أخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (59): أكْذبُ من……!

حامد اغبارية
قديما قالت العرب “أكذب من مُسيلمة” و “أكذب من سُجاح” و “أكذب من جَرعب”… فهؤلاء بثّوا دعاياتهم (الانتخابية) في أوساط الناس في زمانهم ليسوّقوا أنفسهم، ورغم ظهور كذبهم ودجلهم إلا أنهم وجدوا من يصدقهم أو يدّعي أنه يصدّقهم لغرض في نفسه أو لمصلحة له عندهم. ولقد قالت العرب كذلك “أخلف من عرقوب”، كما قالت أيضا “أكذب من اليهيَرّ”، وهو السراب. أوليس السرابُ يبقى سرابًا وإن ظنّه الناس شرابا؟؟
وها نحن نستعيد هذه الأيام الانتخابية غير المباركة “أمجاد” العرب ونعيش في أفيائها في ظل انتخابات الكنيست الصهيوني، حتى بات الواحد منا في حيرة من أمره بأي “مجد أجداد يفتخر”؟!! أيفتخر بدجل مسيلمة؟ أم بأكاذيب سجاح؟ أم بأضاليل جرعب؟ أم بنفش عضلاته افتخارا بجدّهم عُرقوب؟ أم يكتفي بالتعبير عن انتمائه لجمهور الراكضين خلف السراب؟؟!!
لم تترك الأحزاب المتنافسة في انتخابات الكنيست الصهيوني وسيلة تضليل أو دجل أو ادعاء التميّز عن الآخرين إلا وجعلته إلى الوصول سبيلا، ولا بابا من أبواب الكذب إلا ودخلت منه لتقول لك: أنت أنت ولا غيرك، قد اتخذناك خليلا… فاتَّبِعنا ولا تَتّبع سبيل الأحزاب الأخرى التي لا تقدم لك إلا الأضاليل…!
وهكذا تجد نفسك – يا مواطن- وسط جوقة من تجار الأوهام ينقضّون على حضرتك من كل جانب، وكلهم يأتيك باسما ضاحكا مستبشرا، ملاطفا، مداعبا، مادحا، نافخا، نافشا، واعدا، كاذبا…. حتى يخيّل إليك أنك سوف تستيقظ من نومك غداة يوم الانتخابات لتجد أن صحراء النقب قد أصبحت بساتين وأنهارا، وأن الجليل قد صار ملك يمينك، وأن المثلث قد استرد أراضي الروحة واللجون، وأن مرج بن عامر أصبح عامرا بأهله الذين كانوا يفلحونه قبل النكبة، وأن مدن الساحل قد امتلأت باللاجئين العائدين من غربتهم القهرية. بل يخيل إليك أن التعليم الجامعي صار مجانيا، وأن عصابات الإجرام أصبحت كلها خلف القضبان، وأن المسجد الأقصى قد “قُحِش” من حوله المستوطنون، وبات قاب قوسين أو أدنى من التحرر، وأن أسرى الحرية باتوا ليلتهم في أحضان أمهاتهم ووسط عائلاتهم، وأن جهاز التعليم قد أصبح في أيدينا تماما، وأن الأزواج الشابة قد تسلموا مفاتيح بيوتهم الجديدة، وأن دائرة الطابو قد وزعت قبل طلوع الشمس وثائق ملكية الأراضي المنهوبة على أصحابها الذين كانت قد نهبت منهم، وأن دائرة الأراضي عممت بيانا تعلن فيه عن أسفها التاريخي وأنها بدأت تعيد كل قطعة أرض نهبتها إلى صاحبها الفلسطيني، وأن “الكيرن كييمت” قد أرسلت الجرافات لاقتلاع الأحراش التي زرعتها عبر سبعين سنة فوق القرى التي هدمتها العصابات..
ويا صديقي المواطن؛ لا تهتم ولا تلتفت لما سوف تسمعه (في وسائل الإعلام والفاكسات والإيميلات) من صراع بين الأحزاب والأقطاب والأصحاب حول من هو صاحب الإنجاز العظيم والفتح المبين، فهذا صراع بين الإخوة الذين هم اليوم أعداء، وغدا سيرجعون يلعبون “سوا..سوا”…..
صحيح أنهم حتى اليوم لم يتمكنوا من حلّ لغز من هو عضو الكنيست الذي اخترق الحواجز واقتحم النيران على صهوة جواده ليحقق لنا إلغاء ضريبة الأملاك (هذيك السنة)… ولكن لا بأس… اصبر قليلا وستحل كل المشاكل والأزمات… وستُشرق الشمس على مجتمعنا في الداخل، وسيجلس أبطال العصر في ستوديوهات الإعلام العبري ليحكوا لنا (دون أن يقاطعهم أحد) كل تفاصيل الملاحم التي خاضوها لأجلك.. فكل شيء يهون من أجلك.. من أجل صوتك…..
ولكن يا عزيزي المواطن، تبقى مشكلة صغيرة جدا… من هو الذي سيحقق الإنجاز في ملف العنف والجريمة؟
هل هو نتنياهو؟ هل هو لبيد ابن أبيه؟ هل هي المشتركة؟ أم إنها الموحدة؟ أم يا ترى ميرتس؟ أم ربما يأتي الفرج من حيث لا تحتسب؛ من طرف نفطالي بنط أو إيتمار بن جفير؟
فكل هؤلاء وغيرهم أنت وفّرتَ لهم مادة للدعاية الانتخابية، بصفتك ضحية من ضحايا العنف والجريمة، وأنت طبعا “غالي عليهم”… وصوتك يا صديقي ثمنه كبير… فكيف لا يهتمون بك؟؟
هذه فعلا مشكلة. ونحن الفلسطينيين لا نأكل الطعام حتى نعرف من صنعه لنا… فكيف ستتقدم الأمور وتحل الأزمة طالما أننا لم نعرف بصورة مؤكدة من هي الجهة التي حققت الإنجاز العظيم؟؟
سيكون علينا أن نقرر: هل نطوي صفحة النقاش وننتهي من ملف العنف، أم نصرّ أولا على معرفة صاحب الإنجاز؟!!
حقيقة الأمر يا أخي أن الجميع يستخدمونك لتحقيق كل شيء إلا حل مشاكلك وقضاياك…
فهل تقبل أن تكون أداة في أيديهم وأنت (بالتجربة المريرة) تعلم علم اليقين أنهم لا يقولون الحقيقة، ولا يملكون حلولا، ولا أشباه حلول ولا حتى ظلّ حلول؟؟
إن غاية ما يسعون إليه هو الحصول على صوتك في الصندوق، ثم لا يسمعون صوتك ولا أنين آلامك بعد ذلك…. أنت تعرف هذا، وأقسم أنك تعرف… وأنت تعرف أن الجميع يعلمون أنك تعرف.. ذلك أنهم يعرفون ما تعرف.. فكيف تغمض عينيك وتزعم أنك لا ترى؟ كيف تصُمّ أذنيك وتزعم أنك لا تسمع؟ كيف تحبس لسانك وتزعم أن هذا ليس وقت الكلام ولا وقت الملام؟؟؟
أفق أفق من غفلتك.. قبل أن تستيقظ على وهمٍ جديد تكون أنت أحد صانعيه.. فتندم ولات ساعة مندم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى