أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (58): بين الديني والسياسي.. عضو الكنيست توما كمثال (2)

حامد اغبارية
“الحجاب يخفي جمال المرأة”… هذه الجملة تكررت في الأيام الأخيرة وسط انطباع بأن من قالها (أو قالتها) هي عضو الكنيست الصهيوني عايدة توما سليمان في مقابلتها مع إذاعة “الناس” أواخر شباط الماضي. وقد تداولها كثيرون في نقاشاتهم وكتاباتهم وعلى صفحات فيسبوك على أن توما قالتها في تلك المقابلة.
لا أعرف من هو أول من نشر تلك الجملة على صفحته، ثم تلقفها كثيرون وراحوا يتناقلونها بينهم، ومن خلالها يتركون الانطباع بأن عضو الكنيست المذكورة قالتها فعلا.
ومن أجل ذلك لا بد من توضيح ما قد يكون قد غاب عن الكثيرين.
أولا: من نشر تلك الجملة لم يقل إن عايدة توما سليمان قالتها في تلك المقابلة، وإنما وضعها في رأس تدوينته التي تطرق فيها إلى ما قالته توما فعلا في المقابلة. وأظن أن صاحب الجملة أراد من وراء استخدامها إيصال رسالة مفادها “كشف رأس المرأة لا يعني إبراز جمالها” أو “لا يعني أنها جميلة” وفيها تلميح شخصي لعايدة توما، وتشبيها لها بامرأة أخرى (هي نوال السعداوي) قالت تلك الجملة فعلا في مقابلات لها. وهذا شأنه، وإن كنت شخصيا لا أستلطف شخصنة المسائل ولا صبغ النقاشات من خلال أوصاف لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تفي بالغرض، ولا تحقق شيئا.
نعم، عايدة توما سليمان، بصفتها ناشطة نسوية علمانية، لها موقف واضح ضد الحجاب، وهذا ما أفهمه أنا في ثنايا كل ما تقوله في مناسبات مختلفة تتعلق بالمرأة وحقوقها، حتى لو لم تقل ذلك مباشرة. لكنها لم تقل ذلك التصريح ولم تقل تلك الجملة في تلك المقابلة المشار إليها، تماما مثلما أن الذي نشرها لم يقل إنها قالتها. هذه حقيقة. (لكي أكون منصفًا، وقبل أن أكتب هذا المقال، استمعت إلى تلك المقابلة كاملة، وأظن أن على كل من يريد مناقشة أي شخص حول مواقف نسبت إليه أن يرجع إلى المصدر الأول للمعلومة. هذا أصل من أصول النقاش).
لكن الأسوأ من ذلك أن المدافعين عن توما- سليمان من أنصار الجبهة والحزب الشيوعي تلقفوا بعض ما تناقلته صفحات فيسبوكية نسبت إليها الجملة (عن سوء فهم وتسرع وبسبب مواقفها المرفوضة من قضايا كثيرة تؤلم مجتمعنا)، وراحوا يتهمون الناس بأنهم يلفقون أقوالها لتوما لم تقلها، لأغراض التشويه تارة ولأغراض انتخابية تارة أخرى (في تلميح إلى الموحدة)، علما أن كثيرين ممن تداولوها هم أصلا من المقاطعين للانتخابات. وهكذا أصبحت المسألة مناكفات دون دراية ودون علم ودون تدقيق. وهذا من أسوأ ما جاءنا به زمن الفيسبوك.
على أية حال، فإن عايدة توما – سليمان ذات مواقف مستفزة ومسيئة كثيرة تتناقض مع ديننا الإسلامي، ومع مواقف الغالبية العظمى من أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، ولا حاجة إلى أن يأتي من ينسب إليها ما لم تقله صراحة كي يظهر سوء مواقفها. وهذا المبدأ ينسحب على الجميع على الإطلاق.
غير أن ما قالته عايدة توما فعلا في تلك المقابلة مع إذاعة “الناس” أسوأ بكثير من مقولة “لبس الحجاب يخفي جمال المرأة”. وسأناقش هنا جملة من تصريحاتها في تلك المقابلة التي أعتقد أنها فشلت من خلالها في تبرير مواقفها وشرحها. بل وجدتُ أنها تهربت من الإجابة المباشرة عن أسئلة كان يُفترض (ويُتوقع) أن تجيب عليها بصراحة. أقول هذا بنظرة الإعلامي المدقق فيما يقال وما تخفي السطور وتعبيرات الوجه والجسد والتأتأة والتلكّؤ أحيانا.
(بالمناسبة: تأتأة السياسي وتلكّؤُه هي محاولة للبحث عن إجابة غير مباشرة لسؤال صعب أو محرج أو مفاجئ، لأنه لا يريد أن يقول الحقيقة التي ربما قد تضر به سياسيا وانتخابيا).
في تلك المقابلة مع إذاعة “الناس” راحت عايدة توما تدافع عن التوصية على مجرم الحرب غانتس في الانتخابات الأخيرة قائلة إن تلك التوصية لم تكن خطأ “لأن جمهورنا أراد لنا أن نتصدى لسياسات نتنياهو العنصرية وجرائمه ضد مجتمعنا وضد شعبنا..”..
لم أجد استخفافا بالعقول مثل هذا التبرير السخيف في توصية على قاتل أبناء شعبنا في غزة، الجنرال الدموي الذي أصدر الأوامر بدكّ البيوت فوق رؤوس أصحابها. ثم من هو “الجمهور” الذي تتحدث باسمه؟ وهل سألت هي وحزبها وقائمتها ذلك الجمهور عن رأيه أصلا؟ وكيف قررت أن الجمهور يريد بالضبط ما تريده هي وحزبها وقائمتها؟ هل فعلا أن الجمهور يريد فقط التصدي لسياسات نتنياهو العنصرية حتى لو ثمن كان ذلك التوصية على عنصري وجنرال دموي آخر؟ وهل إذا انتهت سياسات نتنياهو العنصرية ستكون حياتنا سمنا وعسلا؟!!
ألستم أنتم الذين كنتم ترددون في كل انتخابات للكنيست ذات الكلام عن براك وعن أولمرط وعن شارون وعن رابين وسائر جوقة جنرالات الدم؟
ثم تقول في تلك المقابلة إن من أوجع نتنياهو وجعله يلتفت إلى قوة السياسة الكامنة لدى الجماهير العربية هي القائمة المشتركة، ولأول مرة بردة فعل فطرية … تكشف نواياه عندما وجد أن العرب يتدفقون إلى الصناديق، والمرة الثانية أدرك بعقلية الثعلب أن العنصرية لا تفي بالغرض فتوجه إلى العرب.
هل نفهم من هذا أن نتنياهو لم يعُد عنصريا على المكشوف؟ هل توقف عن ممارسة العنصرية؟؟ بهذا المنطق فإن الأولى لعايدة توما وقائمتها أن توصي على نتنياهو، لأنه لم يعد عنصريا. فهذا أفضل من التوصية على غانتس الذي (لا يعرفون خيره من شره- هكذا قالوا يومها) أو من التوصية على لبيد ابن أبيه المتقلب.
ثم تقول: “هو – نتنياهو- يفهم الآن أنه لا يمكن شطبنا من المعادلة السياسية، لكنه يريد أن يلتف علينا”… معنى هذا الكلام أنه كان في السابق؛ إلى ما قبل الانتخابات الماضية كان يمكن شطبكم من المعادلة السياسية… وإذا كان نتنياهو يريد الالتفاف عليكم، فمن يضمن أن لبيد ابن أبيه، الذي ستوصون عليه في الانتخابات القادمة، لن يلتف عليكم هو الآخر ويدير لكم ظهره ويطعمكم “جوزا فارغا”؟؟؟ وما هي “المعادلة السياسية” الإسرائيلية؟ وما مدى تأثيركم في هذه المعادلة أساسا؟ وما هو مكانكم فيها؟ من الجيد أن تشرحوا للجمهور هذه المسألة حتى يعرف رأسه من رجليه…
في جزء آخر من المقابلة تهربت عايدة توما من الأسئلة الأكثر حساسية المتعلقة بقولها إنها ستقف أمام دخول أي ديانة إلى الحيز العام (في ذلك الفيديو الشهير من عام 2015)، ولم تقدّم تفسيرا لتلك المقولة، بل راحت تتهم الآخرين بأنهم اجتزأوا المقولة لتشويهها ولتنظيم حملة ضدها. ثم فسرت تلك المقولة (أمام ضغط المحاور) بأنها قصدت فصل الدين عن الدولة، وعلاقة ذلك بسياسات الدولة. حسنا، إذا كانت عايدة توما تعترف أن تلك المقولة كانت ضمن محاضرة ألقتها حول حقوق المرأة (العربية)، فما علاقة مواضيع تتعلق بالمرأة بفصل الدين عن الدولة والعمل السياسي؟ هذا ذر للرماد في العيون وتبريرات ممجوجة ومحاولة هروب من الحقيقة. والحقيقة أن تلك المحاضرة لم يكن فيها حديث عن فصل الدين عن الدولة بهذا المفهوم. كان الحديث عن المرأة وحقوقها كما تفهمها هي وتروج لها، والكلام يُفهم من سياقه، ولا مكان للتبرير أو ليّ أعناق الكلام. فالمسألة واضحة وضوح الشمس، هي تحدثت عن “دخول أي دين إلى الحيز العام” ولم تتحدث وحسب عن كون الدولة الإسرائيلية دولة يهودية ذات طابع ديني كما حاولت تبرير ذلك في المقابلة.
والحقيقة أنه لو كانت تلك المقابلة قد أجريت في توقيت غير توقيت الانتخابات لما ترددت عايدة توما في أن تقول: نعم… أنا قلت ذلك.. وهذا موقفي (الذي نعرفه جميعا)، لكنها ضرورات التوقيت. فالحرب على الأصوات حامية الوطيس، وهي غير مستعدة أن تخسر أصواتا تتوقع الحصول عليها. هذه هي المسألة.
وقد حاولت توما أن تقلل من أهمية تلك المسألة باعتبار أن هناك ما هو أهم منها يجب الانشغال به. ولعل شعبنا قد أكد لها أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة أن مسائل الدين واقتحام مسلماته هي أم المسائل. بلى يا عضو الكنيست عايدة توما: هذه نقطة مهمة، بل هي أهم نقطة.. وإذا كانت من نصيحة فالعبي في مكان آخر بعيدا عن هذه المسائل.. وبدل من أن تشغلي نفسك أنت تحديدا بمسائل الدين (الإسلام تحديدا) فانشغلي بنتنياهو وليبرمان ولبيد وساعر ودرعي وبن جفير وشموطرتس وغيرهم…
ثم حاولت عايدة توما في تلك المقابلة أن تمارس التضليل بقولها إنها صوتت ضد قانون منع الأذان وأنها حصّلت ميزانيات لجامع الجزار… ذلك لكي تقنع الجمهور أنها ليست ضد الدين… وهذا في نظري استخفاف بالعقول. فهل كان أحد –مثلا- يتوقع أنها ستصوت لصالح قانون مع الأذان؟ وهل تختلف هي عن أعضاء الكنيست الحريديم الذين صوتوا هم أيضا ضد القانون، في الوقت الذي يدعمون قصف غزة وقتل الفلسطيني أيا كان، ويدعمون المستوطنات وجرائم المستوطنين؟ وما علاقة تحصيل الميزانيات لجامع بالموقف الشخصي من الدين؟ هل إذا حوّل أرييه درعي –مثلا- ميزانيات لجميع مساجد بلادنا يصبح فجأة برنجي؟؟؟

هذا تضليل وخداع مكشوف..
وماذا يعني أنها مع حق أي إنسان في ممارسة شعائره الدينية؟؟ هذه الجملة (التي ربما تجدها في غالبية دساتير دول العالم) أكبر عملية ذر للرماد في العيون، خاصة وأن واقع المسلمين يقدم رواية مختلفة للحكاية…
نتنياهو أيضا يقول نفس الكلام، لكنه يلاحق من يمارسون شعائرهم الدينية ممارسة حقيقية. ومثله سائر الجوقة في الساحة السياسية الإسرائيلية. كلهم يقولون ذات الكلام. بل إن القانون الإسرائيلي ينص على ذلك. فهل هذا يغير من الحقيقة شيئا؟ أين هذا كله من الواقع؟ وهل يغير هذا من حقيقة مواقف عايدة توما من الإسلام ومن الأحوال الشخصية ومن الزواج ومن الطلاق ومن الإنجاب ومن تأجير الأرحام ومن بيع النطف؟
ثم تقول: جمهورنا ليس غبيا فاتركوه يحكم على عايدة. أنا أثق بذكاء أهلنا وناسنا وحسهم ووعيهم الفطري.
وهل قلنا غير ذلك؟ نعم، الجمهور ليس غبيا وسوف يحكم على عايدة وعلى غيرها.
نحن بالضبط نؤمن بأن جمهورنا ليس غبيا، وسيعرف بذكائه ووعيه الفطري كيف يلقن كل من يسيء إليه درسا لن ينساه طوال حياته..
أما الذي يلعب بالنار فليس من يتصدى لمواقف عايدة توما، بل إن الذي يقحم نفسه في شؤون الآخرين وعقيدتهم هو الذي يلعب بالنار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى