أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الذاتية الإسلامية والثبات على الهوية هي القضية

د. محمود مصالحة
إن الثبات على الهوية الإسلامية في هذا الزمان، هو مطلب أصولي في الحفاظ على الذاتية الإسلامية الفردية والجماعية، فالمسلم الصادق المخلص تتجلى فيه شخصيته الاجتماعية والسياسية والعلمية والفكرية، ويقف بعقيدته الإسلامية التي أُكرم بها ثابت الخطى مهما إرتفعت أمواج الفتن ومغريات الثقافات الانحلالية الغربية العاتية، ويبدو أن زمن التمايز في مختبره يُمحص الناس، فالرجال الرجال همهم الاستمساك بهويتهم ثابتون على دينهم، فلا أثر لرياح الشبهات والشهوات فيهم، فلا يقعون فريسةً في شباك الانتخابات التي نُصِبت، إنهم أصحاب الذاتية والهوية الإسلامية العصية على التفريط بثوابت الإسلام، همهم مرضات الله، ومشروع وحدة الأمة الإسلامية هو صُلب القضية.
وثبات ذاتية المسلم على هويته الإسلامية يُستمد أولا: من كتاب الله، حبل الله المتين، الذي يَغرسُ الإيمان في القلوب، وبه تحيا النفوس، وتزكو الأرواح، وبتدبرٍ لآياته تُشرِق القلوب فتُطفَئ رياح الفتن، ولقد آزرت المعية الإلهية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في بواكير الرسالة، قال جل وعلا: “مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى” سورة الضحى:3، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرُ معلم وخيرُ أسوةٍ في الثبات بعد أن أخرجه أهل الطائف وقد لاقى من صنوف الأذى ما لاقى، فوقف يناجي الله عز وجل، قائلاً: “فإن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي لك العتبى حتى ترضى”.
وعافنا الله ُأن نكون من الذين في الفتن سقطوا، لقول الله عز وجل: “أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ” سورة التوبة: 49،
ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن إقبالا عليه تلاوةً، وحفظًا، وتفسيرًا وتدبرًا وعشقًا وإرشادًا، وبين الذين ركنوا لتزيين الذين ظلموا، فسقطوا في شِباك الفلسفات الغربية، فضَيِّعوا ذواتهم وهويتهم الإسلامية، وانتحلوا هوية غربية، ويحسبون أنهم على شيء.
ثانيا: ثبات الذاتية على الهوية الإسلامية بأخذ الإسلام بقوةٍ، عقيدةً وعبادةً وشريعةً وسلوكًا، فيحظى المسلم بتثبيت الله جلّ وعلا لقوله: “يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء” سورة إبراهيم: 27. قال قتادة: “أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر”.
ثالثا: وثبات ذاتية المؤمنين المخلصين على الهوية الإسلامية، مستمدٌ من ثبات أنبياء الله تعالى، ومن نبي الله إبراهيم عليه السلام نستلهم الدروس في الثبات على العقيدة، إنه كان كالجبل الأشم شامخًا في تحدٍ للطغاة، متوكلًا على ربه القادر على كل شيء، وحينما ألقي في النار استعان بالمعية الإلهية التي لا تُغْلَب، فقال: حسبي الله ونعم الوكيل” (الفتح 8/22). ولم يلتفت لقول بعض القوم لبعض: حرّقوا إبراهيم بالنار إن كنتم ناصريها، وعلى جناح السرعة تدخلت العناية الإلهية لتجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الطغاة السفلى، قال عز وجل: “قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ” سورة الأنبياء: 67- 69.
رابعًا: نبي الله موسى عليه السلام قد أعجز الطغيان بثباته في أحرج المواقف، فبالحسابات البشرية المادية أمام طغيان فرعون وجيوشه فلا نجاة لموسى عليه السلام وقومه، ولكن رسوخ عقيدة التوحيد التي استعلت على المادية، فبها انقلبت الموازين حين استعان موسى بمعية خالق المادة التي أُمِرت فأغرقت فرعون وجيشه بإذنه عز وجل، قال تعالى: “فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ” الشعراء: 61، 62. فكم هم مساكين الماديون الدنيويون فلم تتحرر عقولهم من تراب الأرض، وأوحالها.
خامسًا: لا بد لثبات الذاتية الإسلامية بالبحث عن زاد الثبات بالإكثار من ذكر الله عز وجل مسبب الأسباب؛ فلما اقترن الثبات والإكثار من ذكر الله تعالى تنزَّلت عليهم السكينة، ونصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين في معركة بدر الكبرى، وقاتلت معهم الملائكة، قال الله عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ” سورة الأنفال: 45.
ونبي الله يوسف عليه السلام لمّا دخل في حصن (مَعاذَ الله)، عصمه الله من فتنة المرأة ذات المنصب والجمال لما دعته إلى نفسها فأبى واستعصم، فإذا بفتنة النساء تُخمد، وما أحوج شباب الأمة في هذا الزمان لدخول حصن ذكر الله والاحتماء بركنه الركين، إنه حصن (مَعاذَ الله) في تثبيت المؤمنين.
سادسًا: ثبات الذاتية الإسلامية على الطريق المستقيم، طريق أهل السنة والجماعة، والاسترشاد بأهل الرشاد علماء الأمة، سيرًا نحو طريق الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وهم أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم الذي فيه التميُّز عن أعداء الله، ومفاصلة أهل الباطل. فلنتأمل كم ضلَّ من السابقين، ومن اللاحقين الذين أصروا واجتهدوا فخانهم اجتهادُهم وزينت لهم أنفُسُهُم، فخالفوا علماء الأمة وقالوا أهل مكة أدرى بشعابها، فزلت أقدامهم عن الصراط المستقيم، فإذا هم بشباك الظالمين واقعون.
سابعًا: ثبات الذاتية بالحرص على التربية الإيمانية بالأدلة الصحيحة، التي تُحيي القلوب، وتشرق نفوس المؤمنين بمحبة الله ورسوله والصحابة الكرام والتابعين، وبالخوف والرجاء، وبالولاء والبراء يتقي المؤمن سبيل المجرمين.
ثامنًا: وثبات الذاتية الإسلامية وثوقًا بسلوكها طريق الإسلام بأصليْه الكتاب والسنَّة، فهذا دأب الصالحين من السابقين واللاحقين، مسترشدين بأهل العلم حملة المشروع الإسلامي، فهو طريق الأنبياء والصديقين والعلماء والشهداء والصالحين.
تاسعًا: الثبات يكمن في ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل:
فالنفس إن لم تتحرك تَأسنْ، إنها وظيفة الرسل، وطريق النجاة في الدنيا والآخرة من عذاب الله غدًا؛ وفيها تتفجر الطاقات، قال جلَّ وعلا: “فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ” سورة الشورى: 15، فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، وبالدعوة يستعلي الإيمان، وفيها ينطلق اللسان، وترِقُ القلوب، وتصفو النفوس، ويصقل الفكر، وبالدعوة تتقطعُ حبائل الشيطان، ومكائد أهل الباطل تُهدم، فلتكن شغل المسلم الشاغل.
عاشرًا: ثبات الذاتية الإسلامية بعدم الاغترار بانتفاش قوة الباطل وبتنَعُّمه الزائل، وفي قوله عز وجل: “لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَد مَتاعٌ قَليلِ” سورة آل عمران: 196، فمعرفة حقيقته تسريةٌ وتسليةٌ للمؤمنين وتثبيتاً لهم، لقوله تعالى: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء” الرعد: 17، إنه الثبات على الحق وعدم الاستسلام لدعوة الباطل حيث -فضح الله عز وجل- أهله وعرّى أهدافهم، في قوله: “وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ” سورة الأنعام: 55، حتى لا يؤخذ المسلمون على حين غرة. فالذاتية الإسلامية طريقها مفهومةٌ في قوله تعالى: “قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” سورة يوسف: 108، إذن فثبات الذاتية الإسلامية الفردية والجماعية على الهوية هي القضية.
فيا مُثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى