أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

«أرض الميعاد».. كيف رأى أوباما أحداث العالم العربي أثناء سنوات حكمه؟

قبل أيام صدر كتاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بعنوان «أرض الميعاد»، في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، والذي يتناول المذكرات الخاصة للرئيس الـ44 للولايات المتحدة خلال سنوات حكمه التي امتدت لفترتين متتاليتين من 2009 وحتى نهاية 2016.
تضمنت صفحات الكتاب الكثير من الآراء الشخصية حول السياسة الخارجية الأمريكية والصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، إلى جانب أحداث الربيع العربي، وحديث عن الأنظمة العربية وبعض الشخصيات السياسية البارزة في المنطقة.
نستعرض في هذا التقرير مقتطفات من أهم ما يتعلق بالعالم العربي وشخصياته المذكورة في كتاب أوباما، ونورد آراءه وتحليلاته بدون إضافات أو تعديلات عليها.

أوباما: السعودية عالم بلا ألوان
عندما تولى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما منصبه الجديد في مطلع 2009، كان من المقرر له أن يزور المملكة العربية السعودية للمرة الأولى في حياته، ليلتقي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي يصفه أوباما بأحد أقوى زعماء العالم العربي.
ويتحدث في كتابه عن اللحظات الأولى في السعودية: على الرغم من الموكب الضخم الذي بدأ من المطار، إلا أنه لم يستطع تنحية شعوره بالحزن والقمع ويقول: «فجأة ولجت إلى عالم بلا ألوان».
أول ما لفت نظر أوباما في المملكة الغياب الكلي للنساء، وتزايد مظاهر الأبهة والفخامة والثراء الفاحش في المنازل والقصور، بالإضافة لمآدب الطعام الضخمة المليئة بالحملان وأكوام الأرز والأطباق الجانبية الشرقية منها والغربية.
رأى أوباما في المملكة أرضًا معزولة يسيطر عليها القمع الذي قننته الوهابية السعودية وعززه آل سعود لإضفاء الشرعية على حكمهم والمحافظة عليه. أما الملك المتزوج من 12 زوجة ولديه من الأبناء 40 وعشرات الأحفاد، رأى على عكس سياساته الأصولية أن خطاب أوباما القادم في القاهرة خطوة موفقة بحديثه عن «الإسلام» وأنه دين سلام. ورأى الملك أنه قام شخصيًا بدور رائد في تعزيز الحوار بين الأديان.
من أهم ما ذكره أوباما عن زيارته للمملكة الحقائب المليئة بالهدايا باهظة الثمن، عقد مرصع بالياقوت والألماس مع خاتم وأقراط تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدولارات.
عرف الرئيس الأمريكي لاحقًا أن أفراد وفده قدم لهم أيضًا هدايا باهظة وجدوها بانتظارهم في غرفهم. تقديم هذه الهدايا للمسؤولين الأمريكيين منافٍ لقوانين أمريكية تحظر تلقي هدايا من هذا النوع، ويعقّب أوباما قائلًا: «يبدو أن أحدًا لم يخبر السعوديين بالقوانين التي تحظر قبول الهدايا».

أوباما في قصر مبارك
في زيارته لمصر لإلقاء خطبته الشهيرة في جامعة القاهرة، فوجئ بالمدينة الصاخبة بـ16 مليون نسمة وقد فرغت من سكانها وحل في الشوارع ضباط الأمن المنتشرين على طول الطريق من المطار وحتى «قصر القبة» حيث انتظره الرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك.
هذا المشهد، بحسب أوباما، يكشف عن بلدٍ واقع تحت سطوة القبضة الأمنية، وهو استبداد من نوعٍ آخر غير ذلك الذي شهده في المملكة العربية السعودية: «إذا كان النظام الملكي السعودي يمثل مسارًا لواحد من أشكال الحكم العربي الحديث، فإن الاستبداد المصري يمثل المسار الآخر».
يضرب الرئيس الأمريكي مثلًا بالرئيس المصري، جمال عبد الناصر، الذي قاد انقلابًا عسكريًا في الخمسينات لتتحول الدولة بعدها من الملكية إلى الجمهورية، وعلى الرغم من قضائه على بقايا الحكم الاستعماري البريطاني والنظام الإقطاعي المصري، فإن أوباما يرى أنه أسس خلال سنوات حكمه لعصرٍ من القمع والاستبداد لكل من عارضه، وأن باقي الحكام العرب حذوا حذوه للحفاظ على سلطتهم، مثل حافظ الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا.
ورغم ذلك كان قمعهم قائمًا على الفساد والمحسوبية -بحسب الرئيس الأمريكي السابق- ويفتقر إلى حنكة جمال عبد الناصر الذي نجح في اقتناص زعامة شعبية في الوطن العربي بأكمله.
يشير أوباما إلى أن حسني مبارك قد اعتمد في حكمه على استراتيجية القمع ذاتها، إلا أن الرئيس المصري قد استفاد من «اتفاقية السلام مع إسرائيل» التي عقدها أنور السادات وصار حليفًا للولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة لذلك جنت الدولة المصرية ثمار المعونات الأمريكية وجرى التغاضي عن الفساد المتزايد للنظام وملف حقوق الإنسان المتهالك، ويقول أوباما إن مبارك رغم سنوات حكمه الثلاثين لم يكلف نفسه حتى عناء إصلاح الاقتصاد الراكد للبلاد، ونشأ عن ذلك جيلٌ من الشباب الثائر الذي عانى لسنوات من البطالة.
تحدث مبارك مع أوباما في زيارته عن أنه بصدد العمل على ملف حقوق الإنسان، وأن هناك خطوات قد يتخذها للإفراج عن المعتقلين السياسيين، بالإضافة لتخفيف القيود المفروضة على الصحافة. وشدد على أن حكومته لا تستهدف سوى المتطرفين من الإسلاميين.
ومن زيارة أوباما لمبارك في قصره الرئاسي تكوّن لديه انطباع عام عن حكام العرب المسنّين: «معزولون في قصورهم الرئاسية بعيدًا عن الشعوب، يحيطون أنفسهم بمجموعة من الموظفين جامدي الوجوه، ولا يستطيعون التفريق ما بين مصالحهم الخاصة ومصالح شعوبهم».

عن «الربيع العربي».. من تونس إلى مصر
يتحدث أوباما في كتابه «أرض الميعاد» عن اشتعال شرارة الربيع العربي في تونس بإضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه خارج إحدى المباني الحكومية، وكيف كانت تلك النار هي الحجر الذي حرك البحيرة الراكدة، إذ توالت الأحداث بعد ذلك باندلاع التظاهرات في الدول العربية الواحدة تلو الأخرى.
عن ذلك يقول أوباما أن الإدارة الأمريكية قد وجدت نفسها فجأة مضطرة لاتخاذ قرار، إما مساندة حليف قوى موثوق به، وبالتالي مساندة القمع، أو الوقوف إلى جانب الشعوب التي تسعى إلى التغيير وتتطلع إلى الديمقراطية. وفي الوقت الذي كان فيه مبارك معزولًا عما يحدث في الشارع المصري داخل قصره العاجي، خرج الشباب الثائرون إلى ميدان التحرير مطالبين بالحرية والكرامة وفرصة لحياة كريمة.
يذكر أوباما أن واحدة من مآسي الحكم الديكتاتوري أنه أعاق تطور المؤسسات التي تساعد على تداول السلطة والانتقال السلس للديمقراطية، ولذا خشيَ من أن يترك السقوط المفاجئ لمبارك فراغًا هائلًا في السلطة، خاصةً مع غياب وجود أحزاب سياسية قوية وقضاء مستقل. كانت كل الاقتراحات تشير إلى ضرورة إقناع الرئيس المصري بتبني سلسلة من الإصلاحات الجوهرية التي من شأنها إنهاء حالة الطوارئ وضمان الحريات السياسية مع وعدٍ بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، مما يعطي فرصة للأحزاب السياسية من أجل جمع شتاتهم وترتيب أوراقهم لمشاركة فعالة بالانتخابات، وفي الوقت ذاته خروج آمن للرئيس المصري العجوز، والذي كان لسنواتٍ طويلة حليفًا للولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي لم تثنِ فيه «خطابات مبارك» العاطفية المتظاهرين عن التواجد في ميادين المدن المصرية، تابع أوباما الوضع مع الرئيس المصري عبر الهاتف، وعلى الرغم من فشل الأخير في تهدئة الوضع، فإنه أصرّ على أن الجموع المحتجة ستعود إلى منازلها قريبًا في إنكارٍ تام لحقيقة الوضع بالشارع المصري، حينها قرر الرئيس الأمريكي التحرك، وقال لفريقه: «دعونا نعد بيانًا ندعو فيه مبارك للتنحي».
في ذلك الوقت حرص الرئيس الأمريكي على التواصل مع رجال الجيش والمخابرات المصرية لطمأنتهم من أن التعاون المصري – الأمريكي والمساعدات الدورية التي تصل للدولة المصرية غير مرتبطة بوجود مبارك في الحكم.
وصلت الرسالة بنجاح وفي غضون أسبوع واحد أعلن نائب الرئيس، عمر سليمان، تنحي مبارك عن الحكم، لتعيش مصر لحظة تاريخية على حد تعبير أوباما

إدارة أوباما وثورات البحرين وسوريا
كانت النتيجة المباشرة لسقوط الرئيس المصري أن اتخذت العديد من الدول العربية بعض الإجراءات الإصلاحية في محاولة لتجنب مصيره.
فقامت الجزائر بإلغاء قانون الطوارئ المطبق منذ 19 عامًا، كما أجرى ملك المغرب محمد السادس عدة إصلاحات دستورية عززت من قوة البرلمان المنتخب في البلاد، وحذا ملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين حذوهم.
أما بعض الدول العربية مثل البحرين وسوريا، فقد اتخذوت مسارًا آخر، تمثل في سحق الاحتجاجات بعنف وبلا رحمة.
يشير أوباما إلى أن سياسة الولايات المتحدة خلال أحداث «الربيع العربي» قد تبدو متناقضة لغير المطلع على حقيقة الأمور، خاصةً بعدما فشلت الإدارة الأمريكية في احتواء الأمر بسوريا والبحرين.
ولكن أحداث ما وراء الكواليس كانت مختلفة، إذ لم يكن لأمريكا نفوذ في سوريا مثل نفوذها في مصر، لأن سوريا خصمٌ قديم للولايات المتحدة في المنطقة ومتحالفة مع إيران وروسيا.
جاءت النتيجة بأن أصبحت الإدانة الأمريكية لنظام بشار الأسد وفرض الحظر الأمريكي لم يكن لهم أي تأثير حقيقي على أرض الواقع، لاعتماد سوريا على النفوذ الروسي لتجنب فرض عقوبات دولية في مجلس الأمن.
واجهت الإدارة الأمريكية أزمة مختلفة مع أحداث البحرين، إذ كانت تلك الدولة حليفًا قديمًا للولايات المتحدة، كما استضافت الأسطول الخامس للولايات المتحدة، وهي العلاقة التي مكنت إدارة أوباما من الضغط على العاهل البحريني حمد بن عيسى لكبح عنف الشرطة والاستجابة جزئيًا لمطالب المحتجين.
إلا أن الإدارة الأمريكية لم تستطع في الوقت ذاته المخاطرة بموقعها الاستراتيجي وتحمل كلفة قطع العلاقات الدبلوماسية مع ثلاث دول خليجية في عامٍ واحد، إذ كان هناك تنسيق ما بين الإمارات والمملكة السعودية والبحرين عام 2011، لاحتواء الموقف في البحرين بدعوى أن المحتجين موالون لإيران.
تحدث أوباما عن ولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد، ووصفه بأنه «أذكى زعيم في الخليج العربي»، ورآه أوباما شابًا راقيًا وطموحًا وذكيًا، إلا أنه استقبل موقف الولايات المتحدة من الربيع العربي بقلق متزايد خوفًا من أن تتخذ نفس السياسة تجاه دول الخليج.
أخبر ابن زايد الرئيس الأمريكي أن سقوط مبارك يعني سقوط المزيد من القادة العرب، وهو ما يعني أن الخليج يرى الولايات المتحدة بعد تصريحاتها حليفًا لا يعتمد عليه في المدى البعيد.
وعن ذلك يقول أوباما: «العالم فوضوي، وتسيير السياسة الخارجية كان يضطرنا أحيانًا للموازنة ما بين مصالح الدولة والإدارات المختلفة والخيارات المتاحة وفقًا لظروف اللحظة الراهنة. لذا لم أستطع التلويح بأجندة حقوق الإنسان خاصةً مع وجود اعتبارات أخرى، إلا أنني رغم ذلك فعلت ما استطعت حينما أتيحت لي الفرصة».

أوباما مشتبهٌ به.. لتعاطفه مع الفلسطينيين
يشير الرئيس السابق للولايات المتحدة إلى أنه واجه منذ توليه السلطة الملف الشائك لـ«القضية الفلسطينية». إذ كان عليه أن يحمي حق «الشعب اليهودي»، خاصةً وأن إسرائيل كانت منذ الحرب الباردة حليفة أمريكا، والراعي الرسمي لسياساتها داخل الشرق الأوسط، إلا أنه رغم ذلك لم يستطع أن يتغاضى عن منع الفلسطينيين من حق تقرير المصير، والمبادئ الأساسية للحياة التي تمتع بها حتى مواطنو الدول غير الديمقراطية.
وفي كتابه انتقد أوباما لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية «أيباك»، والتي عملت على ضمان تقديم الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل واشتهرت بسيطرتها على أعضاء الكونجرس الأمريكي. وقال إن نفوذ أيباك يمكن أن يطول كل سياسي في واشنطن حتى هو نفسه.
وفي الوقت الذي اتخذت فيه الدولة الإسرائيلية إجراءات تتعارض مع السياسات الأمريكية واتجهت سياساتها أكثر نحو اليمين، ضمن أيباك استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل ومعارضة الجهود المبذولة لإدانة أو عزل إسرائيل في الأمم المتحدة، واتهم الذين انتقدوا السياسة الإسرائيلية علنًا بـ«معاداة السامية».
ويذكر أوباما أن تعاطفه مع الفلسطينيين، والصداقة التي جمعته بأشخاص معادين للسياسة الإسرائيلية، إلى جانب كونه مواطنًا أسود البشرة باسم مسلم، كل هذا جعل أيباك تشتبه به على أنه رجل بولاءات متعددة.

أوباما: الخلاف مع رئيس وزراء إسرائيل مكلف سياسيًا في أمريكا
«كان نتنياهو ذكيًا وماكرًا وصعب المراس، إلا أنه كان موهوبًا في التواصل باللغتين العبرية والإنجليزية»، هكذا وصف أوباما رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. مُشيرًا إلى أن مقابلاتهم الأولى معًا في واشنطن سارت بشكل جيد، ورغم ذلك شعر أوباما باختلاف حاد في وجهات النظر بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ قائلًا عنه أنه مستعد لتبرير أي شيء ليبقى في السلطة لأنه يرى نفسه المدافع عن حقوق يهود العالم.
كان نتنياهو -بحسب أوباما- مترددًا بشأن محادثات السلام في الشرق الأوسط، مُشددًا على أن السلام يجب أن يحدث وفقًا لما يخدم مصالح إسرائيل الأمنية، وهو ما مثل تعبيرًا عمليًا على قوة إسرائيل المتزايدة في مقابل الإحجام الفلسطيني.
ويذكر أوباما أن موقف نتنياهو كان سلبيًا وحادًا من مقترح أوباما بتجميد بناء المستوطنات في الأراضي المحتلّة، خطوةً أولى للسلام. وهاجم حلفاء نتنياهو في واشنطن مقترح أوباما واتهموه بمحاولة إضعاف التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وذلك بالتركيز على المستوطنات بدلًا من التركيز على «العنف الفلسطيني» الذي رآه الإسرائيليون العائق الأساسي أمام عملية السلام.
عن ذلك يقول باراك أوباما: «الضوضاء التي افتعلها نتنياهو، كان لها تأثير ملحوظ وضعنا في موقف دفاعي. فللخلافات السياسية العادية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي كلفة سياسية على المستوى الداخلي، لم تشهدها الولايات المتحدة في تعاملها مع أي من حلفائها الآخرين مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، وكندا واليابان».
في 2009، وافق نتنياهو أخيرًا على تجميد بناء المستوطنات، إلا أن الوضع ازداد تعقيدًا في مارس (آذار) 2010 بحسب أوباما، إذ أصدرت وزارة الداخلية الإسرائيلية تصاريح ببناء وحدات جديدة في القدس الشرقية، وذلك أثناء زيارة جو بايدن -نائب أوباما السابق- لإسرائيل.
وأدت تلك الخطوة إلى اعتقاد مسبق لدى الفلسطينيين بأن مسألة تجميد بناء المستوطنات الإسرائيلية كانت مجرد خدعة، اشتركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية مع نتنياهو. وفي ذلك الوقت جاء رد نتنياهو على رسالة أوباما بضرورة ضبط النفس والسيطرة على توسيع المستوطنات، كالآتي: «القدس ليست مستوطنة، إنها عاصمتنا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى