أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وجوب وحدة الأمة الإسلامية (12): دراسة موضوعية

د. محمود مصالحة
عالجت هذه الدراسة المعنونة بـ “وجوب وحدة الأمة الإسلامية، دراسة موضوعية”، كقضية أصولية إسلامية، ومطلب شرعي لكل مسلم ينتمي لأمته عقيدة، وعبادة، وتربية، وفكرًا، رافضا كل أشكال الفرقة والشتات والتبعية، التي ما جلبت على الأمة إلا الضعف والذل والخسارة، ولا سبيل للخروج مما آلت إليه الأمة من مآزق ومآسي متراكمة إلا برصّ جموع المجتمعات والشعوب الإسلامية في وحدة إسلامية متكاملة الأركان، تجتمع على العوامل التي أوجبها الله تعالى على الأمة؛ لذلك فإن الأطروحة قد تناولت بداية مفهوم الوجوب، والوحدة، والأمة لما لها من أهمية في توضيح مفهومها اللغوي، وما يترتب عليها من المنظور الشرعي من أحكام، ثم تم تناول العديد من العوامل الموجبة لوحدة الأمة وأكثرها في النطاق العملي والواقعي الذي يمارس في حياة المسلمين، من اتخاذ القرآن الكريم منهجا ودستورا، وما اشتمل عليه من العوامل الموجبة للوحدة الإسلامية، وذلك بحب الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، بالعقيدة، والعبادات المفروضة، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والتربية على فضائل الأعمال والقيم، والفكر الإسلامي، والولاء لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين، وتناول الباحث بعد ذلك نظام الحكم في الإسلام الذي هو من أهم عوامل وحدة الأمة، فهو بمثابة الإطار الرقابي والتنفيذي الضابط لكل ما جاء به الإسلام من الشرائع والأحكام، والمنظم لحياة الناس أفرادا ومجتمعات، والضامن لأمنهم وأمانهم، والحارس على أنظمة الدولة الإسلامية وحدودها، وبينت الأطروحة أن هنالك العديد من المعيقات التي ما زالت تعمل على ترسيخ مفاهيمها الفكرية الرافضة لمفهوم وحدة الأمة الإسلامية، فلا خيار للمسلمين إلا بلزوم عوامل وحدة الأمة، وسبيل الوحدة يستدعي التخلص من كل أشكال المعيقات التي كرست حالة الفرقة في الأمة والتبعية لغيرها، بالوقوف في وجه مشروعها الوحدوي، ومن المعيقات لهذه الوحدة حملة الفكر الليبرالي، والاشتراكي، والقومي، الذين جعلوا من أنظمتهم بدائل لنظام وحدة الأمة الإسلامي، فأخذوا يرمونها عن قوس واحدة، وكذلك ما تحصده من الضعف والتخلف والهزائم والتبعية جراء تفرق كلمتها، وتجزئة أقطارها، وتناول الباحث كذلك المبشرات المستقبلية في الكتاب والسنَّة المطهرة، وأخيرا انتهت الدراسة برصد نتائج الدراسة، ومناقشتها، ووضع التوصيات التي تمخضت عنها الدراسة. هذه الدراسة أجابت على الأسئلة الآتية:
1. ما هي المفاهيم المتعلقة بوحدة الأمة الإسلامية؟
2. ما هي عوامل وحدة الأمة الإسلامية؟
3. ما هي الآثار المترتبة على وحدة الأمة الإسلامية؟
4. ما هي المعيقات التي تقف أمام وحدة الأمة الإسلامية؟
5. كيفية مواجهة هذه المعيقات؟
6. ما هي المبشرات لوحدة الأمة الإسلامية؟ ولكن تمت الإجابة على السؤال الرابع في مقالات سابقة، وفي هذا المقال أجبنا بإذن الله على السؤال الأول:
مفهوم الوجوب
1. لغةً: “الأصل الثلاثي لكلمة الوُجُوب: مصدر وجَبَ.
وُجُوبُ العَمَلِ: ضَرُورَتُهُ، لُزُومُهُ، ثُبُوتُهُ. الوُجُوبُ: ضرورةُ اقتضاءِ الذاتِ عينِها وتحقُقها في الخارج. والواجب، مشتق من: وجب وجوبا، والوجوب في اللغة: اللزوم، والاستحقاق، قال الجوهري: وجب الشيء، أي: لزم”.
“واجب فلان مواجبة: ألزمه.
2. اصطلاحا: فالواجب: “ما تعلق العقاب بتركه، كالصلوات الخمس، والزكوات، ورد الودائع”… وهو مرادف للفرض على الأصح، وهو قول الشافعي. وعند الحنفية الفرض: “ما ثبت وجوبه بالدليل المقطوع به، كالصلوات الخمس، والزكوات المفروضة. والواجب: المظنون، إذ الوجوب لغة: السقوط، والفرض: التأثير وهو أخص، فوجب اختصاصه بقوة حكما، كما اختص لغة والنزاع لفظي، إذ لا نزاع في انقسام الواجب إلى ظني وقطعي.
قوله: “فالواجب، قيل: ما عوقب تاركه. لما انتهى الكلام في تعريف الحكم، فالواجب: هو ما اقتضى الشرع فعله اقتضاء جازما”.
وهكذا فإن الواجب اصطلاحا هو ما طلب الشارع فعله على وجه الإلزام، بحيث يذم ويعاقب تاركه، ويمدح ويثاب فاعله، والواجب هو الفرض عند الجمهور.
أما عند الحنفية فالواجب ما كان دليله ظنيا لا قطعيا، كحديث الآحاد. والفرض عندهم ما كان دليله قطعيا لا ظنيا كنصوص القرآن في لزوم الصلاة على المكلف. والواجب والفرض عند السادة الحنفية تعني لزوم الفعل.
وقد أجمع علماء الأصول على أن الأمر يفيد الوجوب إن لم تصرفه صارفة، كالأمر بإقامة الصلاة وأداء الزكاة وصوم رمضان، فعلى المكلف وهو المسلم البالغ العاقل لزوم هذه الأوامر التكليفية التي أُمر بها، فإن فعلها فلا يثاب على فعلها فحسب بل يعزز وحد الأمة، ويعاقب على تركها، ويضعف وحدتها.
وأما الفرض عند الحنفية الذي خالفوا به الجمهور، فاعتبروه أشد لزوما من الواجب لما يحمله من الدليل القرآني القطعي، ولكن النتيجة لم تختلف كثيرا.
مفهوم الوحدة: وجوب الوحدة:
ثمة أدلة على وجوب وحدة الأمة الإسلامية منها:
قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ سورة آل عمران، آية 103، “يعني تمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به جميعا، وعهده الذي عَهده إليكم في كتابه، وهو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله.
إذن الاعتصام: هو تمسك الأمة جميعها بحبل الله، وهو القرآن الكريم الذي فيه عهد الله- تعالى- وأصول دينه تعالى، وهذا أمرٌ أُمرت به الأمة جميعها، وليس كل مسلم بمفرده، وفعل الأمر “وَاعْتَصِمُوا” يفيد الوجوب، والواو فاعل يعود على الأمة، ثم جاء الأمر الثاني بالنهي عن التفرق ليؤكد الأمر الأول بوجوب الوحدة، وفي الآية الاستئنافية الأمر الثالث، في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ سورة آل عمران، آية 104، وفعل “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ” أمر ثالث بوجوب وجود الجماعة، وحرف “مِنْ” يفيد التبعيض ويشير إلى تلك جماعة، وضمير الجمع “كُمْ” “الكاف” للخطاب، و”الميم” للجمع أي: هذا الخطاب موجه لكل الأمة، التي تنبثق عنها تلك الجماعة التي تكلفت بالقيام بأمر الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهو واجب على الكفاية نيابة عن الأمة، ثم يأتي الوعيد في سياق الآية الآتية في قوله تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ سورة آل عمران، آية 105، وإنه التهديد بإيقاع العقوبة على الأمة كنتيجة حتمية للفُرقة إن وقعت بعد الأمر بالنهي عنها.
الوحدة لغة: هي”الانفراد، والواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له”. وحكى سيبويه: “الوحدة في معنى التوحد. وتوحد برأيه: تفرد به ودخل القوم موحدا موحدا”. (وَحَد): “وأصلُ واحد يدل على الانفراد. من ذلك الوَحْدَة. ولقيت القَومَ مَوحَدَ”.
الوحدة اصطلاحا:
فالوحدة: في الحقيقة هي الشيء الذي لا يتجزأ، والعشرة واحد والمئة واحد: أي مجموعة واحدة، وبذلك يمكن القول: إن الوحدة هي الترابطات المتعددة، التي تجعل الأفراد والأشياء كمجموعة في وحدةٍ واحدة غير قابلة للانفصام، تقوم أساسًا على دعائم أساسية فيما بينها، على سبيل المثال: فلنأخذ وحدة الأفراد الذين تجمعهم روابط عقيدة، وعبادة، ورابطة فكر ورابطة لغة، وهي لغة القرآن الكريم وهي جزء لا يتجزأ من العقيدة. فهذه الروابط حتما ستجمعهم في إطار واحد في مصلحة مشتركة واحدة يتفقون عليها سواء أكانت دنيوية أم أخروية، وهذا الإطار يدعى الوحدة ومن الأدلة على ذلك قول تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ سورة التوبة، آية 71.
مفهوم الأمة:
أ) الأمة: “كل جماعة يجمعهم أمر ما، أو دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد سواء ذلك الأمر تسخيرا أو اختيارا، وجمعها أمم، وأمة واحدة: أي صنف واحد”.
ب) “الأُمّة بالضم: هي الرجل المتفرد بدين جامع للخير، والإمام، وجماعة أُرسل إليهم رسول، والقوم والخلق… قال ابن القطاع: الأمة الملك، والأمة أتباع الأنبياء ويقال للأمّ: الأمّة …”.
إذن فـالأمّة: هي جماعة تعتنق معتقدًا أو فكرا كالمنظومة السياسيّة؛ لذا كانت فكرة الأمّة هي القوم والأقوام الذين تجمعهم روابط وانتماء إلى أصل واحد، أو عرق واحد، أو دين واحد، أو فكر واحد، أو لغة واحدة.
وقد ورد معنى الأمة في القرآن الكريم على تسعة معان، نذكر منها ما يلي:
1.إمام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً) 120 النحل 16، يعني إماماً يقتدى به في الخير.
2. أمة محمد ﷺ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) 143 البقرة، يعني أمة عدلا بين الناس، يعني المسلمين خاصة.
3. الأمم الخالية: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُول)47 يونس ، يعني الأمم الخالية.
4. الخلق: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ. …إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)38 الأنعام، يعني خلقا.
5. عصبة: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً)128 البقرة، يعني عُصبة.
من كل ما سبق يستنتج الباحث أن الأمة هي: الجماعة المخاطبة بالشرائع والأحكام المنوط بها تحقيق الوحدة في إطار الشريعة كما ورد في المعنى الثاني، من الجدول السابق.
مفهوم الأمة اصطلاحا:
الأمة هي: الجماعة المؤلفة من أفرادٍ لهم رابطة تضمهم، ووحدة يكونون بها كالأعضاء في بنية الشخص؛ سواء أكانت كبيرة أو صغيرة، ويختلف هذا الرابط باختلاف مفهوم الأمة، فأمة الإسلام تربطها عقيدة الإسلام.
وهكذا تم تأصيل مصطلحات الوجوب، والوحدة، والأمة، فوحدة الأمة واجبة وملزمة على الفرد والجماعة والأمة بأسرها، وتحرم الدعوة لفرقتها على شكل فرق وأحزاب، لقوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” سورة الانعام:159.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى