أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (38): ديمقراطية العصابات!.. السودان يدفع الجزية لإمبراطور بيزنطة

حامد اغبارية
في عصابات الإجرام العالمية، أمثال المافيا، المنتشرة كالنار في الهشيم في مختلف دول العالم، ومنها إيطاليا وروسيا والأمريكيتان واليابان والمكسيك وصقليا، يُتّبع أسلوب الابتزاز وفرض الإتاوات بقوة السلاح والترهيب والتهديد، والمتاجرة بالسلاح والمخدرات والسوق السوداء التي تعتمد على إقراض الأموال بفوائد عالية جدا. ولعل من أكثر ما يميز هذه العصابات وجود ما يسمى “ميثاق شرف” بينها (يمكنك هنا أن تضحك أو تبكي إن شئت) قائم على الصمت وحفظ الأسرار، حتى إذا شذَّ أحدٌ عن هذا الميثاق اتُّخذ القرار بالتخلص منه فورا بأية وسيلة من الوسائل. ومن الوسائل التي تتبعها العصابات للتخلص من “الخونة” التصفية الجسدية. وفي أحيان كثيرة تُمنح ضحية التصفية “حرية” اختيار الطريقة التي ستموت بها: إطلاق النار على رأسه، شنقه، شرب السم، الانتحار، الحرق، الدفن حيا تحت الاسمنت، السقوط من ناطحة سحاب، حادث سيارة، حادث طائرة وما شابه ذلك من الوسائل “الديمقراطية جدا”! أوليست الديمقراطية تعني “حرية الاختيار”؟؟؟
وإني لا أجد فرقا بين حال عصابات الإجرام هذه، وبين عصابات إجرام أخرى تطلق على نفسها اسم دول أو أنظمة حاكمة أو حكومات. بل إن الشبه يكاد يكون متطابقا إلى درجة تثير الدهشة. نجد هذا على شاكلة دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمشروع الصهيوني وروسيا والصين والهند ودول أوروبا. ولعله قد خطر لك الآن أن تسأل: وماذا عن الأنظمة العربية؟ لا! فالأنظمة العربية هي بمثابة “الجندي” الذي يعمل عند العصابة وينفذ أوامرها دون أن يناقش. وهي في نفس الوقت تفرد عضلاتها المافيوية على شعوبها فقط، لتشعر أو بالأحرى لتوهم نفسها أن لها قيمة. وكلما أوغل السيّد الواقف على رأس المافيا، التي تعمل عندها الأنظمة العربية “جنودا”، في إهانتها، هكذا توغل هي في قمع شعوبها. تقمعها وهي تقول لها: سأجلب لك الديمقراطية وأبشّرك بالعيش الرغيد. تجوّعها وهي تقول لها: بيننا وبين الديمقراطية المنشودة أن نسحق الرؤوس، ونسجن الأحرار، ونسفك الدماء! وكل هذا في خدمة السيد الأكبر حفاظا على الكرسي.
ولذلك وجدنا أشباه رجال في السودان يتحدثون إلى الكاميرات بلا خجل، عن نعيم الديمقراطية الذي ستُنعم بها على البلاد والعباد بأمر من أمريكا وسائر الأسياد، ولكن…. أيها الشعب، لا حرية ولا ديمقراطية دون ثمن. أيها الشعب؛ لا بد من دفع الجزية أولا.. فإمبراطور بيزنطة الحديثة؛ الإمبراطور الأحمر دونالد ترامب، يشترط على السودان دفع جزية بمبلغ 335 مليون دولار مقابل شطب اسمها من قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، حتى إذا دفعتْ ورُفع اسمُها من القائمة هلّت عليها الخيرات ونزلت البركات وعمت الأفراح والليالي الملاح، وأبحرت البواخر تحمل الكونتينرات المحشوة حشوا بالديمقراطية الأمريكية البيضاء!
أتعرفون ذلك التاجر اللص الذي كان يسجل الديون على الزبائن في دفتر الديون، ويضخّم المبالغ، ثم يبدأ بالمطالبة بـ “حقه” منهم مهددا بالتوجه إلى القضاء، ثم لأنه “ابن حلال” ولا يحب المشاكل، و”قلبه رحيم” و “يتفهم” أوضاع الناس، فإنه مستعد للقبول بنصف المبلغ المسجل في دفتر الديون؟ إنه نفس المشهد. هذه خاوة وتلك إتاوة خاوة. هذه جزية وتلك جزية، لا جزاهم الله خيرا.
وإن من الحق أن يتساءل المرء: ما العلاقة بين رفع اسم السودان من قائمة “الدول الراعية للإرهاب” وبين إحلال الديمقراطية في ذلك البلد الإفريقي المطحون؟ هل يريد هؤلاء الإمّعات أن يقولوا للناس إن “قائمة الدول الراعية للإرهاب” كانت تدوس على “كوابل” الديمقراطية” ولذلك لم يكن التيار يصل إلى السودان؟ إنها قمة الاستخفاف بعقول الناس! وإنها واحدة من أكبر الأكاذيب التي يسعى غلمان مافيا الدول “المتنورة” إلى تسويقها بين شعوبهم. لقد طال عمر هذه الكذبة وحان وقت قطع رأسها كما يقطع رأس الحيّة الرقطاء.
هل كانت عصابة العسكر التي خطفت أحلام الشعب السوداني عن هذا تتحدث عندما انقضَّت على الحراك الشعبي وحرَفت خط سيره، عندما وقف رجالها ببزاتهم العسكرية التي ربما لم تذق طعم معركة أو حرب في حياتها (اللهم إلا حروبها الطويلة ضد الشعب) وأفاضوا الحديث عن نعيم الحريات والديمقراطية؟ هل كانوا يقصدون أن واشنطن هي التي خططت لاختراق الإرادة الشعبية وأمرت العسكر باختطاف المشهد، كما حدث في مصر والعراق وليبيا واليمن وسوريا؟ هل أرادوا أن يقولوا للشعب: لن تروا الديمقراطية إلا إذا دفعنا الجزية لإمبراطور بيزنطة الجديد عن يدٍ ونحن صاغرون، وطبّعنا مع تل أبيب؟
نعم!
إنه كذلك.
فكل ما حدث ويحدث إنما هو في الأساس، وفي الدرجة الأولى، من أجل عيون المشروع الصهيوني الذي حلف أيْمانا مغلّظة قائلا: وحقّ العجل الذي يُعبد من دون الله؛ لن تضع الحروب والفتن أوزارها حتى يمتد مُلك بني إسرائيل من النيل إلى الفرات، ولن يهدأ لنا بال حتى نقف على أطلال خيبر، وإن هذا لن يتحقق إلا إذا خضع لنا العربُ وأصبحوا لنا أعوانا وخدما وحلفاء، بعد أن نجحنا في إقناع الدنيا بأنهم أعداء، وما هم كذلك في الحقيقة.
لكنَّ أحلام صهيون ليست هي وحدها التي تسعى لأن تتحقق. فالصليبية أيضا لها عندنا ثارات وأطماع، وهي كذلك تسعى إلى استعادة أمجادها الزائفة، فجعلت من أضاليل بني إسرائيل وأوهامهم وسيلتها إلى ذلك، فاجتمع هؤلاء وأولئك على هدف واحدٍ، ليس من طريق إلى تحقيقه إلا بتفتيت أمة الإسلام التي يشكّل العرب قلبها النابض، وإشعال الفتن فيما بين جيوشها وأنظمتها لإشغالها عن حقيقة ما يجري على خارطة الطريق التي وضعوها للوصول إلى هدفهم الأكبر، وهو الإعداد لعودة المسيح (الدجال) في آخر الزمان، بإقامة الهيكل المزعوم، ثم إنشاء مملكة الرب التي سيحكمون العالم من خلالها، ثم يعيش الأسد إلى جانب الخراف والأرانب. ولم نتنبّه نحن العرب والمسلمين أن المقصود بالخراف والأرانب هم نحنُ، وأن عيشنا مع الأسد إنما هو عيش الذل والتبعية والهوان والرعي في مزرعته، وأننا لن نكون متساوين (يومها لن تكون هناك ديمقراطية)، إذ سيبقى أسدهم أسدا ونبقى نحن خرافا وأرانب.
إن علينا أن نعي أن الذي حدث في السودان يوم خرج الناس إلى الشوارع وطالبوا بمطالب هي من حقهم، كانت بداياته شعبية محضة، ثم لما وجد أعداء السودان من خارجها، وعملاؤهم من داخلها أن الحراك أصبح قريبا من أن يحقق أهدافه أو بعضها، انقضّوا عليه من كل جانب. وتذكَّروا معي اللحظة التي أعلن فيها عن ذلك الجسم المشبوه الذي أطلق على نفسيه اسم “قوى التغيير” الذي تشكل كله من قوى علمانية فاسدة كانت طوال عمرها ترعى في مراعي أمريكا والغرب. وكان الهدف السيطرة على المشهد وحرف بوصلة الحراك الشعبي لصالح العسكر الذي انقضّ على مقاليد الحُكم، ثم أوهم الناس بحكومة مدنية اتضح أنها مجرد واجهة لتسويق الخيانة، وأنها في الحقيقة ليس فقط لا تملك من أمرها شيئا، وإنما هي الذراع الناعم في ماكينة العسكر، فهي شريك في الجريمة. وهكذا يتضح لك أنهم أطاحوا بنظام عمر البشير ليس لظلمه، وليس لبطشه، وليس لأنه كان السبب في تجويع الشعب السوداني وتقييد حرياته، وإنما لأنه نظام ظل يقول “لا” لأمريكا و “لا” للتطبيع مع تل أبيب، و “لا” للتمكين للمشروع الصهيوني في إفريقيا عن طريق السودان، وكان داعما للشعب الفلسطيني في قضيته. هل فهمتم؟؟؟ الشعب الفلسطيني!!!
ذات زمن كنا نقول إن السودان بمثابة السلة الغذائية للعالم العربي، وكان يمكن أن يتحقق هذا، ولكن أعداء السودان والأمة ضيّقوا عليه حتى تصحّر وبات لا يجد الفتات لإشباع بطون ملايين السودانيين. ثم أثاروا الفتن الدامية في دارفور وغيرها، ثم اقتطعوا من جسد السودان الحي دولة صليبية أطلقوا عليها اسم “دولة جنوب السودان”، ثم لما طالب الشعب بالعيش الكريم وخرج إلى الشوارع احتجاجا على الفقر والجوع والجهل والمرض إبان حكم البشير، دخلت المشهد أم أربع وأربعين (أمريكا) ومعها الحرباءة (الصهيونية) وحرّكت عملاءها “ليقودوا” الحراك الشعبي، تمكينا لعملاء بيزنطة من العسكر، بتمويل من “روتشلد”!!! وحدث الانقلاب الذي مكّن لواشنطن وتل أبيب النهش في جسد بلد مسلم آخر.
دفع السودان الجزية لإمبراطور بيزنطة الأحمر (ترامب)، وها هو الآن يحلم بالفردوس المفقود الذي ستحققه له تل أبيب من خلال علاقات سِفاح سينتج عنها مولود مشوّه.
لن يرى السودان أية ديمقراطية ولا يحزنون. وهل يمكن للديمقراطية أن تخرج من جراب حاوي العسكر أيها الجهلة؟
وهل الديمقراطية هي حقا من تريده الشعوب العربية والإسلامية؟ وهل هو طوق النجاة الوحيد؟ أم أنه دين إمبراطور بيزنطة الجديد الذي يريد فرضه على شعوب الأرض، كما فعل إمبراطور بيزنطة قسطنطين يوم فرض عقيدة الصليب على القطيع بالحديد والنار، بإيعاز من شاؤول الذي أصبح اسمه بعد ذلك “بولس الرسول”؟ ألم تسمعوا وتقرأوا ما قاله سياسيو أمريكا ودبلوماسيّوها من أن كذبة نشر الديمقراطية في الدول العربية (خاصة دول الربيع العربي) هي إحدى وسائلهم للوصل إلى أهدافهم؟
حان الوقت أن نضرب بالشواكيش والمطارق على وعينا ليستيقظ. فإن المستهدف هو الإسلام. وإذا كانوا اليوم يتحدثون عن “الإرهاب الإسلامي”، فإنهم سيتحدثون غدا وبصراحة وفجاجة ووقاحة عن “الإسلام الإرهابي”. سيخرجون علينا ذات يوم قريب ويقولونها صراحة: إن معركتنا هي مع الإسلام. وقد وضعوا لهذه المعركة خارطة طريق.
فمع مَن معركتنا نحن؟؟؟؟! وما هي خارطة الطريق الخاصة بنا إن لم تكن خارطة الطريق الربانية؟! ألا فاستيقظوا أيها النُّوّم!! وأفيقوا من الغفلة. فقطار الشرق يسير بسرعة، ولن ينتظر أحدا، لأنه لا توجد أمامه إلا محطة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى