أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الرسائل الخفية في الإعلام وكيف تجدها (17)

عائشة حجّار
هذا الأسبوع بدأت الشخصيات البارزة في الشبكات الاجتماعية بنشر مضامين تؤيد التطعيم ضد فايروس كوفيد-19. الأمر، كما في معظم الحلات، لم يكن صدفة، إنما كان بمبادرة وزارة الصحة بعد أن أكدت الاستطلاعات أن أكثر من نصف المواطنين لا ينوون أخذ اللقاح في موجة التطعيم الأولى. لا أنوي هنا التطرق للقاح الذي حيكت حوله نظريات مؤامرة لا تنتهي قبل أن يعلن عن جهوزيته، إنما أود الحديث اليوم عن أولئك المؤثرين الذين يحاولون، وينجحون بإقناعنا أن نتوجه للعيادات ونأخذ اللقاح.
أولًا، معظم هؤلاء المؤثرين الذين سترون أنهم يطلّون على حيطانكم وفي قصصكم لا يعملون ولا يعلمون في مجال الطب، إذًا ما الذي يعطيهم الشرعية لإبداء النصائح حول سلوك يتعلق بصحتنا؟ الجواب بسيط: نحن!
ما يمنح المؤثر مكانته، هو عدد المتابعين الكبير لحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. يمكنك أن تكون مفكرًا عظيمًا، رياضيًا نشيطًا أو فنانًا موهوبًا، لكن إذا لم تحظ بعدد كافٍ من المتابعين فإن تأثيرك لن يبرز، لن يكون مباشرًا، لن يشعر به معظم الناس. من الذي يمنح المؤثر هذا العدد من المتابعين؟ المتابعون أنفسهم عندما يقررون مشاهدة ما ينشره هذا الشخص. ما الذي يمنح المؤثر هذا العدد من المتابعين؟ إنه المضمون الذي ينشره، لسببٍ ما يبحث البشر عادةً عن التسلية ويحاولون أن يقضوا بعض الوقت في متابعة أمور لا تبدو مفيدةً في ظاهرها، تسلية لأجل التسلية، أبسط أنواع النكات والمشاهد، ما لا يجعلنا نفكر بجهد. ما الذي يربحه المؤثرون من متابعتنا لهم؟ المال قبل كل شيء، وبعضهم يحاول تمرير أجندة ما.
طيب، هل فعلًا هؤلاء المؤثرون يؤثرون على وعينا؟ بالطبع! في الواقع فالنكات البسيطة تؤثر على تفكيرنا وتصرفاتنا أكثر من الكتب العميقة، المحتويات التي نراها سخيفة هي التي تستقر بلا وعينا وتكون المحرك الحقيقي لتصرفاتنا وأفكارنا العميقة. الفكاهة والنكتة مقنعة أكثر من قائمة طويلة بالحقائق والمعطيات. الأمر الثاني الذي يجعل هؤلاء المؤثرين يؤثرون علينا هو أننا نستلطفهم، نعتقد أنهم مضحكون ومحبوبون، نحب شخصهم، حركاتهم وطريقة حديثهم، عندما يعجبك شخص ما فمن السهل أن يقنعك بأفكاره لأنك تربط الأفكار التي يعرضها بشعور المرح والتسلية التي ترافقه عادةً، ستربط ما يقوله بالمشاعر الايجابية التي تترافق مع مشاهدته حتى لو كان يبث لك سمومًا فكرية، وفي الواقع فهذا هو عمله ومصدر رزقه أحيانًا، وزرع الأفكار في عقول الشباب مهنة مربحة جدًا.
ما الحل أمام هذه الظاهرة التي جعلت معظم نجوم أطفالنا وشبابنا أشخاصًا سقف طموحهم رحلة تافهة الى “دوباي”؟ (وعن دوباي سنتحدث في الاسبوع القادم). بدايةً، أن نربي جيلًا مفكرًا لا يتلقى كل ما يعرض عليه، أن نعلم أبناءنا الشك والسؤال فزمن الطاعة ليس هذا الزمن، ثم أن نحترم شبابنا ونعطيهم مكانهم في المجتمع، أن نجعل لهم أفقا يطمحون إليه ومستقبلًا يؤمنون به، بدل إحباطهم بالتصاق البعض بكراسيهم ومناصبهم، وأهم من كل هذا نفض الغبار عن الحركات الشبابية والطلابية وإعادة احيائها.
لا يمكن لمجتمعنا ان يرى أي مستقبل جيد طالما لا يجد شبابه الطموح مكانه فيه. ونعم، أنتم من رمى بالشباب إلى فضاء افتراضي يسوده أولاد يعدون التهام كعكة بدقيقة إنجازًا يفتخر به، أعيدوا لنا شبابنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى