أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةعرب ودولي

شكوك في باريس والجزائر حول إمكانية الاطلاع على الأرشيف دون “فيتو” الجيش الفرنسي

رفعت عدة شكوك ومخاوف من قبل باحثين ومؤرخين في فرنسا والجزائر حول إمكانية الوصول إلى كل الأرشيف الذي أعلنت الرئاسة الفرنسية رفع السرية عنه، ولم يستبعدوا أن يلقى هذا القرار نفس قانون الأرشيف لسنة 2008، وأن تلعب المؤسسة العسكرية في فرنسا دورا من أجل عرقلته.
وبنيت هذه التخوفات بعد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالشروع في “عمل تشريعي من طرف خبراء جميع الوزارات المعنية”، والذي وصفه المؤرخ الفرنسي “جيل مانسيرون” بـ”المقلق”، وبأنه يمكن أن يعرقل الاطلاع الحر على الأرشيف المرتبط بالاستعمار الفرنسي للجزائر خاصة خلال الثورة ما بين 1954- 1962.
وكانت الرئاسة الفرنسية قد أعلنت في التاسع من هذا الشهر، أن الرئيس إيمانويل ماكرون قرر رفع السرية عن الأرشيف المختوم بـ”سري”، والذي يزيد عمره عن 50 عاما، ولا سيما ذلك المتعلق بحرب الجزائر، استجابة لطلبات رفعها باحثون جامعيون للرئاسة الفرنسية.
وقال المؤرخ الفرنسي “جيل مانسيرون” في حديث مع جريدة “الوطن” الناطقة بالفرنسية إن هذا الإجراء يحافظ على “إلزامية مسار رفع طابع السرية الذي في غالب الأحيان تعود الكلمة الأخيرة فيه للجيش الفرنسي ليقرر اليوم إمكانية الاطلاع على وثيقة ما تعود لتلك الحقبة الاستعمارية”.
وقال المؤرخ الفرنسي حول “هذا العمل التشريعي الذي تقوم به الحكومة (الفرنسية) لتدعيم قابلية تقديم الوثائق دون اختراق الأمن والدفاع الوطنيين” إن هناك هيئات إدارية على مستوى الدولة ومجموعات تحن للاستعمار في صفوف الجيش اليوم والتي “لا توافق” إعلانات الرئيس الفرنسي حول “ضرورة قول الحقيقة عن الماضي الاستعماري لفرنسا والتي تسعى أيضا إلى منع تطبيق هذه القرارات”.
وأضاف بأن القانون الجديد يمكن أن “يزيد حدة القانون الساري المفعول بالعودة إلى حرية الاطلاع على الأرشيف سواء كان يحمل طابعا سريا أو لا”.
وحسب المؤرخ فإن هذه القيود لا يجب أن توجد مذكرا بأن قانون الأرشيف لسنة 2008 “سهر على فرض آجال طويلة أو منع من الاطلاع على بعض الوثائق الواجب حمايتها” معتبرا أن جميع الوثائق التي يفوق عمرها 50 سنة “يمكن الاطلاع عليها “بكل حرية” ويجب أن تبقى كذلك”. ومن الوثائق التي يمنع قانون 2008 نشرها تلك المتعلقة بالتجارب النووية الفرنسية.
وينص القانون الخاص بالأرشيف لعام 2008، على إتاحة الأرشيف الذي تجاوزت مدته 50 عاما، غير أنه في سنة 2011 تم إصدار تعليمات حكومية في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي تقيد الوصول إلى الأرشيف، حيث نصت على ضرورة توجيه الباحثين طلبا لترتيب أو تصنيف الملف، والذي يمر على أكثر من دائرة ومصلحة لتعطي رأيها فيه، قبل أن يرفع عنه السرية، وهو ما أثقل كاهل الباحثين وأخذ منهم الكثير من الوقت.
ويقول المؤرخ مانسيرون في حديثه الصحافي، الذي نقلته أيضا الوكالة الرسمية، بأن الاطلاع على الأرشيف مهم خاصة فيما يتعلق بملف التجارب النووية التي تتطلب القيام بـ”عمل تاريخي محدد” لإدراك “حجم الخسائر الناجمة عنها وكذا الأخطار التي لا تزال يتعرض لها السكان اليوم”، وأيضا للوقوف على قضية الاختفاء القسري خلال الحرب وكذا ممارسات الإدارة الاستعمارية آنذاك.
من جهته دعا المؤرخ والأكاديمي الفرنسي “أوليفيي لو كور غراندميزون” لمواصلة استوقاف “الرئيس وحكومته والأغلبية التي تدعمهما” قصد المطالبة بتطبيق قانون 15 يوليو 2008 “الذي يبقى منتهكا من طرف اقتراحات الإليزيه”.
نفس هذه المخاوف كان قد عبر عنها المؤرخ الجزائري محمد القورصو الذي تحدث عن تجارب سابقة له مع الأرشيف الفرنسي الذي رفعت عنه السرية ثم تم سحبه، وقال في حديث سابق مع جريدة “الخبر” الخاصة بأنه تم “فتح أرشيف خاص بالنووي لكن الجيش الفرنسي جمد القرار ولم يفعله بدعوى أن هناك أسرارا لا يمكن الكشف عنها”، وأضاف بأنه كانت هناك أرصدة أرشيف مفتوحة “وتم غلقها تتعلق بالجانب الثقافي وأحداث 8 ماي/أيار 1945، حيث اطلعت على ملفات قبل عشر سنوات وبعدها سحبت من الأرصدة، أي هناك ملفات يمكن الكشف عنها للقراء والباحثين والمؤرخين وأخرى ملفات تحفظ ولا تسلم”.
وتحيل هذه التفاصيل والمخاوف التي رفعها المؤرخون في فرنسا والجزائر عن مدى تعقيد عملية رفع السرية عن الأرشيف الخاص بالثورة الجزائرية، خاصة وأنها لا تتعلق فقط بقرار سياسي بل تتداخل فيه معطيات أخرى ترتبط بحسابات خاصة بالمؤسسة العسكرية في فرنسا التي تدلي بدلوها في مثل هذه المسائل، كما كان الحال عندما تدخلت لما تعلق الأمر بالتجارب النووية الفرنسية وستتدخل حتما وتمارس “الفيتو” ضد رفع السرية عن ملفات تشوه أكثر صورة الجيش الفرنسي خلال الحقبة الاستعمارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى