أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

قرار ترامب  واستثمار الفرص الضائعة ..

صالح لطفي .. باحث ومحلل سياسي

اخيرا بقت واشنطن الحصوة التي طالما جالت في بطنها واعلن رئيسها رونالد ترامب عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وامره بنقل السفارة الامريكية اليها ، ضاربا بعرض الحائط القرارات الاممية التي كانت سببا في قيام اسرائيل والقرارات الدولية التي  رفضت الاعتراف بالقدس “الغربية” عاصمة لإسرائيل .ومؤكدا  هذا القرار كم هي ضعيفة اسرائيل بدون امريكا وكم هي حاجة اسرائيل لراع يرعاها ،  وكم هي بحاجة الى اعتراف من دولة كالولايات المتحدة تقود العالم الحر بأن القدس عاصمتها وإن زعموا ان القدس عاصمتهم التوراتية والدينية والتاريخية فهم بحاجة الى رديف سياسي ودبلوماسي قوي يقف أمام كل رافض لهذا القرار ولقد رأينا نبرات ترامب المحملة بالوصاية والتهديد لكل من يرفض هذا القرار “التاريخي” .. تماما كما كشف قراره حجم تغلغل اللوبي الصهيوني في مفاصل الحياة السياسية الامريكية ونجاحهم في تجير تلكم القوة لصالح دولتهم التي يكنون اليها كامل الولاء وإن حملوا الجنسية الامريكية ، وهو من ثم درس فهم تغلغل اللوبي الصهيوني داخل مصادر صنع القرار وصبرهم الطويل ليقطفوا ثمرة صبرهم فقد اتخذ القرار عام 1995 وها هو يخرج -حتى هذه اللحظات وبناء على تصريح وخطاب ترامب هذه الليلة – حيز التنفيذ.

ما كان ترامب ليقرر هذا القرار لولا ادراكه لعمق الخلاف العربي العربي وتشتت الامة الاسلامية والعربية وانبطاح كثير من زعمائها امامه طمعا بحمايته وبقائهم على الكراسي .

اليوم تعتبر القيادة الاسرائيلية هذا القرار تاريخي واجمل هدية تقدم لإسرائيل في ميلادها السبعين كما قال رئيس الدولة ريفلين، ومرور خمسة عقود على توحيدها.

هذا القرار كشف عن حقيقة ووجه واشنطن الديني الذي يؤمن بان القدس موحدة تحت السيادة الاسرائيلية وبالتالي فإنَّ الاماكن المقدسة المسيحية والاسلامية ستخضع كذلك لهذه السيادة فضلا عن ان القدس ” الكبرى ” التي توسعت على حساب الاراضي الفلسطينية سيتم الاعتراف بها وبكل مستوطناتها وبكل مبانيها ، ويعني انه يمنح اسرائيل كافة الصلاحيات لبسط سيطرتها بغض النظر عن الادوات والوسائل.

هذا القرار في جوهره إتمام لوعد بلفور المشؤوم الذي اعطى من لا يملك لمن لا يستحق وفي هذا الحقيقة الراهنة نكون كعرب وكفلسطينيين وكمسلمين أمام إغلاق دائرة ما زالت مفتوحة مع الغرب الذي وقف وراء قيام اسرائيل ومدها بكل الوسائل كان اخرها هذا القرار الذي تحدى به ترامب الامتين العربية والاسلامي والامة المسيحية الكاثوليكية.

هذا القرار وإن في حقيقته لا يغير من الحقيقة الدينية والتاريخية للمدينة بل يؤكد ان المدينة اليوم حالها كيوم كانت تحت الاحتلال الصليبي ,وفي هذا السياق يجب ان لا يغيب عنا ان القدس مدينة محتلة ولا يعني القرار الامريكي تغيير هذه الحقيقة بقدر ما أنه احرج العالم اجمع خاصة ما يسمى الاسرة الدولية سواء الامم المتحدة او مجلس الامن او الهيئات المنبثقة عنها الى جانب استهتار واشنطن بالدول الكبرى التي تشكل معها القيادة العالمية للعالم . ولذلك فهذا القرار في جوهره العملي ينهي حقبة الامم المتحدة  ومجلس امنها وعلى العرب والمسلمين استثمار هذه اللحظة التاريخية لتغيير هذا النظام العالمي لصالح الدول المستضعفة في العالم خاصة الدول العربية والاسلامية والافريقية وامريكا اللاتينية.

كشف هذا القرار عن عقم المتاهة التي عاشها شعبنا الفلسطيني منذ عام 1993  وتم إلهائه بها المسماة باتفاقية السلام ومساعي السلام مع الفلسطينيين والعرب التي آلت في نهاية المطاف لتفكيك الضفة الغربية وعزل غزة وحصار القدس ونهبها ببطيء شديد واستحالة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومن ثم فقد جاء القرار لينهي حلم الدولة الفلسطينية التي كان البع يطمع ان تكون القدس الشرقية عاصمتها.

اعتقد جازما ان ترامب لو اقتنع بأن العرب والمسلمين يمكنوا أن يؤثروا على  قراره ما كان ليتخذه ولكن اتخاذ القرار جاء في سياق ما تمر به الامة العربية والاسلامية من ترهل ، ولو كان يعلم ترامب ان قراره هذا سيدفع العرب والمسلمين لطرد سفراء بلده وتهديد مصالحها السياسية والاقتصادية ما اتخذ مثل هذه الخطوة بل ولو علم  على الاقل ان السعودية ستوقف شراء الاسلحة وضخ الاموال الى شرايين اقتصاد بلاده  ما تجرأ على مثل هذه الخطوة ، ولو أني اشك انه ما اتخذ القرار الا بعد ان استمع الى قيادات عربية تنكرت للقدس والاقصى وكنيسة القيامة.

اليوم العرب والفلسطينيون والمسلمون امام فرصة تاريخية لاستعادة دورهم التاريخي الذي أضاعوه من خلال تفعيل صادق لمنظماتهم الخاصة كمنظمة التعاون وجامعة الدول العربية والاعلان الواضح والصريح برفضهم هذه الهيمنة والبلطجة الامريكية ولملمة شعثهم وشتاتهم الذي لا يستفيد منه الا  كل معاد لهذه الامة.

الامة اليوم امام فرصتها التاريخية لإعادة صياغة واقعها  المهلهل والمترهل اذ القدس كانت وستبقى الموحدة للامة العربية والاسلامية والمتجاوزة للصراعات المذهبية والطائفية والعرقية لأنها عنوان وحدة هذه الامة . هكذا كانت يوم اجتمعت كلمة المسلمين من كل حدب وصوب فأنهوا في بضع سنين الكيان الصليبي والكيانات المتواطئة والتاريخ وإن لم يعد نفسه الا ان دورته تعود دائما ولكن بشكل مختلف واكثر تعقيد .. وها هي الفرصة قد أتت لتحقيق وحدة عربية إسلامية تنهي هذه الهيمنة والى الابد وتعيد بناء منظومات دولية واقليمية تحق الحقوق وتعيدها الى اهلها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى