أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

حظر الحركة الإسلامية في المنظور الإسرائيلي (1)

ساهر غزاوي
في سلسلة المقالات هذه، التي تتزامن مع الذكرى الخامسة لتنفيذ القرار الإسرائيلي بحظر الحركة الإسلامية التي ترأسها الشيخ رائد صلاح، في 17/11/2015 بقرار من الحكومة الإسرائيلية، نستعرض صناعة أجواء الحظر منذ عام 1996، وهو العام الذي وقع فيه الانشقاق في الحركة الإسلامية على خلفية انتخابات الكنيست الإسرائيلي، لتسير الحركة في طريق خارج إطار اللعبة السياسية الإسرائيلية.
لقد ولّد المناخ الإسرائيلي العام، من معظم أطياف الخارطة السياسية الإسرائيلية من أعلى رأس الهرم إلى أسفله، أجواء تحريض عامة على الأقلية العربية الفلسطينية في البلاد عامة وعلى الحركة الإسلامية خاصّة، لتقدمها عن باقي الحركات والأحزاب السياسية في الداخل الفلسطيني بتبني أجندة ومشاريع الدفاع عن القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والهوية الدينية والقومية والوطنية. وأتبعت المؤسسة الإسرائيلية ذلك باتخاذ خطوات بين الحين والآخر لملاحقة الحركة الإسلامية، رغبة في الاستناد إلى قرائن تربط بشكل قوي بين الحركة الإسلامية والجهات التي تُعتبر حسب القانون الإسرائيلي معادية، سعياً منها لإيجاد مسوّغات تُجرّم نشاط الحركة الإسلامية وتخرجها عن قانونها. غير أنها فشلت في تقديم دليل قانوني يربط الحركة بأي عمل يمس أمنها ويستهدف مؤسساتها. لذلك لجأت إلى أنظمة الطوارئ التي ابتدعها الانتداب البريطاني في فلسطين سنة 1945، وذلك انطلاقا من استراتيجية مصلحة “أمن الدولة”، ومن منطلق الإيمان بمركزية استقرار الدولة وأمنها وسلطويتها كهدف أعلى. وهذه الاستراتيجية تؤكد أن نتنياهو عندما يشعر براحة سياسية يعود إلى مواقعه الأيديولوجية. فالحركة الإسلامية فاعلة منذ عشرات السنين دون أن تتعارض نشاطاتها مع القانون، ولكنه أخرجها عن القانون عندما سمح الواقع الإقليمي والدولي بذلك استنادا إلى قانون الطوارئ، كما سنبين لاحقا.

مدخل
في الحديث عن القرار الإسرائيلي بحظر الحركة الإسلامية، لا بدّ بداية من الإشارة إلى المنطلق الأساس للصراع العربي/ الفلسطيني مع الحركة الصهيونية، والذي تعود جذوره إلى ما قبل نكبة 1948 من حيث تأثيره على جميع صيغ تشكُّل الصراع في النواحي الاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي تشكل جملة من القضايا التي تعتبر بالنسبة للفلسطينيين مثابة تحدٍّ لهويتهم الدينية والوطنية والقومية. إذ أن هذا الصراع هو الصدام بين حركة استعمارية استيطانية تحولت إلى دولة يهودية إسرائيلية مع السكان الأصليين وانتمائهم الوطني كفلسطينيين، وليس صراعا وطنياً خالصاً بين مجموعتين وطنيتين.
إن فلسطين التاريخية، التي يظهر فيها الصراع بين حركتين وطنيتين، هي في الأساس قضية الصراع بين حركة وطنية فلسطينية، وهو ما يعكس مطالبة مجموعة السكان الأصليين بتقرير المصير، وبين مشروع استعماري مستمر، طَورَ على مر السنين قومية إسرائيلية يهودية محلية، والتي هي جزء من الاستعمار الغربي لمنطقة الشرق الأوسط الذي وصل إلى ذروته في مطلع القرن العشرين. وبدأ كمشروع استيطاني محض انتهى بعد قرن من الزمن بتغيير خطير في معنى الوجود اليهودي في فلسطين، المتمثل بكيان إسرائيلي استعماري يسعى للسيطرة على المجموعة الأصلية.
بعد قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، أصبح الفلسطينيون مواطنين في الدولة الإسرائيلية، وجزءاً متجانسا من نسيج المجتمع الفلسطيني بعامة، وبذلك كانوا جزءا فاعلا في مقاومة المشروع الكولونيّالي للحركة الصهيونية التي عملت على بناء دولة يهودية في فلسطين. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، وجد الفلسطينيون في الداخل أنفسهم على هامش اهتمامات المجتمع الفلسطيني، وعلى هامش تشكّلاته الاجتماعية والسياسية، وعلى هامش حركته الوطنية التي تشكّلت في المنفى والأهداف التي وضعتها لنفسها. هذا في الوقت الذي اعتبرتهم الدولة الإسرائيلية مواطنين من الدرجة الثانية من حيث تفضيلات الحكومة وحقوقهم الفردية والحقوق الجماعية لهم كأقلية فلسطينية. ولم يتغير هذا الموقع على الهامش الفلسطيني تغيّرا ملحوظا رغم بعض أشكال التواصل بين الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر منذ عام 1967. بل لم يتغيّر حتى عندما بدأ مركز الحركة الوطنية الفلسطينية بالانتقال إلى الضفة الغربية وقطاع غزة منذ ثمانينيّات القرن الماضي، مقتربا بذلك من الناحية الجغرافية إلى الفلسطينيين في الداخل. في المقابل تشكل المجتمع الفلسطيني في الداخل على هامش المجتمع الإسرائيلي كذلك، حيث أن الإيديولوجية الثانوية خلف بناء الدولة اليهودية واستمرار مشروع التهويد جعلا الفلسطينيين أعداء محتملين أبدا، يمثلون تهديدا للمشروع الصهيوني ويشكلون خطرا في طنهم على غيرهم، وجعلا منهم معيقا إستراتيجيا إزاء الهدف المتمثل في تحقيق الدولة اليهودية. وبذلك حسمت إمكانية تشكل الفلسطينيين كجزء من المجتمع الإسرائيلي، وظلوا أيضا على الهامش.
كان هذا مدخلاً مختصراً لا بد منه للحديث عن طبيعة المنطلق الأساس للصراع العربي/ الفلسطيني مع الحركة الصهيونية التي تعود جذوره إلى ما قبل نكبة 1948، قبل أن ننتقل إلى الحديث عن صناعة أجواء الحظر الإسرائيلي للحركة الإسلامية. (يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى