أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نفسي تدفعني إلى المعاصي

سوسن مصاروة
المعصية هي الامتناع عن السير مع سنن الكون، والتمرّد عليها، وبهذا يكون الإنسان خارجًا على مبادئ الخير، فيتعدى تلك المبادئ ويتحدى تلك الحدود التي حدّ الله سبحانه بها الأشياء (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ ورَسولَهُ ويتعدَّ حدودَه يُدخِلْهُ ناراً )(النساء14)، والإنسان العاصي لا يحترم تلك الحدود، ولا يعرف معنىً لها، ولا يميز بين حقائقها، ولا يقوّم نتائجها، فهو يتحدى ويتجاوز، ويمارس عدوانه على قانون الخير في الحياة، فالشرك بالله أساس المعصية ومصدر الجريمة قال تعالى (مَنْ يُشركْ باللهِ فكأنَما خَرَّ من السماءِ فَتَخْطَفُهُ الطيرُ أو تَهوي بهِ الريحُ في مكان سحيق).(الحج31)، ولذا كانت المعصية اسمًا يطلق على كل فعل يمتنع به إنسان عن موافقة إرادة الخير، المتمثلة في القوانين والأحكام الّتي جاء بها الدين وأدركتها العقول السليمة والفطرة النقية التي لم تمسها شوائب الضلال والانحراف.
المعصية هي الخروج على الطاعة بترك الواجبات وفعل المحرمات، والكل يبذل الجهود الضخمة من العلم والمال والطاقة البشرية الهائلة لمكافحة المعصية، الّتي تتمثل بالجريمة والرذيلة والانحراف ولكن دون جدوى، ودون نفع أو نجاح، فقد غدت الجريمة أبرز ظاهرة في حياة الإنسان وأعقد مشكلة في حياته، والسبب في ذلك يعود إلى فشل مناهج الإصلاح نفسها وعجز طريقة العلاج الّتي لجأ الإنسان إليها بعد خروجه على قاعدة القانون الإلهي. فمبدأ الإصلاح عندهم يقوم على قاعدة مهزوزة ويعتمد على نظرة خاطئة، ويتجه نحو غاية مرتبكة.

مَن منا لا يعصي الله؟

إن لم نكن جميعنا فأغلبنا عصاة مذنبون ولو كان الذنب صغيرًا. نحن لسنا ملائكة ولا نعيش في مجتمع ملائكيّ فالخطأ أمر جبليّ في ابن آدم، والنبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) رواه مسلم، والله تعالى يقول: “قل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ” (‏الزمر)‏.
إنها دعوة للإصلاح وتغيير المسار للالتحاق بركب الأبرار والصالحين، أمّا إن كنت ترغب في المعصية فهناك شروط لا بد أن تنفذها حتى يؤذن لك فيها.
أقبل رجل إلى الإمام إبراهيم بن أدهم فقال: يا شيخ إنّ نفسي تدفعني إلى المعاصي، فعظني موعظة.
فقال له إبراهيم: إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه ولا بأس عليك ولكن لي إليك خمسة شروط. قال: هاتها، قال الإمام: إذا أردتَ أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه. فقال الرجل: سبحان الله كيف أختفي وهو لا تخفى عليه خافية؟، فقال الإمام: سبحان الله، أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك؟ فسكت الرجل ثم قال: زدني. فقال الإمام: إذا أردتَ أن تعصي الله فلا تعصِه فوق أرضه، فقال الرجل: سبحان الله وأين أذهب وكل ما في الكون له؟، فقال الإمام: أما تستحي أن تعصي الله وتسكن فوق أرضه؟ قال الرجل: زدني.
فقال الإمام: إذا أردتَ أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه.
فقال الرجل: سبحان الله وكيف أعيش وكل النِّعم من عنده؟، فقال الإمام: أما تستحي أن تعصي الله وهو يطعمك ويسقيك ويحفظ لك قوتك؟ قال الرجل: زدني.
فقال الإمام: فإذا عصيتَ الله ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار فلا تذهب معهم. فقال الرجل: سبحان الله وهل لي قوة عليهم إنما يسوقونني سوقًا. فقال الإمام: فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك فأنكر أن تكون فعلتها.
فقال الرجل: سبحان الله فأين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون، ثم بكى ومضى وهو يقول: أين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون!!
إن كنت قادرًا على تنفيذ هذه الخمسة فاعصه يا مَن تدعوك نفسك إلى المعصية، وإلا فابكِ كما بكى ذاك الرجل وتذكر أنّ الله معك وتذكر الكرام الكاتبين والملائكة الحافظين والشهود الناطقين، واتقِ الله الذي تزعم أنك تحبه وفي الحقيقة أنت كاذب!!
تعص الإلهَ وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقًا لأطعته إن المحبَّ لمن يحب مطيـع
إنها كلمات أهمس بها في أذن كل عاصٍ وعاصية ولو كانت المعصية بذنبِ صغير، لا بدّ لك أن تتغيّر، أن تحوّل مسارك، أن تترك طريق الشيطان وتحذر من الوقوع في حباله، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به).
وقال ابن القيّم (.. وهلاكُ القلب من إهمالِ النفسِ ومن موافقتها وإتباع هواه) وقالَ: (… ترك المحاسبة والاسترسال وتسهيل الأمور، فإنَّ هذا يقوده إلى الهلاكِ، وهذه حال أهل الغرور، يغمض عينيه عن العواقب ويتكلُ على العفو، فيهملُ محاسبة نفسه والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعةُ الذنوب وأنِس بها وعَسُرَ عليه فِطامها، ولو حضره رشده لعلِم أنّ الحميةَ أسهلُ من الفِطام وتركُ المألوف والمعتاد).
هذه المعاصي هي بريد الكفر كما قال أحد الصالحين، وفي الأثر إن الله عز وجل قال: (إذا عصانا من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى