أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي(55): لماذا مقاطعة انتخابات الكنيست؟ (2)

حامد اغبارية
لم تأت فكرة هجمة نتنياهو وحزب الليكود على مجتمع الداخل الفلسطيني مجرد خاطرة طرأت له فجأة فقرر النزول إلى “الميدان”. فنتنياهو عنده مستشارون وكادر طويل عريض من المختصين في شؤون الانتخابات، وهو أكثر شخصية يملك أدوات الاختراق كونه رئيس حكومة وليس كونه عبقري العصر وفلتة زمانه. ولذلك فإن من يظن أن هذه الهجمة الليكودية على مجتمعنا هي طارئة فهو مخطئ. إنما هي جزء من مخطط ليس له هدف إلا الحصول على أكبر عدد من الأصوات، بعد أن توهم نتنياهو أن الأضاليل التي يعمل على بثها فيما يتعلق بتحقيق إنجازات للمجتمع الفلسطيني في الداخل ستنطلي على الناس.
إن الذي يريد أن يتعرف على حقيقة نتنياهو وطريقة تفكيره واستراتيجياته بعيدة المدى فإن العنوان الوحيد للوصول إلى حقيقة الرجل ليست في مقابلاته التلفزيونية وتصريحاته ووعوده العرقوبية بخصوص مجتمعنا في الداخل. لكي تعرف الرجل على حقيقته عليك أن تقرأ كتابه “مكان تحت الشمس”. هناك فقط ستجد نتنياهو الحقيقي. وستكتشف بسهولة كم يكره الفلسطيني والعربي والمسلم، وكم هو حجم الزيف في كل ما يقوله اليوم في الإعلام بخصوص تحقيق المساواة وتخصيص الميزانيات ومعالجة ملف العنف وملف المسكن وغيرها من الملفات الملتهبة.
ربما صدق نتنياهو عندما قال في مقابلته أول من أمس على قناة “هلا” التي يملكها بسام جابر، إن في إمكانه حل مشاكل المجتمع العربي. الحقيقة أنه ليس فقط نتنياهو في إمكانه حل مشاكل المجتمع العربي، بل جميع الذين سبقوه كان في إمكانهم فعل ذلك. المشكلة لا تكمن في القدرة وإنما في الإرادة. فهل يريد نتنياهو أن يحل مشاكل المجتمع الفلسطيني في الداخل؟ لو كان صادقا لفعلها قبل ذلك وهو الذي يشغل منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية كأطول فترة يشغلها رئيس حكومة. باختصار، الجواب: لا…! نتنياهو يستطيع، لكنه – كالذين سبقوه- لا يريد، لأن هذا يتناقض تناقضا تاما مع أسس المشروع الصهيوني ومع سياسات المؤسسة الإسرائيلية القائمة على أخذ كل شيء وعدم إعطاء أي شيء إلا ما يضمن إبقاء العربي الفلسطيني على قيد الحياة.
لذلك ومن آخر السطر: لا تصدقوا نتنياهو. إنه يسعى إلى حصد الأصوات، ولكن الأهم أنه يسعى وراء ذلك إلى ملء البلدات العربية بمراكز الشرطة حتى يتسنى له السيطرة أكثر وأكثر. ومخطئ من يظن أو يمكن أن يخطر في باله أن وجود مركز شرطة في بلده سينهي وباء العنف وسفك الدماء. بل إن ما يحدث هو العكس، ففي البلدات التي افتتحت فيها مراكز شرطة في السنوات الأخيرة سجّلت أعلى نسبة من حوادث العنف وجرائم القتل تحت أعين الشرطة وأنفها.
إن هذا الرجل الذي يبتسم لكم اليوم ويضحك في وجوهكم ويشبعكم كلاما لطيفا مغلفا بالعواطف الجياشة، ويحاول خداعكم بأنه وضع خطة لمواجهة العنف وسفك الدماء هو نفس الرجل الذي سفك دماء أهلكم في غزة في حربين متتابعتين عامي 2012 و2014، ودك البيوت فوق رؤوس أصحابها فحوّلهم إلى أشلاء وحوّل البيوت إلى ركام.
وإن هذا الرجل الذي يضحك على السُذَّج وهو يقول إنه حوّل ميزانيات بالمليارات يعلم أن هذا حق للمواطن وليس منّة ولا عجيبة من العجائب يريد مقابلها أصواتا وولاءً. وهو يعلم أن ما حوّله حتى الآن لا يساوي 10% مما يستحق للسلطات المحلية. وتذكّروا أن هذا الرجل الذي يتفاخر بتحويل الميزانيات هو نفسه الذي يسرق أموال إخوانكم العمال في الضفة الغريبة، ويسرق أراضيهم ويعطيها للمستوطنين، وهو الذي يضرب حصار التجويع والموت البطيء على إخوانكم في غزة. إن الرجل باختصار يمارس الدجل، لكنه دجل من النوع الرخيص المكشوف الذي لا ينطلي على طفل فلسطيني صغير يسير حافي القدمين في وديان النقب.
وإن هذا الرجل الذي يفاخر بأنه حقق أربع اتفاقيات سلام مع قادة عرب وكأنه جلب لنا الجنّة، لا يعلم أن أصغر طفلة في مجتمعنا تعلم أن هذه الاتفاقيات هي التي ستجلب كل المصائب على مجتمعنا وعلى شعبنا وعلى أمتنا، وأنها ليس سوى وسيلة لزرع الفتنة والفرقة والتخريب وزرع عملاء المخابرات في كل بقعة تصل إليها أيديهم، سعيا إلى تحقيق الأهداف الكبرى للمشروع الصهيوني.
نعم… ربما كان نتنياهو أيضا صادقا عندما قال إن خمسة عشر عضو كنيست من المشتركة لم يفعلوا شيئا للمجتمع الفلسطيني في الداخل. هذه حقيقة نعرفها، ولا ننتظر أن نسمعها من شخص مثل نتنياهو. وهو طبعا يعلم لماذا. إنه يعلم ان الكنيست بالنسبة للعربي مجرد منبر للزعيق والاحتجاج. وأن أعضاء الكنيست العرب ليسوا سوى أداة من أدوات تجميل الوجه القبيح لسياسات المؤسسة الإسرائيلية. وقد استخدمهم نتنياهو لهذا الغرض عندما كان يخاطب الغرب. إن نتنياهو قال ذلك لا لكي يطلعنا على حقيقة أعضاء الكنيست العرب التي نعرفها، وإنما ليقول إنه هو فقط الذي يستطيع، ولذلك عليكم منحه أصواتكم حتى يتمكن من تحقيق وعوده.
فما علاقة منح الأصوات بتقديم الخدمات التي هي في الأصل حق لكل مواطن دون منّة من أحد؟؟؟ هذا نوع من الدجل الرخيص.
نتنياهو مثلا لم يقل هذا الكلام للشرائح “الضعيفة” في المجتمع اليهودي! لم يقل لهم أعطوني أصواتكم وأنا أعطيكم ميزانيات وسأعالج كل مشاكلكم.
إن نتنياهو يريد أن يجر الشبان والشابات إلى مستنقع الخدمة في سلك الشرطة، وبذلك يحقق هدفين: زرع مزيد من الكراهية والصدام بين أبناء الشعب الواحد، واختراق مجتمعنا بزرع المزيد من مراكز الشرطة. ولذلك سمعناه وهو يجيب على سؤال حول العنف والجريمة في مجتمعنا بقوله إنه أقام 9 محطات شرطة في البلدات العربية… وإنه يجند رجال ونساء شرطة من المجتمع العرب ليكونوا مثالا للشباب…! هذا هو النموذج الذي يريده نتنياهو لأبنائنا وبناتنا… فهل هذا هو النموذج الذي نريده نحن؟؟؟
ومنذ متى أصبح زرع بؤر الشرطة هو الحل؟
هذا هو الخداع بعينه. فمجتمعنا الذي كان قبل بضع سنوات خاليا تقريبا من مراكز الشرطة (إلا من بعض المراكز القديمة في المدن الكبرى) لم يكن يعاني من وباء العنف. فكيف تفاقم الوضع حتى وصلنا إلى هذا المستوى المرعب بوجود مراكز الشرطة التي يتباهى بها نتنياهو؟!
ولاحظوا أن نتنياهو يتفاخر بأمور قال إن الذين سبقوه في الحكومات السابقة لم يحققوها. ماذا يجب أن يعني لنا هذا؟ إنه يعني شيئا واحدا: اعتراف من نتنياهو أن كل الحكومات كذبت علينا وخدعتنا وأطعمتنا جوزا فارغا. فإذا كان جميع الذين سبقوه (من بن غوريون إلى شارون) قد أشبعونا ذات الدجل الذي يتحدث به نتنياهو إلينا اليوم فهذا يعني أنه أيضا يخدعنا ويكذب علينا ويمارس علينا الدجل. فهو مثل الذين سبقوه يطبق ذات الاستراتيجية التي نقشتها المؤسسة الإسرائيلية على رايتها فيما يتعلق بالتعامل معنا: لم نتمكن من التخلص منهم من خلال تهجيرهم، فلنعمل على أن يبقوا ضعفاء مشتتين معوَزين، نأخذ منهم كل شيء ولا نعطيهم إلا من يضمن لهم البقاء على قيد الحياة.
هذا هو الحال مع نتنياهو، وهو ذات الحال مع الأحزاب العربية التي تخوض انتخابات الكنيست. الفرق الوحيد بينهما أن الأول يملك ولا يريد أن يعطي، والثاني لا يملك شيئا لذلك لن يستطيع أن يعطي.
من أجل ذلك ليس أمامنا إلا أنفسنا وإرادتنا وقرارنا الحر بمقاطعة لعبة الكنيست التي استغرقت منّا طاقات هائلة ولم نحقق من ورائها إلا السراب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى