أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

معركة الوعي (56): وجوب إسقاط الساقطين!

حامد اغبارية

 

ربما يكون الواحد منا من أكثر الناس سعة صدر واستيعابا للآخر وسعيا إلى تجميع الكلمة وتوحيد الجهود من أجل رفعة مجتمعنا ونهضته في مواجهة الغول الأكبر المعروف باسم المشروع الصهيوني. بل أكثر من ذلك؛ ربما يكون الواحد منّا قد ابتلع الكثير من السكاكين والشفرات عبر السنوات، لا خشية من أحد، ولكن صبرا على الأذى من أجل مستقبل هذا المجتمع.

وعندما أقول ذلك فإنني أقوله عن معرفة ومعلومة، ثم عن قناعة تامة بأن المرحلة التي نحياها تحتاج أكثر ما تحتاج إلى رص الصفّ وتجميع الأقطاب والجمع بين كل المتناقضات التي تميز مجتمعنا لمواجهة الأخطار ولتحقيق أهداف أكبر من المناكفات أو الاختلافات أو الخلافات أو الصراعات التي يمكن لمجتمعنا- بنقائه وفهمه ووعيه وإدراكه- أن يحسمها في المستقبل. ويعلم الجميع أن هذه التجربة قد خرجت إلى حيز التنفيذ، وشهد مجتمعنا ثمارها في سنوات مضت، وأنتجت مشهدا سياسيا متفاهما منسجما- نوعا ما- نجحنا من خلاله في توجيه البوصلة إلى القضايا الكبرى التي نعتقد أنها هي التي يجب أن تشغلنا وتستغرق كل جهودنا وطاقاتنا.

إلا أن الأمر لا يخلو من العثرات ومن المحطات التي لا بد من التوقف فيها والتأمل بمسؤولية، وتصويب ما يجب تصويبه، وفحص الخطوات قبل مواصلة الطريق. وهذا أمر طبيعي في الممارسة البشرية. فالبشر مهما امتلكوا من قدرات ومن فهم ومن أدوات فإنهم لا بدّ في لحظة من أن يعثُروا أو يُستفزّوا من طرف ما أو أطراف معينة أو يخطئوا في التقدير. والعاقل الفطن لا بد أن يتوقف ليلتقط الأنفاس ويعيد تقييم الأمور ويقيس خطواته ليعلم أين أصاب وأين أخطأ، وكيف يمكنه المضيّ في ذلك الطريق دون أن يسيء إلى نفسه أو إلى تاريخه أو إلى قيمه أو إلى ما يؤمن به.

ومما لا شك فيه أن أقطاب مجتمعنا من أحزاب وتيارات سياسية وأطر شعبية وأهلية وغيرها يعرفون هذا جيدا، ويعلمون أن الإسلاميين أوسع الناس صدرا وأكثرهم تحملا وأبعدهم عن النعرات وعن المسائل الشخصية، وأحرصهم على وحدة الكلمة وأكثرهم تجاوزا للإساءات الشخصية أو حتى الإساءات التي لا تمس الدين أو العقيدة. وفي الأرشيف ما يمكنك أن تملأ به مجلدات من هذه المواقف، سواء على مستوى النقاشات في جلسات لجنة المتابعة أو في اللقاءات الثنائية أو في المنصات والمنابر المختلفة.

ولكن عندما تصل الأمور إلى الإساءة لإيمان الناس وعقيدتهم وإفساد المسلّمات التي يجمع عليها الناس انطلاقا من دينهم، فإن الأمور عندها لا يمكن السكوت عليها ولا تجاوزها، وهنا لا يصحّ ابتلاع السكاكين إزاء من يشهر “السكاكين” ليمزق جسد هذا المجتمع وأخلاقه. بل إن الساكت على هذا آثمٌ ويتحمل وزر السكوت، ويمكن اعتبار سكوته مشاركة في الجريمة التي ترتكب في حق مجتمعه ودينه.

لقد عرف الإسلاميون عبر السنين كيف يتعاملون مع القومي والشيوعي والعلماني والمتحرر وسائر أصناف الناس. وكانوا طوال الوقت يأملون في إصلاح الحال وتحقيق الحدّ الأدنى مما يجتمع عليه الجميع، لكنهم أبدا لم يتنازلوا حيث لا يجوز التنازل، ولم يسكتوا حيث لا يجوز السكوت.

وخلال كل تلك السنوات حرص الإسلاميون على حسن الخطاب والتوجه ولين القول في مواقع اللين لتحقيق ما يسعون إليه من أهداف سامية ربما لم يدركها المتسرعون، وربما أدركها كثيرون في وقت متأخر وأدركوا سلامة هذه السياسة ونجاعتها.

وما يزال في جعبة الإسلاميين الكثير الكثير مما يقدمونه عبر هذا الطريق الذي اختطه قادة العمل الإسلامي ومفكروه في بلادنا، دون أن يشعروا بالندم للحظة واحدة، لأن الأهداف الكبرى تحتاج إلى رجال تطاول الجبال، رجال لا يلتفتون إلى الصغائر والهفوات والزلات.

أما عندما تجد خلال هذا الطريق شخصيات ذات تأثير في إطارها السياسي أو الحزبي الذي تنتمي إليه، تبذل كل جهد للتخريب وتسميم الأجواء بأفكار ساقطة تعلم علم اليقين أن المجتمع يرفضها لأنها تسيء إليه وإلى ما يؤمن به، فإن الأمور عندها تكون قد تجاوزت كل حدود وكسرت الجرّة وأهرقت الزيت، أو كما يقول الفلاحون “رفَّشَت في الزرع”..

وهذا بالضبط ما تفعله عضو الكنيست الصهيوني عايدة توما سليمان، التي لم تترك الناس وشأنهم، وغاصت حتى أذنيها في الإساءة إلى عقيدتهم ودينهم من خلال مهاجمتها للحجاب ودعمها للشواذ وسعيها إلى هدم صرح القضاء الشرعي الإسلامي من خلال تشجيع ما يسمى “محكمة العائلة”، والدعوة إلى الزواج المدني، والسماح بتأجير الأرحام والنُّطف، وإلى زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، وزواج الفتاة بغير وليّ، وغير ذلك من الأمور التي تحمل في طياتها حربا مسعورة على الإسلام دون غيره من الشرائع السماوية.

يحدث هذا بينما لا ينطق قادة حزبها (الشيوعي والجبهة) ببنت شَفة، ودون أن يحاولوا لجمها أو على الأقل الاعتذار عن تصريحاتها المسيئة للجمهور الذي يسعون- وهي معهم- إلى الحصول على أصواتهم من أجل الوصول إلى الكنيست. وهم بذلك يكونون شركاء معها في جريمة الإساءة وفي الهجوم على الإسلام وعلى كل ما جاء به. وهذه – بصراحة- ذروة الوقاحة. إذ كيف تسعى إلى كسب أصوات من تسبّهم وتسيء إليهم؟!!

نعم… هذه المرحلة تشهد انفلاتا غير مسبوق من عايدة توما سليمان ومن حزبها، وسكوتا متواطئا من شركائهم في المشتركة.

من أجل ذلك، وباختصار شديد جدا: حان الوقت لتلقين المسيء درسا، وتحجيم المتطاول، وإعادته إلى المكان الذي لم يكُن يُسمَعُ له منه صوتٌ إلا همسا. حان الوقت لإسقاط كل ساقط يسيء إلى ديننا وإلى عقيدتنا وإلى مجتمعنا النظيف، وإسقاط كل من يدعو إلى إشاعة الرذيلة والفحشاء في مجتمعنا من خلال دعم الشواذ ودعم القوانين التي تدعمهم، وإسقاط كل من يسعى إلى تلويث طهارة مجتمعنا بأفكاره المدمرة.

حان الوقت فعلا للتخفيف من الأعباء التي يحملها هذا المجتمع على كاهله (بصبر عجيب) منذ عقود طويلة.

وما ينطبق على عايدة توما وحزبها، ينسحب على كل شخص أو حزب أو تيار، أيًّا كانت عقيدته السياسية والإيدولوجية.

ولأن انتخابات الكنيست هي وسيلة هؤلاء الوحيدة لتصدّر المشهد ورفع رؤوسهم وأصواتهم النشاز فإن مقاطعة الانتخابات أصبحت من أوجب الواجبات.

فإن حدث وبقي هؤلاء في المشهد بعد هذه الانتخابات، عندها لا تخلو الجعبة من وسائل لوضعهم في حجمهم الطبيعي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى