أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

حظر الحركة الإسلامية في المنظور الإسرائيلي (2)

صناعة أجواء الحظر

ساهر غزاوي

صناعة أجواء الحظر
في المقالة الأولى، كنا قد بدأنا سلسلة مقالات (حظر الحركة الإسلامية في المنظور الإسرائيلي) في مدخل مختصر في الحديث عن طبيعة المنطلق الأساس للصراع العربي/ الفلسطيني مع الحركة الصهيونية التي تعود جذوره إلى ما قبل نكبة 1948. وفي هذه المقالة، ننتقل للحديث عن صناعة أجواء الحظر الإسرائيلي للحركة الإسلامية.
أشير في هذا السياق، إلى أن مصطلح “صناعة أجواء الحظر” مقتبس من كتاب فضيلة الشيخ رائد صلاح (إضاءات على ميلاد الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا) الذي أسهب الحديث فيه عن مؤشرات سياسة تصعيد المؤسسة الإسرائيلية ضد الحركة الإسلامية من خلال سرده لقرائن ودلالات تؤكد أن حظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون الإسرائيلي لم يكن إلا سوى مسألة وقت. هذا فضلا أن هذا الكتاب يُعتبر وثيقة تاريخية ومن أحد أهم المراجع التي يعتمد عليه العاملين في حقل الدراسات والبحث الأكاديمي، بحيث أن أغلب الدراسات والكتب عن الحركة الإسلامية في الـ 48 هي دراسات كتبت من خلال أكاديميين إسرائيليين وبعض الأكاديميين الفلسطينيين.
مرّت الحركة الإسلامية بعد العام 1996، وهو العام الذي وقع فيه الانشقاق في الحركة الإسلامية على خلفية انتخابات الكنيست الإسرائيلي، لتسير الحركة في طريق خارج إطار اللعبة السياسية الإسرائيلية، بعدة مراحل بعلاقتها مع المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها تتسم بمجملها بالتصعيد، ليستمر مشوار التضييق على الحركة الإسلامية حتى كان عام 2015 ليتم حظرها وإخراجها عن القانون. فمنذ العام 1996 بدأت مرحلة جديدة في تعامل الدولة الإسرائيلية مع الحركة الإسلامية، حيث أخذ صناع القرار الإسرائيليين ينظرون للحركة الإسلامية كتهديد إستراتيجي. وحدثت عدة تطورات أدّت إلى تحول في الطرح الأيدلوجي للحركة الإسلامية، بشكل دفعها لتبني خطاب سياسي يعتمد المواجهة مع السلطات الحاكمة. وكان على رأس هذه التطورات فوز اليمين واليمين المتطرف في انتخابات عام 1996، ومجاهرة الأحزاب التي شاركت في الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت بدعواتها باتباع سياسة متشددة ضد فلسطينيي الداخل، حيث برزت الدعوات لتشريع التمييز ضد هؤلاء الفلسطينيين بحجة أنهم لا يشاركون في تحمل عبء الدفاع عن الدولة من خلال رفضهم التجند في الجيش الإسرائيلي.
من جانب آخر، أسهم فوز اليمين بشكل كبير في إفساح المجال أمام المنظمات اليهودية المتطرفة لترفع صوتها للمطالبة بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث على أنقاضه، مما شكل تحدياً صعباً للحركة الإسلامية استدعى منها رداً يخرج عن نطاق ردودها السابقة، سيما وأن هذا يُعد اختباراً لصدقية التوجهات الدينية للحركة في نظر أتباعها وخصومها، حيث أن الحديث يدور عن مخاطر تتهدد البقعة التي تحتل المكانة الثالثة من حيث القدسية بالنسبة للمسلمين. وإثر هذه التطورات عكفت الحركة الإسلامية على تنظيم حملة للدفاع عن الأقصى تحت شعار “الأقصى في خطر” التي كانت تتوج كل عام على مدار عشرين سنة، بتنظيم مهرجان جماهير حاشد يحمل هذا الشعار، وهو ما جعل السلطات الإسرائيلية ترى في مثل هذا السلوك تحريض فج على المس بأمنها. وكان للحركة الإسلامية جهد مميز في ربط الأقصى بالهم الوطني لفلسطينيي الداخل، مع العلم أن الحركة لم تقتصر في هذا الجهد على الجانب الإعلامي فحسب بل أشرفت على برنامج عملي إعماري تعبوي إعلامي أدى إلى تأصيل علاقة فلسطينيي الداخل بالمسجد الأقصى.
بواعث القلق الإسرائيلي من سلوك الحركة الإسلامية، ليس فقط بسبب مواقفها السياسية ومنطلقاتها الفكرية، بل وممارساتها العملية. ففي وثيقة قدمها مجلس الأمن القومي الإسرائيلي لحكومة أرئيل شارون في مارس 2004 جاء أنه ” وفق كل المعايير، فإن الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح تمثل خطراً إستراتيجياً على دولة إسرائيل ومستقبلها، وذلك لحرص الحركة الدؤوب على نزع الشرعية عن إسرائيل، وتماثلها مع أعداء الدولة “.
وقد أبدت القيادة الإسرائيلية حساسية شديدة إزاء أيدلوجية “المجتمع العصامي” التي أرساها الشيخ رائد صلاح والتي تدعو إلى إقامة مجتمع عصامي لديه القدرة على الإكتفاء ذاتياً على جميع الأصعدة والمستويات وذلك لكي يتمكن من مواجهة تبعات سياسة التمييز العنصري التي تمارسها الدولة الإسرائيلية ضد فلسطيني الداخل. وقد نشطت الحركة الإسلامية في إقامة مؤسسات اجتماعية وتعليمية وثقافية وخيرية تعنى بملء الفراغ الناجم عن تقصير مؤسسات الدولة المتعمد في توفير الخدمات لفلسطينيي الداخل، الذين يعيش 58% منهم تحت خط الفقر وفق إحصاءات مؤسسة التأمين الوطني.
ويرى الكثير من الإسرائيليين أن الحركة الإسلامية تستغل حالة انعدام الثقة في مؤسسات الدولة لدى فلسطينيي الداخل من أجل تكريس التوجهات الإنفصالية لديهم. لكن الإسرائيليين يتجاهلون حقيقة أن هناك ما يبرر موقف الفلسطينيين من المؤسسات الرسمية الإسرائيلية بسبب سياسة التمييز الممنهج المتبعة ضدهم من قبل جميع مؤسسات الدولة، حتى من تلك المؤسسات التي يفترض أن تكون ملاذاً لفلسطينيي الداخل الأخير. فحسب دراسة قامت بها الباحثة ببيت تورجمان، وصدرت عن كلية العلوم الاجتماعية في جامعة تل ابيب بتاريخ 27-7-2006 تبين أن القضاء الإسرائيلي يفتقر للنزاهة ويصدر أحكاماً مبنية على التمييز، خصوصا ضد العرب.
عمليا، حظر الحركة الإسلامية بدأ من لحظة ولادتها. في اللحظة التي ولدت فيها- بدأت العملية في 1996، عندما داهمت قوات الأمن الإسرائيلية لجنة الإغاثة في الناصرة وصادرت كل تبرعاتها وكل ما تملكه. لقد كانت هذه اللجنة عمليا اللجنة الأقوى، وهي اللجنة الأولى (من حيث القوة والأهمية) في الحركة الإسلامية. فجناح الحركة الإسلامية التي قادها الشيخ رائد صلاح ولد عمليا عام 96. ومباشرة مع ولادته داهمت قوات الأمن مكاتب الحركة وصادرتها. المداهمة الثانية من طرف قوات الأمن للحركة الإسلامية ولجمعياتها كانت مداهمة جمعية الإغاثة الإسلامية في أم الفحم عام 2002، وصادرت كل ما كان فيها.
نختم هذا المقال في تعليق للباحث الأكاديمي، د. نهاد علي في محاضرة له قدمها في معهد “فان لير” عام 2016، في سياق صناعة أجواء الحظر قال فيه: “إن الادعاء بأن الدولة تتعامل بقفازات من حرير مع الحركة الإسلامية ليس صحيحا. ففي الشهرين أو الثلاثة الأولى لولادتها كان هناك رد فعل من السلطات. وعمليا كان رد فعل السلطات تجاه الحركة الإسلامية بدءا من لحظة الانشقاق إلى ما عرف إعلاميا بالجناح الشمالي والجناح الجنوبي، وعندما قرر الجناح الشمالي عدم الذهاب للكنيست، وأنه لن يتنافس في انتخابات الكنيست، اعتُبر أنه الجناح المتعنت، الجناح المتطرف، الجناح الذي يتآمر ضد الدولة، وما شابه ذلك من اتهامات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى