أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (44): لعبةٌ أم سوق؟!!

حامد اغبارية

 هي لعبةٌ إذاً، كما قال د. منصور عباس، ولذلك “علينا أن نشارك فيها حتى النهاية”. ولمّا سميناها نحن “لعبة الكنيست” غضبوا وقالوا: “نحن لا نلعب”!!

أهي لعبة أم لا؟!!

ومن ذا الذي يريد أن يربط مصير شعب كامل مهضوم الحقوق التاريخية وغير التاريخية من خلال “لعبة الكنيست”؟!! وبأية طريقة يفكر؟ وهل طريقه هذا هو الذي “راح يجيب الذيب من ذيله”؟!! للأسف الشديد، فإن تجربة سبعة عقود من أكاذيب وخداع المؤسسة الإسرائيلية لم تلقن بعضنا درسا واحدا!

مما لا شك فيه أن الطريق الذي يسير فيه عضو الكنيست الإسرائيلي منصور عباس قد أحدث هزة، إن لم يكن زلزالا خلخل أركان المشتركة، لكنه في ذات الوقت أكد – بكل قوة- ما ذهبنا إليه منذ البداية: الذهاب إلى الكنيست يعني اللعب وفق مبادئ لعبة السياسة الإسرائيلية. وهذا ما يجري فعلا على أرض الواقع.

ولأن قضيتنا كمجتمع، وكجزء من شعب وأمة، ليست لعبة، ومصير هذه القضية لا تقرره الألعاب، فإن الذين اختاروا أسلوب اللعب (وأحيانا اللعب على الحبال) لا يصلحون لأن يقرروا بشأنها. قضيتنا تحتاج إلى قادةٍ رجال يطاولون السحاب والجبال. وهذا الصنف لا يمكن- إطلاقا لا يمكن- أن تجده في الكنيست الصهيوني.

أثناء كتابة هذه السطور لم تكن القائمة العربية الموحدة التي هي جزء من المشتركة قد أعلنت عن موقفها من التصويت على حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات رابعة خلال سنتين. لكن يمكن استنتاج الموقف مما قاله عضو الكنيست عباس صباح الأربعاء- بطريقة غير مباشرة: يا نتنياهو، ادفع لنا 500 مليون شيكل (للقضاء على العنف في المجتمع العربي) ونحن سنصوت ضد حل الكنيست. هي ليست مجرد لعبة وحسب، هي سوق إذًا: ادفع تكسب. أَعطِ مال تأخُذْ صوتا. هكذا بكل بساطة. فهل هذا إبداعٌ جديد في دروس العمل السياسي؟

المبدأ الذي يُفترض أن ينطلق منه كل فلسطيني في الداخل (أيا كان موقعه وتأثيره) أن تحويل الميزانيات يجب أن يكون دون مقابل، لأن هذا واجب السلطة الحاكمة. فكيف وصلنا إلى أن نبيع المواقف في سوق نتنياهو؟! هذه في نظري من كبائر العمل السياسي.

وحقيقة الأمر أن عضو الكنيست عباس لم يأت بجديد في مسألة المساومة على المواقف هذه. فقد مارسته وتمارسه جميع أقطاب المشتركة بصور وأشكال مختلفة. وهذا في الحقيقة هو ما تريده المؤسسة الإسرائيلية، وهو ذات الأسلوب الذي مارسته على المجتمع الفلسطيني منذ نشأتها: ليس هناك شيء مجانا، لا شيء ببلاش… حتى تأخذ عليك أن تعطي. وغالبا أنت تعطي أكثر مما تأخذ، وفي أحيان كثيرة تعطي ولا تأخذ. هذه هي العقلية الصهيونية في التعاطي مع ملف الداخل الفلسطيني. وأنا أستطيع أن أجزم أن أعضاء الكنيست العرب يدركون هذه الحقيقة، ولذلك فإن ذنبهم أكبر من ذنب أي شخص آخر، لأنهم رغم إدراكهم لهذه الحقيقة قبلوا الدخول إلى دائرة اللعبة السياسية الإسرائيلية، وجرّوا خلفهم شريحة واسعة من أبناء مجتمعهم. ولو جلس أحدنا الآن وأحصى ما حققه أعضاء الكنيست العرب؛ منذ الكنيست الأولى ولغاية الكنيست الحالية، فسوف يندهش من حجم “الإنجازات”. صفر إنجازات. ذلك أن تلك “الإنجازات” التي زعموا تحقيقها هي بالضبط ما أرادت كل الحكومات الإسرائيلية تقديمه.

وبناء على ذلك فإن محاولات د. عباس الدفاع عن الموقف وتبريره من خلال قوله إنه لا يعوّل على نتنياهو ولا على جانتس ولا على لبيد ولا على بينيت، لا تختلف كثيرا عن موقف شركائه الذين لا يعوّلون على نتنياهو.

وإن أكثر ما أدهشني فعلا أن عضو الكنيست عباس قال بصراحة إن إسقاط نتنياهو هو شعار انتخابي، وليس هدفا للعمل البرلماني. فهل هذا اعتراف منه بأنه شارك في خداع الجمهور الذي عملت المشتركة طوال الحملات الانتخابية على اختطاف عقله من خلال هذا الشعار؟ وما هو الشعار الجديد الذي سيخدعون به الجمهور في الانتخابات القادمة؟

ثم يقول: إذا كان الواقع يفرض علينا التعامل مع الموجود وليس مع المرغوب، فهل يعقل أن يكون أعلى سقف طموحاتنا هو إسقاط هذا أو ذاك بدلا من تغيير السياسات وإنجاح مطالب مجتمعنا العادلة.

فما هو الموجود؟ هل هو نتنياهو فعلا؟

الموجود ليس نتنياهو، وليس من سبقوه من رؤساء حكومات، وليس من سيأتون بعده. الموجود هو استراتيجية وأهداف المشروع الصهيوني. وفي هذه الاستراتيجية بند خاص في طرق وأساليب التعامل معنا كمجتمع فلسطيني وجد نفسه بعد النكبة يعيش داخل كيان لم تكن له إرادة أن يعيش فيه. ولا أظن أن أهداف المشروع الصهيوني قد غابت عن مخيلة د. عباس وذاكرته.

وهل فعلا هناك إمكانية لتغيير السياسات، كما يقول؟ كل القرائن والدلائل والتجارب تؤكد أن الذي يتغير ليست سياسات الحكومات الإسرائيلية وإنما مواقف بعضنا هي التي تتغير.

والسؤال: إن الحديث عن إنجاح مطالب مجتمعنا العادلة شديد الأهمية والخطورة. ذلك أن “المطالب العادلة” جعل منها الذين اختاروا “اللعب” جملة فضفاضة مطاطة تتشكل حسب الرغبة وحسب الظروف. فما هي مطالب مجتمعنا العادلة؟ مطالب مجتمعنا بالتأكيد ليست مطلبية يومية ويجب ألا تكون كذلك، لأن المطالب هي وطنية تتضمن ملفات ضخمة جدا هي أكبر بكثير من 500 مليون شيكل، وأكبر بكثير من 13 مليار شيكل، وأكثر بكثير من الشعارات الانتخابية، وأكبر بكثير من “لعبة الكنيست”.

لذلك فإن ما يجب أن يشغل بال جمهور مجتمع الداخل الفلسطيني ليس انتخابات الكنيست، وليس السؤال: هل سيُحل الكنيست الحالي وتُجرى انتخابات جديدة؟ وهل ستبقى المشتركة أم تتفكك؟ هذا بالضبط هو “اللعب”. إنه ملهاة مأساوية!! ومجتمعنا أكبر بكثير من ألعاب تلهيه عن حقوقه الحقيقية. وهذه الحقوق لا علاقة لها إطلاقا لا بمصير أحزاب ولا قوائم ولا انتخابات…. فاتجاه البوصلة ليس من هنا. إنه من هناك….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى