أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

إنه الطفل الملك…

د. نسرين حاج يحيى – محاضرة جامعية ومعالجة أسرية وزوجية
إنه الطفل الوحيد، ذلك الطفل الذي لا يهدد عرشه أحد ولا ينافسه أحد لا على المكانة ولا على المحبة ولا الرعاية ولا الدلال، كيف لا وهو المنفرد بهذه الأمور كلها بل وأكثر منها، فهو الوحيد لدى والديه ولدى أجداده وعماته وأخواله ولذا نجده محط اهتمامهم ومحبتهم وعطائهم الذي غالبا ما يكون بلا حدود!
وبسبب انفراد الطفل الوحيد بهذه الامتيازات فقد ظن معظمنا أنه ذلك الطفل المحظوظ السعيد لا محالة، حتى أن البعض ينظر إليه بأعين الغيرة والحسد متمنيا لو انه كان مكانه ليتمتع بكل النعيم الذي يحيط به، ولكن ترى هل هذه هي الحقيقة؟ وهل هذا الطفل هو أسعد من في الوجود؟ وهل انفراده في هذه المكانة تجعل منه محظوظا ممتلكا لكل شيء؟ أم أنه في واقع الأمر حاله كحال الملوك يظنون بأنهم يمتلكون كل شيء إلا أنهم يفتقدون الكثير ويعانون من كونهم ملوكا ليس إلا!، وإن كان حال هذا الطفل كحالهم فماذا يفتقد يا ترى بالرغم من كل البذل والعطاء المقدم له؟ وإن لم يكن غارقا بالسعادة كما ظنناه فمم يعاني؟ وكيف السبيل لمساعدته؟ وهل يجب أن نتعامل مع هذا الطفل بطريقة خاصة أم أن لا خصوصية لديه تستدعي منا أسلوبا مميزا في التعامل معه؟
طفل وحيد إذن، ولكنه يثير حوله الكثير من التساؤلات فتعالوا بنا نصحبكم عبر هذه السطور الى عالمه علنا باقترابنا منه نشاطره وحدته فنفهمه أكثر ونلامس مشاعره ونجد السبيل إلى التعامل الأمثل معه.
إذا أمعنا النظر إلى حياة هذا الطفل لوجدنا أنها في حقيقة الأمر ليست بالوردية كما كنا نظنها فبالرغم من كل ما يحصل عليه هذا الطفل لكونه وحيدا لعائلته، إلا أنه يفتقد الكثير بل نجده يدفع ثمنا باهظا في بعض الأحيان ليس إلا لكونه وحيدا، ويشير الاختصاصيون بهذا الصدد الى:
أولا: بالرغم من الاهتمام الكبير من قبل الجميع بهذا الطفل لكونه وحيدا إلا أن التمركز بنفس الطفل قد يكون له جانب معتم وخانق فهو محط أنظار الجميع ومراقبتهم ومتابعتهم له وبالتالي فله وفقط له توجه الملاحظات والطلبات والتوجيهات المختلفة مما قد يؤثر على الطفل سلبا.
ثانيا: في كثير من الأحيان يعاني الأب والأم من عدم وجود طفل آخر لديهما فنجدهما يقدمان للطفل بشكل قد يكون مبالغا به ليعوضا من خلاله ما انتقصاه معللين عطاءهم الزائد بأنه شرعي “فمن لهما غير هذا الطفل”. وهذا الأسلوب قد يضر بالطفل كثيرا فهو يحصل على كل ما يرغب به وما يريد وأحيانا أكثر مما يريد مما قد يجعل منه أنانيا فيظن مع الوقت انه يمتلك العالم وان الكل مطالب بخدمته وبتحقيق رغباته خاصة أن أحدا لم يضع حدودا لمطالبه ولم يسمع كلمة “لا” ولم يواجه الرفض.
ثالثا: لكل أب وأم توقعات من أبنائهما وأهداف يعيانها ويطالبانهم بتحقيقها كأن يكونوا متفوقين أو متعلمين أو مرتبين وغيرها كثير، والصعوبة بالأمر عند الطفل الوحيد تكمن بأن على هذا الطفل تحقيق كل التوقعات والأهداف الموضوعة وحده دون أن يقاسمه أحد بها كأخ أو أخت، وبما انه يحصل على كل شيء ويوفر له من حوله الكثير نجد أن التوقعات منه تكون كثيرة وأكثر من أي طفل آخر مما قد يثقل على كاهليه.
رابعا: غالبا ما يتعامل الأب والأم والبالغون المحيطون بهذا الطفل معه من منطلق القلق والذي يبلغ أحيانا الى درجة المبالغة والوسواس خاصة أنهم يخافون عليه كثيرا فلا “يوجد لديهم غيره”، ولذا يقدمون الحماية الزائدة لهذا الطفل مما يعيق استقلاليته ويجعله متكلا عليهم في كثير من الأمور ناهيك عن انه قد يعتقد أنهم يقومون بعمل كل شيء لعدم قدرته على أداء هذه الأمور وحده لذا فتكون احيانا شخصيته ضعيفة غير قيادية أو مبادرة، تجدر الإشارة انه في بعض الأحيان تطفو المشكلة على السطح اكثر عند مرحلة المراهقة عندما يتحول الطفل الى بالغ وهنا إما أن يبقى مدللا ضعيفا وإما ان يضطر الى التمرد والعناد الشرس أحيانا لكي يتحرر من حبال التعلق الزائد والإفراط في الحماية التي طالما زوده الأهل بها. يشار هنا إلى أن نتائج الأبحاث التي اهتمت بفئة الأطفال الوحيدين بينت أن هؤلاء الأطفال قد يكونون اكثر ذكاء ونجاحا من غيرهم اضافة الى كونهم قياديين ولكن قيادتهم لم تأت بسبب شعبيتهم وشهرتهم وإنما بسبب حبهم للسيطرة والتحكم بالآخرين.
خامسا: كون الطفل وحيدا بين الكبار يجعل منه منكشفا على هذا العالم أكثر مما هو على عالم الأطفال، لذا نجد أن لديه أحيانا صعوبة في الاندماج في الحضانة ثم البستان وأيضا المدرسة، خاصة وأن هذه الأطر تطلب منه النظام والالتزام بالحدود والقوانين التي سبق وذكرنا أنها لم توضع له من قبل المحيطين به غالبا.
سادسا: عدم احتكاك الأطفال الوحيدين مع أطفال من أبناء جيلهم او قريبين منهم في هذا الجيل يضعف من قدرتهم على اكتساب مهارات التواصل الاجتماعي وقدرتهم على حل الصراعات فالقرب وحتى الشجار مع أبناء الجيل الواحد يكسبهم هذه المهارات منذ الطفولة وتتطور أكثر عند البلوغ. فأثناء اللعب او التعامل مع الأطفال الآخرين يطور الطفل القدرة على تفهم الآخر واحترام رغباته وتقديم التضحية إضافة الى تطوير قدراته على إيضاح نفسه للآخرين وبيان رغباته وإرادته والإصرار على المواقف وعلى عدم التنازل او حتى التوصل الى حلول وسط كل هذه الأمور لا يمكن اكتسابها إذا بقي الطفل وحيدا وإنما حينما يتعامل ويحتك بالآخرين وبذلك يطورها ويعززها.
سابعا: مهما حصل الأطفال على الألعاب بكافة الأشكال والألوان والأحجام والأثمان لن يجدوا دائما المتعة في اللعب بها بمفردهم وإنما سعادتهم الحقيقية غالبا ما تكون عندما يتقاسمونها مع أطفال مثلهم والمؤسف أن الطفل الوحيد بالرغم من انه غالبا يحصل على كل ما يريد إلا أن الملفت ان اسمه أيضا يوضح بأي حال يكون في اغلب الأحيان فهو وحيد محتاج لمن يشاركه ويقاسمه ويكون معه ولا يجد دائما شريكا وصديقا.
ثامنا: يعاني الطفل الوحيد عندما يكبر حين يضطر الى الاهتمام وحده بوالديه فهو ملزم برعايتهما والاعتناء بهما ويشعر بفضلهما عليه الا انه وخصوصا في الحياة العصرية التي تجعل من الأبناء يبتعدون عن والديهم مما قد يجعل الوحيد مضطرا الى التنازل عن أحلام ومشاريع بسبب شعوره بالالتزام نحوهم ولكي لا يبقيهم وحيدين، هذا الحال ممكن ان يكون مختلفا لو ان هذا الطفل له اخوة وأخوات فهم سيخففون عنه الحمل ويحررونه ولو بشكل جزئي من المسؤولية والالتزام ولو بشكل مؤقت.
تاسعا: لعل أدق المعلومات هي تلك التي تم إثباتها على ارض الواقع ولذا فان الانعكاسات الاجتماعية والنفسية للطفل الوحيد الدقيقة يمكن ان نشاهدها من خلال التجربة الصينية فكما هو معروف فإن الصين منعت عام 1979 إمكانية إنجاب أكثر من طفل واحد للعائلة وتشير الأبحاث الواردة من هناك أن جيل الأطفال الوحيدين الذين وصلوا الى سن البلوغ يتميزون بالتفوق العلمي حيث أن أهلهم يطالبونهم بالتفوق الدائم لكنهم في الوقت نفسه يتصفون بالتعلق بالوالدين وعدم الاستقلال عنهم وحتى وجد بأنهم يعانون من الاستهلاك المرضي ومن الوسواس وحب التملك كما يتميزون بأنانيتهم ويعانون من السمنة الزائدة وعدم القدرة على تخفيف الوزن بالرغم من مبادراتهم للحمية التي غالبا ما تفشل بسبب النهم. وقد تفسر الخصائص التي ذكرناها سابقا سبب هذه السمات التي يتصف بها جيل الأطفال الوحيدين في الصين.
من المهم أن نؤكد بعد هذا العرض للخصائص الممكنة التي من شأن الطفل الوحيد أن يتسم بها أن هذه الصفات لا يمكن تعميمها على كل الأطفال الوحيدين فهنالك من الآباء والأمهات من هم على وعي ولذا يتعاملون مع ابنهم بشكل صحيح مما يجعل هذه الخصائص غير متوفرة في ولدهم بل ونجد أنهم من اسلم وأفضل الأبناء ولأن العيب غير مرتبط بالطفل نفسه وإنما بطريقة تعامل المحيطين به معه فإننا نقدم بعض النصائح التي قد تجعل من الطفل الوحيد أكثر سلامة وعافية وتميزا.
-إلى الأهل الذين يمتنعون عن الإنجاب عمدا وبسبب الاعتقاد أنهم بذلك يبذلون أكثر لطفلهم الوحيد ولا يحرمونه شيئا نطالبهم بإعادة النظر مرة أخرى بهذا التوجه خاصة بعد أن عرضنا حاجة الطفل لطفل آخر معه بل ولمدى إثراء هذا الطفل بوجود أخ له لذا فأفضل ما يمكن تقديمه للطفل الوحيد هو إخراجه من وحدته عن طريق الإنجاب مرة أخرى .
أما بالنسبة للأهل الذين منّ الله سبحانه وتعالى عليهم بنعمة ولد واحد ولكن تعذر عليهم الإنجاب مرة أخرى لأسباب صحية أو اجتماعية كالطلاق أو موت احد الوالدين ولا توجد لديهم مقدرة على الإنجاب مجددا فنقول في هذه الحالة بضرورة تشجيع الطفل على بناء جسور من الصداقة مع أبناء جيله ومنحه فرصة للتقرب منهم بل وفي بعض الأحيان على الأهل أن يكونوا فعالين ومبادرين للتقريب بين الأطفال وبين ابنهم كأن يدعوا أطفالا مثله إلى بيتهم او يمكنوه من الذهاب الى زيارتهم او حتى مرافقته الى أماكن وجود أطفال كالملاعب والحدائق والدورات والحضانة والمدرسة وغيرها. وان هذا الأمر لهو ضروري كما نوهنا من قبل ليس فقط لأنه يبدد وحدة الطفل وإنما لأنه يمكنه من اكتساب مهارات لا يمكن تعلمها إلا بالاحتكاك مع الآخرين وبالممارسة مثل: العطاء والتنازل والنقاش والحوار والثقة بالنفس وغيرها كثير.
-على الأهل تطوير وعيهم الذاتي بحيث يراقبون أنفسهم ويبحثون من أي منطلق يتعاملون مع الطفل فعليهم الامتناع عن التعامل معه من منطلق تأنيب الضمير لأنهم لم يقدروا أن ينجبوا غيره فان الطفل قد يشخص مشاعرهم هذه ويستغلها ليرغمهم على جميع مطالبه ويحاول بل وينجح المرة تلو الأخرى بعدم الانصياع لهم ولمطالبهم وللحدود والقوانين التي وضعوها له.

-على الأهل تشجيع الطفل على الاستقلالية والامتناع بقدر المستطاع من الحماية الزائدة وان يتحرروا من الخوف والقلق الشديدين، وان يحرروا من قيودهما هذا الطفل ليصبح أكثر استقلالية بعيدا عن الاتكالية والتعلق الزائد بهم وقد يساعدهم أن يندمجوا بنشاطات وفعاليات خاصة بهم وبهذا يملؤون فراغهم بأمور اخرى غير ابنهم ، وبهذا يكون له ولهم فرصة لكسب الاستقلالية ومنع التعلق الزائد.
– على الاهل الامتناع عن تضارب المواقف امام الطفل سواء فيما بينهم او مع المقربين من الطفل فمثلا يقول الوالدان لا والأجداد يقولون نعم. وهنا علينا أن نؤكد أن هذا يضر الأطفال ضررا شديدا فمن يحب ابنه وحفيده فعلا فليمتنع عن هذا لان الطفل يفهم من خلال عدم الحزم والتضارب وعدم التتابع في المواقف أن لا حدود لطلباته ولا قوانين يجب أن ينصاع إليها بل وانه يمكن أن يستغل هذا الأمر ليجتاز ويخرق هذه القوانين المرة تلو الأخرى مما قد يؤثر سلبا عليه الى المدى البعيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى