أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

لماذا يصر إعلام السيسي على تجاهل التظاهرات؟

المتابع للقنوات المعارضة للنظام المصري في الخارج يستشعر من خلال تغطيتها الإعلامية لتظاهرات الـ25 من سبتمبر/أيلول التي جاءت تحت شعار “جمعة الغضب” أن نظام عبد الفتاح السيسي بات على بعد ساعات من السقوط المدوي، وأن التظاهرات عمت جميع شوارع وميادين مصر.
وفي الجهة الأخرى من يتجول في القنوات الرسمية أو الداعمة للسيسي فضلًا عن مواقعه الإلكترونية وصحفه بشتى أنواعها، يجد أن الشوارع خاوية تمامًا، حتى من المارة، وأن كل شيء على ما يرام، في محاولة للرد وتكذيب ما تبثه القنوات المعارضة.
ومن رحم هاتين الصورتين المتناقضتين تنشب الحروب الافتراضية بين أنصار هذا وذاك على منصات السوشيال ميديا، التي تحولت خلال الأيام الماضية إلى ساحة للتناطح بين الرافضين لأي نقد، أدبي كان أو مادي، لنظام السيسي والحالمين بثورة عارمة تقتلع جذوره من الأعماق.
لليوم السادس على التوالي خرجت العديد من التظاهرات في بعض القرى المصرية احتجاجًا على تردي الأحوال المعيشية والسياسات الخاطئة للنظام التي أفقرت المصريين، لكنها قوبلت بتصدٍ عنيف من قوات الأمن، ما أسفر عن سقوط قتيلين وإصابة العشرات فيما تم اعتقال عدد من المشاركين في تلك التظاهرات بحسب مصادر إعلامية.
التظاهرات خرجت عقب صلاة الجمعة في بعض المناطق النائية في عدد من المحافظات، بدءًا من القاهرة والجيزة، مرورًا بدمياط شمالًا وصولًا إلى سوهاج وأسوان جنوبًا، وفيما رفع المحتجون شعارات تطالب بإسقاط النظام، كانت هتافات أخرى تندد بالأوضاع الصعبة التي يحياها الشعب.
ربما لم تخلخل تلك الاحتجاجات أركان النظام حسبما تروح القنوات المعارضة، لكن في الوقت ذاته لا يمكن تجاهلها بالكيفية التي يسعى الإعلام المؤيد لترويجها، فالمقاطع التي تناقلتها منصات التواصل الاجتماعي تكشف بكل وضوح كذب ادعاءات وتضليل وسائل الإعلام المدعومة من السلطات الحاليّة حتى لو لم تكن مملوكة للدولة بشكل رسمي.
التساؤل الذي يفرض نفسه الآن: لماذا هذا الإنكار المتعمد لتلك الاحتجاجات الشعبية؟ ولماذا تتبنى وسائل الإعلام المختلفة (تليفزيون – صحف – صفحات إلكترونية) ذات الخطاب الموحد أن كل شيء تحت السيطرة والأوضاع “زي الفل”؟ لماذا تحارب السلطات لأجل ألا تخرج تلك المشاهد المنددة بالسياسات الحاليّة للأضواء وتفرض عليها تعتيمًا إعلاميًا غير مسبوق؟

جمعة الغضب
شهدت العديد من القرى والمناطق النائية في بعض المحافظات تظاهرات احتجاجية قليلة العدد نسبيًا، البداية كانت في ضاحية حلوان جنوب القاهرة، حيث رفع المحتجون شعارات تطالب برحيل السيسي، فيما أظهرت مقاطع مصورة قطع بعض المتظاهرين طريق الأوتوستراد في العاصمة قرب منطقة سجون طرة.
أما في محافظة الجيزة فكان الوضع أكثر سخونة، حيث شهدت قرى أم دينار والمنصورية والكداية ومنشية فاضل وكذلك في منطقتي كفر الجبل ونزلة السمان موجات من التظاهرات الاحتجاجية، سحبت زخم الحراك من تحت أقدام العاصمة، حيث ردد المتظاهرون هتافات تندد بالسياسات الحاليّة وتداعياتها على مستوى حياة الشعب.
وقد تصدت قوات الأمن للعديد من تلك التظاهرات، مستخدمة القنابل المسيلة للدموع لتفريقها، ما تسبب في سقوط قتيلين في مركز إطفيح بجانب إصابة آخرين، بينما نقلت وسائل إعلام محلية صورًا لبعض المشاركين في التظاهرات عقب اعتقال الداخلية لهم.
وفي المنيا خرج العشرات في تظاهرات متفرقة في بعض مدن المحافظة، أبرزها أمام مجلس مدينة بني مزار، فيما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لإسقاط صور السيسي من على جدران مجلس المدينة، الوضع ذاته تكرر في قرية البواريك بمركز المنشأة في محافظة سوهاج، وقرية منشأة العماري بمحافظة الأقصر، حيث رفع المتظاهرون شعار “ارحل يا سيسي”.
ومن الجنوب إلى الشمال، حيث تظاهر محتجون في بعض قرى ومدن محافظة دمياط، مرددين هتافات تطالب برحيل النظام ومحاسبة المتورطين عما وصل إليه الشعب من تردٍ على المستويات كافة، بينما تصدت قوات الأمن لتلك التحركات بالقوة ما تسبب في تفريق بعضها.
كما تحولت ميادين القاهرة الرئيسية إلى ما أشبه بثكنة عسكرية، حيث الانتشار الكثيف لقوات الأمن ومدرعات الشرطة وسيارات الإطفاء، تحسبًا لأي تحركات هنا أو هناك، فيما أعلنت وزارة الداخلية حالة الطوارئ القصوى، كذلك الوضع في الإسكندرية وعواصم المدن الرئيسية.

تجاهل فج
وفي الجهة الأخرى كان الإعلام الداعم للنظام في واد آخر، عازفًا على أوتار التضخيم والتفخيم والتأييد المطلق للرئيس، حيث تبنى الجميع خطابًا موحدًا ورسائل تحمل نفس المعنى والحرف تقريبًا، معظمها مذيلة بصورة السيسي ومكتوب عليها الهاشتاغ المروج له “معاك يا سيسي”.
وبينما كان الإعلام المضاد يتناقل عبر صفحاته وشاشاته مقاطع مصورة لتظاهرات الأمس موثقة بالصوت والصورة للزمان والمكان، كان المقابل تكثيف لنشر صور ميادين مصر الرئيسية وشوارعها وهي شبه خاوية تمامًا، تفنيدًا لما يبثه أنصار الفريق الآخر.
استدعى هذا التجاهل الواضح أجواء ثورة 25 يناير 2011، حين كانت الميادين تزخر بآلاف المتظاهرين بينما كان التليفزيون المصري ينقل بثًا مباشرًا واضعًا كاميراته فوق كورنيش النيل أمام ماسبيرو (مقر التليفزيون الرسمي المصري) لإيهام الشارع أن الأمور طبيعية وأن ما يقال بشأن التظاهرات ليس سوى اختراع لقناة الجزيرة بالخارج.
ورغم اعتراف بعض الإعلاميين الموالين للنظام الحاليّ وعلى رأسهم عمرو أديب الذي يعمل بقناة “إم بي سي مصر” السعودية، بوجود تلك التظاهرات وإن كانت قليلة العدد، فإن الآخرين سعوا بكل قوة لتكذيب تلك الحقائق من جذورها، الأمر الذي كان له تداعياته السلبية على مصداقية تلك القنوات ما دفع كثير من روادها إلى تتبع الحقيقة من القنوات المعارضة الأخرى أو على الأقل منصات السوشيال ميديا.
ومن الإستراتيجيات التي لجأ إليها الإعلام ومن يقف خلفه من الأجهزة السيادية في الدولة تصدير صور إيجابية من بعض القرى التي شهدت تظاهرات، حيث نقل قيام بعض سكانها برفع لافتات مؤيدة للسيسي لتبادر الكاميرات بالتقاطها لتكذيب ما يقال بشأن الاحتجاجات التي عمت بها، ليتم إزالة تلك اللافتات سريعًا بعد التقاط الصور، الأمر الذي أثار سخرية المتابعين على مواقع التواصل.

لماذا الإنكار؟
حرص نظام السيسي منذ إحكام قبضته على المشهد وتخليته للأجواء من كل الأصوات المعارضة والمنافسة على تصدير صورة دائمة للداخل والخارج أن كل شيء تحت السيطرة، وأن الشعب عن بكرة أبيه يقف خلفه ويدعمه في كل توجهاته، حتى لو كانت قاسية ومرهقة لكاهل الملايين من المصريين.
وساعد الإعلام الواقع في قبضة أجهزة المخابرات على تعزيز تلك الصورة لدى السيسي نفسه، فتصدرت أخبار الدعم والتأييد الصفحات الأولى للصحف والمجلات والبرامج الفضائية، وبات من المسلم يقينًا أن أي أصوات منددة لا تأتي إلا من الخارج، أما الداخل فالكل على قلب الرئيس يدًا بيد.
وعليه فإن أي احتجاجات من هذا القبيل تمثل صداعًا كبيرًا يضع النظام في حرج، وتجهض مساعيه طيلة السنوات الماضية، خاصة أنها وللمرة الأولى خالفت الخط المرسوم لها، فلم تعد تلك القادمة من العواصم الرئيسية باتجاه ميدان التحرير التي يتم التعامل معها أمنيًا وإعلاميًا بصورة معينة.
فالتظاهرات هذه المرة ضربت الإستراتيجيات الأمنية من حيث لا تتوقع، إذ تحولت القرى والنجوع والمناطق النائية إلى بؤر ثورية جديدة، تستقطب الكثير من الغاضبين، الأمر الذي يمثل، بجانب أنه نقلة نوعية في مسار الحراك، إرهاقًا كبيرًا لأجهزة الأمن التي حشدت كل قوتها في الأماكن التقليدية، الميادين والشوارع الرئيسية.
وفي الوقت الذي كانت كاميرات “صدى البلد” و”الفضائية المصرية” و”اليوم السابع” وهي وسائل إعلام مدعومة من النظام وداعمة له، تتمركز في ميدان التحرير لإثبات فشل دعوات التظاهر، كانت شوارع قرى أطفيح وأم دينار وبني مزار تزخر بالتظاهرات والهتافات التي تطالب الرئيس بالرحيل.
تصدير الصورة بهذا الشكل (وجود تظاهرات منددة بالسيسي ومطالبة برحيله ما يعني تصاعد تيار المعارضة للرجل) تغضب السلطات بشكل كبير وتضعه في حرج أمام مؤيديه في الداخل والخارج، لذا كان لا بد من الإنكار عبر العديد من الإستراتيجيات التي في أغلبها دعائية في المقام الأول.
ومما يكشف حالة القلق التي خيمت على النظام الحاليّ السماح بخروج العشرات من المؤيدين في تظاهرات داعمة للسيسي ترفع صوره وتهتف تأييدًا له في شوارع التحرير، تحت حماية قوات الأمن، وأضواء القنوات الرسمية والمواقع الصحفية، وهي السياسة المعتادة لدى النظام الحاليّ (التظاهرات والتظاهرات المضادة) الأمر الذي أكد للشارع كذب ادعاءات الخطاب الإعلامي الرسمي وأثار سخرية الكثير.
العديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية الساعات الماضية التي تأتي في معظمها في صالح المواطن كبعض التيسيرات في قانون التصالح على البنايات المخالفة – القانون الذي أشعل نيران الغضب داخل صدور الملايين من المصريين – فسرها البعض بأنها خطوة للخلف لامتصاص غضب الشارع فيما توقع آخرون مزيدًا من التراجع في ظل تصاعد الاحتجاجات وزيادة رقعتها يومًا تلو الآخر رغم القبضة الأمنية.
المثير للقلق لدى السلطات الحاليّة في الاحتجاجات الراهنة أنها لم تكن تحت عباءة جماعة الإخوان ولا تيارات الإسلام السياسي، وهي الشماعة التي كان يلجأ إليها النظام لإجهاض أي حراك ثوري في السابق، كما أنها لم تكن تظاهرات مؤدجلة تحت قيادة معينة يمكن استقطابها، فهي في مجملها تحركات فردية شعبية بسبب حالة الغضب والاحتقان جراء الوضع الكارثي الذي يحياه المواطن جراء السياسات المتبعة التي أثقلت كاهله بما لا يطيق.
وما بين التضخيم المطلق والتهوين المستمر تلقي تلك التحركات حجرًا كبيرًا في مياه الثورة الراكدة، في ظل نظام يعاني من تضخم الذات والتطاوس على المعارضين، لتبقى كل السيناريوهات مفتوحة، وبعيدًا عن مقاييس الجبر والهندسة والنسبة والتناسب بشأن ما يمكن أن تقود إليه تلك الاحتجاجات، فإن الثورات لا تعترف بمثل هذه العلوم الجامدة، فمن كان يتوقع ثورة يناير في ظل قبضة مبارك وحبيب العادلي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى