه سيبذل كل ما في وسعه، مستخدما قوته في التأثير وخبرته في اللعب على كل الحبال من أجل تشكيل الحكومة القادمة، حتى لو وجد نفسه مضطرا إلى اللجوء إلى القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس. وحتى لو وجدنا بين التيارات اليمينية الأكثر تطرفا رفضا علنيا للتعاطي مع القائمة الموحدة، فإن لدى نتنياهو القدرة على إقناع تلك التيارات بقبول واقع مؤقت يمكّنهم جميعا من تصدّر المشهد السياسي. غير أن أمام نتنياهو بدائل أخرى غير اللجوء إلى الموحدة. فقد ينجح في إقناع كل من ساعر وبنيت في الانضمام إلى حكومة برئاسته مقابل أثمان هو مستعد لتقديمها من أجل الحفاظ على مستقبله السياسي. وإذا كنت تفهم طريقة تفكير الأحزاب الصهيونية وقياداتها وأسلوبها في العمل، فلا بدّ أنك تتوقع أن تنضم أحزاب من الوسط واليسار (كحول لفان والعمل) إلى حكومة برئاسة نتنياهو. وستبقى تلك التصريحات التي سبقت الانتخابات بأنها لن تتحالف مع نتنياهو مجرد تصريحات لأغراض انتخابية لا أكثر. وقد حدث هذا سابقا، وسيحدث لاحقا. وأظن أن حزب ساعر وحزب بنيت “سيضطران”، أو سيضطر أحدهما على الأقل، لابتلاع كل الضفادع الموجودة في المستنقع، بشرط ألا يكون للعرب مجرد دور أو تأثير – مهما كان بسيطا وساذجا- في مستقبل الدولة التي يريدونها (جميعا) دولة يهودية يعيش فيها “أغيار”.. وسوف يخرج هؤلاء، وربما يكون معهم أيضا بيني جانتس، ليقولوا لجمهورهم إن مستقبل الدولة وإنقاذ الاقتصاد ومواجهة الوباء والخطر الإيراني (والحفاظ على نقاء العرق) هو الأهم… وهي ذات السمفونية التي يكررونها دائما.

(2)
هل نجح نتنياهو في اختراق المجتمع الفلسطيني في الداخل في هذه الجولة الانتخابية؟
الجواب: نعم! ولا.. نتنياهو لم يخترق المجتمع الفلسطيني ولن يتمكن يوما ما من اختراقه، وإنما اخترق حصون الأحزاب المشاركة في الكنيست وأحدث فيها خلخلة غير مسبوقة. وما حصل عليه من أصوات بشكل غير مسبوق، يؤكد أن بيننا شريحة هي في غاية السذاجة، تحركها مصالحها الفردية والضيقة، يسهل التأثير عليها من خلال عملية خداع وتضليل وسلسلة من الوعود الكاذبة التي ستقدم لهم في نهاية المطاف رزمة سراب من النوع الفاخر بتوقيع سموتريتش وبن غفير.

(3)
أغرب وأسخف تحليل قرأته في الإعلام العبري أن الجمهور العربي عاقب المشتركة بسبب دعمها للشواذ، ولذلك وهبت أصواتها لميرتس!! وكأن الجمهور العربي لا يعرف أن ميرتس هي “البيت الدافيء والأب الروحي” للشواذ. حتى اسألوا رئيس حزب ميرتس…
نعم، الجمهور العربي أنزل بالقائمة المشتركة ضربة قاسية لا أظن أنها ستقوم لها قائمة بعدها، تحديدا بسبب الموقف من قضية الشواذ، ولكن أيضا بسبب السلوك السياسي والاجتماعي والجماهيري لأقطاب المشتركة، وانكشاف الأضاليل التي ملأوا بها الفضاء. وقد جاءت المعاقبة على صورة مقاطعة الانتخابات التي – في رأيي- هي النتيجة الأهم في هذه الجولة الانتخابية، والتي يجب استثمارها بصورة منظمة في الانتخابات القادمة التي أعتقد أنها ستأتي أسرع مما نتوقع.
في اعتقادي أن دور المشتركة قد انتهى بعد هذا السقوط المريع. وإذا ما أجريت انتخابات خامسة فإن الاحتمال الأقوى أن تظهر تحالفات جديدة ثنائية على الأغلب…

(4)
هل الدكتور منصور عباس ساذج إلى هذه الدرجة حتى يذهب هذا المذهب وينتهج هذا المنهج؟
لا… إنه ليس كذلك. فالدكتور منصور عباس عضو في تنظيم له مؤسساته. والذين ينتمون إلى تنظيمات، وخاصة التنظيمات الإسلامية، فإنهم بالتأكيد يعلمون أن كل ما يصدر عن القيادات لا يصدر عن رأي شخصي ولا عن موقف ارتجالي، بل هو تعبير عن قرارات مدروسة داخل مؤسسات التنظيم. وفي التالي فإن ما فعله منصور عباس هو أنه نفذ وينفذ سياسة تنظيمه وينتهج نهجه، وهو ذلك النهج الذي وضع أسسه المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش. هكذا فقط يجب أن يُفهم المشهد.. فلا مكان للحديث عن السذاجة وقلة الخبرة السياسية في هذه القضية الكارثية.

ولماذا هي قضية كارثية؟
إن الطريق الذي دخلت فيه الحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي) لم يكن مجرد خيار المشاركة في الكنيست، بل المسألة أكبر من ذلك بكثير. فاليوم تجد داخل الحركة أصواتا تصفق لهذا الانحدار نحو هاوية الأسرلة، وهي توهم نفسها بأنها بـ “النهج الجديد” إنما أمسكت الذئب من ذيله، وهي لا تدري أن الثعلب يدور ويلفّ حولها ويجعلها تلفّ معه حتى تصاب بالدوران الذي يجعها ترى السراب ماء، حتى إذا جاءته لم تجده شيئا… مجرد سراب وأوهام.
إن “النهج الجديد” الذي يسير فيه الدكتور منصور عباس، ومن خلفه كامل التنظيم بكل قياداته ومؤسساته، هو بالضبط ما تريده المؤسسة الإسرائيلية. وهو تطبيق عملي لما تحدث عنه نتنياهو يوم قال في حديث إذاعي قبل بضعة أشهر إن هناك حركات إسلامية تريد إرجاعنا إلى العصور الوسطى، وحركات إسلامية تريد الاندماج في دولة إسرائيل الناجحة…
وخلاصة القول في هذه العجالة إن الدكتور عباس، بما يمثله ومن يمثلهم، سيدفع أثمانا باهظة ولن يحصل على شيء ذي قيمة. فهو من المفروض أنه يعرف – وكيف لا يعرف؟- أن الذين يتعامل معهم في المؤسسة الإسرائيلية لن يعطوا شيئا عن طيب خاطر، ولن يقدموا له إلا ما يخدم مصالحهم ومشروعهم الكبير…. فهل يرضى أن يكون في هذه الخانة؟ هل يقبل أن يكون إحدى وسائلهم لتحقيق هذه المصالح؟؟
غاية ما أتمناه ألا يصاب الدكتور منصور عباس بصدمة شديدة عندما يلمس النتائج، ويفتح يديه فلا يجد فيهما شيئا، ويفتح عينيه فلا يرى إلا سرابا…
نتنياهو لعب لعبته الخبيثة، وجرّ الدكتور عباس إلى الحفرة، وفي ذات الوقت كان قد احتاط مسبقا باحتضان سموتريتش وبن غفير، وهو يعلم أن عباس لن يدعم حكومة تحتضن مخلفات كهانا، ومن ثمّ لن يكون في إمكان عباس التقدم أكثر، ولكن أيضا لن يكون في مقدوره التراجع بما يحفظ ماء الوجه. فقد تلوثت الأجواء بما يكفي بحيث لا يمكن لكل المبررات أن تنظفها..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى