أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المسجد الأقصى في العقلية الصـــهيونية ومسائل الفرص التاريخية (22)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
في عام 2012 نشر موقع واللا الاخباري، تقريرا مصورًا مفاده أنه قد تمَّ بناء معبد لليهود “الهيكل الثالث”، وفقا للمعطيات التوراتية والتلمودية ووفقا لما نصّت عليه التكييفات الفقهية الشرعية المستقاة من أحبار اليهود وعلمائهم، وقد ضم هذا الهيكل المذبح والغرفة المقدسة والمكان المقدس، المسمى بقدس الاقداس، وكل ما له علاقة بالهيكل وفقا للروايات الدينية المعتمدة عندهم، وهذا البناء تم في صحراء سهارى المغاربية قريبا من مدينة الافلام المشهورة “ورزازات”، وقد توجّه العديد من أتباع مدرسة بارسليف الحريدية الى ذلك المعبد للبركة والتعبد، خاصة وأنه بني على مقربة من حاخامات مدفونين هناك.
هذا الهيكل كان قد بني لأغراض فيلم صوّر في تلكم السنوات، ويلفت نظر القارئ للخبر أنه ما زال مزارا لمن يطلب السياحة الدينية اليهودية في بلاد المغرب. هذا البناء بُني تحت إشراف حاخامات يهود، والبناء كله من الاسبست والجص، ولكنه شكّل بالنسبة لهؤلاء الحاخامات أنموذجا عمليا للبناء تمت في مقاربات للمعادلات الحسابية المتعلقة بمساحاته والتي يعتورها خلافات بين عديد النصوص ذات الصلة بمساحاته، ليشكّل هذا البناء مقاربة جغرافية لبنائه مستقبلا على أرض المسجد الاقصى المبارك.
التيارات الدينية اليهودية ومن خلفها الحركة الصهيونية والمؤسسة الإسرائيلية، انتهزت الفرصة للقيام بأول عملية تجريبية لهيكلها الثالث على أرض إسلامية، بعيدة عن الأعين وبعلم السلطات المغربية ومباركتها وموافقتها كما يشير التقرير. هذا العمل اعتبره أنموذجا متقدما في كيفية إدارة الحركة الصهيونية والتيارات الدينية المعنية بالصراع على القدس والمسجد الأقصى، مستغلة نفوذها في ذلك البلد لتحقيق أول مجسم عملي كالذي يودون بناءه مستقبلا، على عكس النماذج المصغرة جدا التي تعرضها التيارات الدينية ذات الصلة بموضوع الهيكل، إمّا عبر أفلام اليوتيوب أو مجسّمات مصغّرة موجودة تحت المسجد الأقصى، حيث يزورها اليهود من كل مكان لرؤيتها.
مع إعادة العلاقات المغربية الاسرائيلية وإقلاع أول طائرة إسرائيلية من مطار اللد الى الدار البيضاء برفقة عدد كبير من المسؤولين الامريكيين والإسرائيليين، فنحن أمام مشهد تال سيتم فيه الانتقال من التجريبي الى العملياتي.

القدس العربي تستذكر الملك الحسن الثاني…
ليس عبثا أن تقوم صحيفة القدس العربي في الثالث عشر من الشهر الجاري، بعرض مقال للصحفي بسام البدارين يستذكر فيه حوارات قديمة دارت بين الملك الاردني الراحل الحسين بن طلال والملك المغربي الراحل الحسن الثاني حول المسجد الاقصى المبارك، ووفقا لهذه المقالة باعتبار الحسن الثاني رئيس لجنة القدس المنبثقة عن رابطة العالم الاسلامي- اسمها اليوم منظمة التعاون الاسلامي- وجامعة الدول العربية، وباعتبار أن الجامعة قسّمت ميراث الاقصى بين وصاية أردنية ومسؤولية مغاربية عبر لجنة القدس، فالحديث بين الدولتين يتم أحيانا بشأن القدس والاقصى، وفقا لإيقاعات المشهد الفلسطيني والصراع مع الاحتلال الاسرائيلي المتعلق بالأقصى والقدس وكذلك الاقليمي والدولي، ووفقا للمقالة فقد أبلغ الملك الحسن السادس، الأردن أكثر من مرة استعداد بلاده لـ “المساعدة في رعاية القدس” إذا كانت هذه المساعدة ستخفف الضغط عن الأردن، بل “وأبدى الملك المغربي استعداده تخصيص ميزانية مالية لحراسة المسجد الاقصى والاوقاف الاسلامية في القدس، بل وأبدى استعداده لإرسال فرقة عسكرية مغربية بالترتيب مع الدول العظمى في حماية المواقع المقدسة في المدينة المحتلة”.
في هذا السياق، ثمة أسئلة واستفسارات تحتاج إلى أجوبة، خاصة إذا علمنا أن كلا من الاردن والبحرين والامارات، تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وأقامت قنصليات هناك، ولكن تزامن الاعتراف الامريكي الترامبي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مقابل إعادة العلاقات مع المغرب التي توقفت بعد انتفاضة عام 2000 تحمل معها أكثر من سؤال يتعلق بما ذكرت سابقا، ويتعلق بالقدس والاقصى، رغم التطمينات التي تلقّاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس من العاهل المغربي، حول الموقف المغربي التاريخي من القضية الفلسطينية والقدس والاقصى، ذلكم أن عملية الربط بين معاهدة ابراهام وإعادة العلاقات المغاربية في هذا التوقيت، مع اللحظات الاخيرة لوجود ترامب في البيت الأبيض، تحمل معان ودلالات كبيرة تتجاوز السياسية بمفهومها الدولي، أي العلاقات الدولية، إلى ما هو إستراتيجي، وإلى ما هو مرتبط بالشخصيات العربية التي تدير المشهد الراهن، وعلاقاتها بالحركة الصهيونية، وما ينبثق عنها ولذلك يصبح السؤال حول هل ثمة طبخة تطبخ من أجل المسجد الاقصى بشراكات الدول التي ذكرت، لتنفيذ نصوص اتفاقيات ابراهام، التي تنص على جعل المسجد الاقصى قبلة للأديان الثلاثة، أمرًا مشروعًا، بل ويمكننا أن نبعد النجعة في التحليل للإشارة إلى أن هذه المرحلة الحساسة من تاريخ القضية والقدس والاقصى، تتطلب إدخال لاعبين جدد من مثال: المغرب راهنا، والسعودية مستقبلا، وربما الجزائر في قادم الأيام، باعتبار ثقل هذه الدول السياسي والاخلاقي. وسؤال إبعاد الأردن عن المشهد أو دفعه للقبول بما ينسج للقدس والاقصى، يبقى مفتوحا، وهو ممّا يتطلب دورا مغربيا وإماراتيا يكشف بعضا من تماثلات الانظمة العربية مع السياسات الامريكية الراهنة الداعية لجعل المسجد للجميع تمهيدا لشرعنة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى، ليس من طرف الولايات المتحدة بل من طرف الراعي المغاربي وبشهادة الامارات وأخيرا ليدخل إلى المشهد حامي الحرمين، خاصة بعد انطلاقة قاطرة المعاهدة الابراهيمية.

سياسات فرق تسد
بات واضحا أنّ الاحتلال يستغل هذه المعاهدة لإحداث شرخ بين الاردن والمغرب من جهة، ومستقبلا بين الاردن ودول الخليج والسعودية من جهة أخرى، وهو ما سيضع مستقبلا الاردن في مأزق سياسي ومصيري، سيكون فيه اتجاه المسجد الاقصى بين صعوبات ثلاث: الاعتراف بالتحولات والسياسات الجديدة التي تعتمد الانقاص من دورها في القدس والاقصى خاصة مع بروز تيار نخبوي أردني متواطئ غربيا يتحدث بصوت عال، في ظل ما يتمتع به من حماية أجنبية، عن ضرورة تنازل وتخلي المملكة عن عبء القدس والاقصى، وارهاقاه للأردن، وهو صوت وإن لم تعر له السلطات الاردنية والقصر اهتماما راهنا، إلا أن مجريات الأمور في الأردن لا تبشر بخير كثير، وبين الضغط الذي سيتراكم عليها داخليا وفلسطينيا، بسبب هذه السياسات المفروضة عليها، ممّا سيضعها بين كماشة النخب التي ذكرت، والمدعومة عربيا ودوليا وصهيونيا، وبين الحالة الوطنية الاردنية- الفلسطينية التي ترى أن الاردن كوجود مرتبط بملف القدس والاقصى، وبين عمليات ابتزاز منظمة تمارسها هذه الدول، بالإضافة إلى الاحتلال والولايات المتحدة، بسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المملكة منذ سنوات طويلة ستدفعها في نهاية المطاف للقبول بفتات يُعرض لها وتتنازل عن دورها التاريخي، لمصلحة الوافدين الجدد المتصهينين، وهذه السياسات إذ تعتمد سياسة فرق تسد البريطانية فإنّ كافة المعطيات الإقليمية والمحلية، أردنيا وفلسطينيا واسرائيليا، تجعلها قابلة للتطبيق.
لن يتأخر الاحتلال عن استغلال العلاقات المنسوجة مع المغرب، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانجازات في ملف القدس والمسجد الأقصى، خاصة وأننا أمام مقاربات جديدة يمكننا تلمسها من خطاب العرش الاردني في مجلس النواب مؤخرًا، والذي تناول بإسهاب موقف الاردن التاريخي من القدس والمسجد الاقصى والوصاية الأردنية، وهو ما يعني أننا امام عمليات استباق للأحداث أو مؤشرات على ما هو قادم.
على كل الأحوال، نحن أمام سنوات قادمة حاسمة بالنسبة للمسجد الاقصى المبارك، سيكون عرّابها دول عربية تشارك الاحتلال في التآمر على المسجد الاقصى المبارك، إذ باتت المعادلات، حتى الاستراتيجية منها، في المنطقة، تؤسس على قيم المصالح النفعية المادية، وهو ما يعني انتصارًا اسرائيليًا بالنقاط في ملف القدس والاقصى، ذلكم أن الاحتلال نجح كما يبدو بإبعاد هذه الدول، خاصة الخليجية التي تتصدر المشهد السياسي في منطقتنا وولجت الى عمق الصراع العربي الاسرائيلي عبر الملف الفلسطيني، وفي الجوهر منه القدس والمسجد الأقصى، عن قضية المسجد الأقصى، ولعل إلزامها بسياحة دينية مفتوحة إلى المسجد تمهيدا لجعله عاما للناس، ومن ثم جعل صلوات اليهود والحجاج الانجيليين مشهدا طبيعيا تراه العين وتستسيغه، تمهيدا لبناء هيكلهم الذي ما زال موجودا نموذجه شاهدًا في الصحراء المغاربية بيان لما ذكرت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى