أخبار عاجلةمحليات

“نشأ على طاعة الله” وكان “لا يحب العوجه”.. المشهد تودّع رجل الأعمال المرحوم أحمد حسن

ساهر غزاوي
أشاد الكثير من أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بمناقب الراحل حسن أحمد حسن من قرية المشهد، في مجال العمل الخيري والإغاثي وكفالة الأيتام والعديد من العائلات المستورة التي كان يتابعها بنفسه ويقدم لها العون، خفية وسرًا حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
ليلة الاثنين الماضي، انتقل السيد حسن أحمد حسن (أبو أحمد) إلى جوار ربه عن عمر يناهز 51 عاماً، بعد مكوثه بضعة أيام في مستشفى “بوريا” في طبريا جرّاء نوبة قلبية حادّة ألمّت به. وجرى تشييع جثمانه في ساعات متأخرة من تلك الليلة في مقبرة قرية المشهد، تاركا خلفة 6 أبناء، 3 من الأولاد و3 من البنات.
التحق المرحوم أبو أحمد بمسيرة العمل الإسلامي، منذ مطلع شبابه، وهو نجل رجل الأعمال المعروف أحمد حسن (أبو حسن) من الرعيل الأول في مسيرة العمل الإسلامي في المشهد والداخل الفلسطيني.
بعد الإعلان عن وفاته، زخرت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات الرثاء والحزن على فراق الراحل (أبو أحمد)، وذكر مناقبه وخصاله الطيبة.
هذا وتحدث لـ “المدينة” عدد من أحباب وأصدقاء المرحوم الذين أثنوا على سيرته الحافلة بالعطاء وحب الناس.

نشأ على طاعة الله وقلبه معلّق بالمساجد
الشيخ كمال خطيب، من قادة المشروع الإسلامي في البلاد، نعى عبر صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الراحل حسن أحمد بالقول: “كل الناس سيموتون، فهذا ناموس الله وقانونه العادل {كل نفس ذائقة الموت}. ولكن ليس كل ميت يكون على طاعة فمنهم من يموت وهو على المعاصي، وليس كل ميت يؤدي عباداته منذ الطفولة فمنهم من لا يصلي أو يصوم إلا عند الكهولة أو حتى الشيخوخة. وليس كل غني وصاحب مال ينال شرف كفالة يتيم أو إغاثة ملهوف، فكيف بمن يكفل يتيمًا بل أيتامًا في غزة وسوريا، بل وكيف بمن كان يتجند بنفسه وماله وسيارته في خدمة مشروع كفالة الأيتام وإغاثة اللاجئين. وليس كل من أغناه الله من فضله تجود نفسه لبناء مسجد أو ترميمه، فكيف بمن تكفّل بترميم مساجد والمساهمة في بنائها. وليس كل من هو قريب من المسجد الأقصى يؤدي فيه صلاة الجماعة، فكيف بمن اعتاد ولسنوات أن يسافر 160 كيلومتر بسيارته لأداء صلاة الفجر في المسجد الأقصى صباح كل يوم جمعة. هو الحبيب حسن ابن الأخ الحبيب أبو حسن من قرية المشهد، توفيّ ليلة أمس (الاثنين) وهو ابن خمسين سنة، وقد نشأ على طاعة الله وقلبه معلّق بالمساجد، كافل الأيتام وعاشق للمسجد الأقصى ومحب لدعوته وابن المشروع الإسلامي منذ شبابه الأول. أسأل الله أن يتقبّله في الصالحين وأن يجعل مقامه في عليين، وأن يخلفه في أهله خيرًا. إنا لله وإنا إليه راجعون”.

يجهله من لا يعرفه
إبراهيم صالح، زوج أخت المرحوم وابن خالته، وشاهد على كثير من مواقف الراحل ومرافق له في كثير من المحطات في مسيرة حياته، قال لـ “المدينة”: “ليس سهلاً أن نتحدث عن رحيل الأخ الحبيب حسن، وعندما نتحدث عن أبي أحمد فإننا نتحدث عن رجل كان يحرص على الانضباط والدقة بالمواعيد ورجل لديه حرص شديد على إتقان العمل، أي عمل كان، حتى أن هذا الحرص والدقة والاتقان كان يسبب له الكثير من المتاعب وبلغتنا نحن أهل المشهد نقول إنه (لا يحب العوجه)”.
وأضاف: “مآثر الراحل “أبو أحمد” كثيرة واليوم بتنا نسمع عن صدقاته السرية، فمنها على سبيل المثال لا الحصر، قبل نحو عام دخل ليصلي في مسجد “الجرينة” في حيفا، فوجد أن القائمين على المسجد يقومون بأعمال ترميم وصيانة للمسجد، فلفت انتباهه أن أعمال الترميم والصيانة ليست بالمستوى المطلوب، بحسب نظرته، وخاصة أن المسجد تحفة فنية ويعود تاريخه للفترة العثمانية، فما كان من المرحوم إلا أن طالب العمال والمسؤولين بالتوقف عن العمل فورا، وطالبهم بإزالة التصليحات وإزالة ما كانوا قد ركبوه في المسجد من شبابيك وإنارة، وعلى الفور أجرى اتصالات بمعارفه من أصحاب المهن من نجّارين وحدّادين والعاملين في مجال الألمنيوم وصناعة الشبابيك الذين يعرف جيدا حرفيتهم واتقانهم للعمل، كما اتصل أيضا بأخي أخي الشيخ أحمد صالح وهو في تركيا وطلب منه أن يوصي على الثريات الفاخرة والشبابيك والزجاج المقوّى”.
ولا أبالغ، بحسب تقدري، يضيف إبراهيم أن “مشروع ترميم مسجد “الجرينة” في حيفا وصلت تكلفته إلى أكثر من مليون شيكل على نفقة المرحوم أبو أحمد الخاصة”. ويتابع: “أذكر أبو أحمد وهو ابن 20 سنة كان محافظاً على صلاة الفجر جماعة في المسجد، كان ينزعج كثيرا عندما يرى سيارة مركونة في الطريق وتضايق المارة، وكان يأتي إلى صلاة الفجر ويرى الأحذية مبعثرة بجانب رفوف الأحذية فيتضايق كثيرا ولسان حاله يقول: أمة لا تستطيع أن ترتب أحذيتها على الرفوف كيف ستحرر؟ ويتساءل أحيانا: متى نصبح نظاميين؟”.
في الحديث عن كفالته للعائلات المستورة، يقول صالح وهو أحد المسؤولين في شبكة “المشهداوي” للمواد الغذائية في البلاد: كان أبو أحمد يأتي إليّ كل شهر رمضان ويقول: يا أبو همام (إبراهيم صالح) ماذا عندك طرود غذائية؟ أريد أن أشتري وأوزع على العائلات المستورة، وعندما كنت أعرض عليه المواد التموينية والغذائية كان يأبى ألا أن يضع في الطرود أغلاها وأفضلها، ولا تعجبه المعلبات الرخيصة ويشتري وكأنه يشتري لبيته ويوزعها على العائلات المستورة بنفسه”.
ويلفت أبراهيم صالح في ختام حديثه إلى أن الراحل حسن أحمد حسن كانت له مساهمة كبيرة في مشروع إعمار المصلى المرواني قائلاً: “في ذلك الوقت أوقف أبو أحمد أشغاله وأعماله وتفرغ لمشروع إعمار المصلى المرواني في المسجد الأقصى، وسَخّر جميع معدّاته وسيارات الشحن والجرافات والعمال لخدمة المشروع حتى النهاية. هذا عدا أنه لم يرد أحدا من الناس كان يقصده في حاجة، سواء من داخل القرية أو خارجها.. رحم الله أبا أحمد يجهله من لا يعرفه”.

رجلًا ذا صفاتٍ طيّبةٍ وله من اسمِهِ نصيب
الشيخ سامح عواد، إمام مسجد النور المشهد، تحدث عن مناقب الراحل حسن أحمد حسن قائلاً: “ما أصعبَ أن يُفجعَ مسجدٌ أو حيٌّ أو قريةٌ بفقدانِ شخصٍ عزيز، وقديمًا كان الشعراءُ يقفون على الآثار والأطلال حبًّا بمن افتقدوا، لقد كان طيّب الذكر حسن أحمد حسن (أبو أحمد) رجلًا ذا صفاتٍ طيّبةٍ، وله من اسمِهِ نصيبٌ، فاسمُه حسن، وقد كان حسَن الخلُقِ، طيّبَ المعاملةِ، لطيفَ المعاشرةِ، من عرفَه أحبّه، ومن اقترب منه استأنس به. وقد جمعتني بأبي أحمد صداقةٌ متينةٌ وإن كان وقتُها قصير إلّا أنّها كانت قائمةً على الحب في الله مجرّدةً من أيّة مصلحةٍ ماديّة أو دنيويّة. وكلّما جالستُ أبا أحمد تبيّن لي صدقَ حديثِهِ، وحُسن شمائله، وعظيم صفاته التي لا تخفى على أحد”.
وأضاف: “كان أبو أحمد من روّاد الفجرِ، يحرصُ على أدائها في جماعة، وجنباتُ المسجد تشهدُ على ركوعه وسجوده ودعائه.. مرّةً همس في أذني أن أطيلَ التلاوة في صلاة الفجر، ولعلّه وقف على قول الله عز وجل (وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا)، فوقف عندها وتدبّرها وفقهها وعلم أنّ ملائكة الرّحمن شاهدةٌ على تلاوة الفجر، وإلّا ما الّذي حمله على قول ذلك!!”.
وختم الشيخ سامح عواد حديثه لـ “المدينة” بالقول: “لم أعرف عن صدقات السرّ إلّا لمّا توفي طيّب الذكر، ولعلّ أبا أحمد صدق فيه حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (سبعةٌ يظلّهم الله يوم القيامة في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، ومنها: رجلٌ تصدّق بصدقةٍ حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينُه)..رحمَ الله الحسنَ وأنزلهُ منزلًا حسَنًا، وصبّر أباه (أبا حسن) وعائلتهم جميعًا.. رحمك الله يا صديقنا وحبيبنا.. وجعلك اللهُ في مصافّ النبييّن والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا”.

خسرنا سندًا وظهرًا
وتحدث الدكتور رائد فتحي عن مناقب وخصال المرحوم “أبو أحمد” الطيبة وقال: “الأخ حسن (أبو أحمد) كان نموذجا للإنسان الذي ممكن أن يكون ناجح في حياته ناجح في قضاياه وأعماله واشغاله. له حضوره وثقله ووزنه وحقيقة هذا أفضل ما يمكن أن يكون انموذج لرجل الأعمال العربي الناجح، ولكن في نفس الوقت هذا لم يمنعه أبدا أن يكون في علاقة وطيدة مع الله عز وجل”.
وتابع: “أخانا أبا أحمد أنا أعرف يقينا أنه كان يصلي صلاة الفجر يوميا في المسجد، بل إن إمام المسجد عندهم في المشهد كان يحدثني أنه (زعلان) عليه لأنه يقرأ نصف صفحة فقط في كل ركعة وكان يريد أن يقرأ أكثر، بالإضافة إلى ذلك أن الكل يعرف أنه انسان متصدق وكثير الصدقة لكن أنا أؤكد أن له الكثير من الصدقات بالسر لا يعلمها إلا القليل والقليل جدا، يعني أنا أعرف على أقل تقدير ثلاثة مساجد كان أخانا أبو احمد شارك فيها بدعم كبير لأجل إعادة ترميمها أو بنائها”.
وذكر الدكتور رائد فتحي أيضا: “بالإضافة إلى الصدقة كان أبو أحمد يعيش واقع الأمة وكان مُطلعا عندما تتكلم معه بالسياسة، وهو من أفضل من يتكلم بالقضايا الاقتصادية المحلية والعالمية”.
وختم الدكتور رائد فتحي حديثه: “أبو أحمد كان منتميًا لأمته وشعبه ومجتمعه، كان محباً للدين، محبا للدعاة، محبا لأهل العلم، فللأمانة خسر الداخل الفلسطيني وخسرت قرية المشهد والدعوة الإسلامية بوفاته سندا كبيرا عظيما، مخلصا وصادقا فرحمة الله عليه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى