أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المشروع الإسلامي رحمة مهداة

د. أنس سليمان أحمد
تطل علينا ذكرى مولد الهادي محمد صلى الله عليه وسلم، وتتراءى أمامنا سيرة نبينا الكريم، ونحن نعيش في خضم المحن والابتلاءات المتتالية، ولأن مشروعنا الإسلامي هو امتداد لنبي الرحمة المهداة، جاء عليه الصلاة والسلام بالدين الحنيف ليكون رحمة عالمية مهداة لكل أهل الأرض، أبيضهم وأسودهم، غنيهم وفقيرهم، عربيهم وغير عربيهم، بل مسلمهم وكافرهم، إلا الكافر المحارب للمسلمين المؤذي لهم، ولأن الإسلام جاء ليرسي هذه الرحمة العالمية المهداة كي تحتضن كل الناس، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، فقد كثر الحديث عنها في القرآن والسنة، وكثرت التوجيهات القرآنية والنبوية التي تدعو كل المسلمين حتى قيام الساعة إلى التحلي بالرحمة فهماً وقولاً وعملاً ومعاملة وسلوكاً مع كل أهل الأرض، كي تتحول هذه الرحمة العالمية المهداة إلى حياة يعيشها الناس وينعمون بها وليس مجرد شعار يُقال على الألسن، أو مجرد قصيدة يتغنى بها الشعراء، أو مجرد خطابات يرددها السياسيون، أو مجرد أحلام يتوق إليها الفلاسفة، أو مجرد أماني يطمح إليها المستضعفون.
لكل ذلك، فقد جعل القرآن الكريم هذه الرحمة العالمية المهداة عنوان الرسالة المحمدية، كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهي ليست رحمة مهداة خاصة بالمسلمين، بل هي (رحمة للعالمين) بهذا التعبير العالمي الذي يحيط بكل الأرض ويحنو على كل فرد فيهم أينما وُلد، وأينما عاش، وأينما مات، ويسهر على همومهم، ويقلق على متاعبهم، ويسعى إلى ملء حياتهم بالقسط والعدل وتخليصهم من الظلم والجور ، ويجتهد لحل مشاكلهم سواء كانت مشكلة اقتصادية أو مرض أو ظلم أو عنصرية أو استبداد أو تخلّف، ويضمن لهم حرية الاعتقاد وحرية العمل وحرية التملك وحرية التنقل وحرية الرأي، وهاكم الصفحات المشرقة في التاريخ الإسلامي الطويل بمجده وعطائه كانت ولا تزال خير شاهد على ذلك، إلا من بعض الصفحات النادرة الشاذة التي صدرت عن أشخاص تغطوا بالإسلام كالفرق الباطنية أو شطحوا في فهم الإسلام كالخوارج، وإلا ما سوى ذلك فإن التاريخ الإسلامي ظل يقدم للعالم حضارة إنسانية عالمية أنجبت عشرات آلاف العلماء والباحثين والمخترعين في كل أصناف العلوم الدينية والكونية والإنسانية والأدبية ولا يماري في ذلك إلا كل جاهل بالتاريخ الإسلامي العظيم. وتعزيزاً لقيمة الرحمة العالمية المهداة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعرّف عن نفسه: (إنما أنا رحمة مهداة)، وعندما نتدبر هذا التعبير النبوي العظيم (رحمة مهداة)، ندرك فوراً أنها رحمة طاهرة شفافة تعطي ولا تأخذ، وتجود ولا تبخل، وتساوي بين كل الناس ولا تميّز بينهم، فهي “رحمة مهداة” بهذا التعبير البليغ وليست رحمة نفعية تسعى إلى المكاسب والأرباح وامتصاص عرق الكادحين ولعق دماء المنكوبين، بادعاء التعاطف معهم والسعي لإنقاذهم. ولذلك ومن باب تأكيد هذه الرحمة العالمية المهداة، نجد أن من أسماء الله الحسنى التي يرددها المسلم كل يوم عشرات المرات في البسملة داخل الصلاة وخارجها إسميّ “الرحمن الرحيم”، ونجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن في غير حديث أنه لا يستحق رحمة الله إلا من رحم عباد الله، كل عباد الله، بلا تفرقة عنصرية، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يُرحَم) ويقول صلى الله عليه وسلم: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وما أجمل أن نقف عند هذا التعبير في هذا الحديث الشريف: (في الأرض)، فهي دعوة نبوية كي نرحم كل من (في الأرض)، وليس من في أرض العرب فقط أو في أرض المسلمين فقط.
ومما يثير الانتباه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن براءته من كل من تجرد قلبه من الرحمة، وفي ذلك يقول رسول الله: (ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا)، وإلا أي مجتمع هذا وأية إنسانية هذه وأية حضارة هذه التي ضاعت فيها حقوق الصغار والكبار، وكم هو جميل أن نعرف أن رسول الله قد اختار ذكر الصغار والكبار في هذا الحديث، لأن الصغار قد تضيع حقوقهم بسبب ضعفهم لأنهم صغار، ولأن الكبار قد تضيع حقوقهم بسبب ضعفهم لأنهم كبار، ومعنى ضياع حقوق الصغار والكبار بسبب ضعفهم هو انهيار للمجتمع وتفكك للإنسانية وسقوط للحضارة وتسلط لشريعة الغاب على الحياة!! وهذه الرحمة المهداة العالمية التي يدعو إليها الإسلام هي رحمة واسعة شاملة تحيط بكل مخلوقات الله تعالى، وكم هي التوجيهات القرآنية والنبوية التي تدعو إلى الرحمة بالجماد والنبات والحيوان إلى جانب الرحمة بالإنسان، فإلى هذا يدعو الإسلام، وإلى هذا يدعو أبناء المشروع الإسلامي المستقى من قيّم الإسلام، وهذا يعني أننا يوم أن ندعو إلى المشروع الإسلامي فإنما ندعو إلى رحمة مهداة عالمية لا تعمر الدنيا إلا بها، ولا نفوز بالجنة إلا بها، وفي ذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل الجنة إلا رحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى