أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

وقعتُ بالفاحشة!!

سوسن محمد مصاروه
نحن في زمانٍ أصبح الحليم حيرانًا، نُسأل عن الزنا وكأنهم يسألون عن طاعات ونوافل (أحبه وأخرج معه لوحدنا ويحاول أن …)، (وقعت بالفاحشة بإرادتي، ماذا أفعل)، (زنيت وأخاف المجتمع…)، (الإدمان على المواقع الإباحية السبب المباشر للوقوع بالزنا، كيف أتركه؟)
ناهيكَ عن الخيانات الزوجية، والحديثُ موجّهٌ للرجال والنساء.
انّه رجسٌ وفاحشة مهلكة وجريمة موبقة، تنفر منها الطباع السليمة، جرائمه لا تقف عند حدّ وآثاره لا تنتهي، هو عين الضلال والفساد في الدين والأخلاق، وانتهاك للحرمات والأعراض واستهتار بالشرف والمروءة وداعية للبغضاء والعداوة.
قال أحد العارفين: (عارٌ يهدمُ البيوت الرفيعة ويطأطئ الرؤوس العالية ويسوِّد الوجوه البيض ويخرس الألسنة البليغة، ويهوي بأطوِل الناس أعناقًا وأسماهم مقامًا وأعرقهم إلى هاوية من الذلّ والازدراء والحقارة ليس لها من قرار، وهو أقدر أنواع العار على نزع ثوب الجاه مهما اتّسع، وهو لطخة سوداء إذا لحقت أسرة غمَرت كل صحائفها البيض وتركت العيون لا ترى منها إلا سوادًا حالكًا، وهو العار الذي يطول عمره، فقاتله الله من ذنبٍ وقاتلَ فاعليه).
نعم، انهُ الزنا أعظم الذنوب بعد الشرك بالله، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (ما من ذنبٍ بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة يضعها الرجل في رحم لا يحل له).
هذا عبد الله ابن مسعود يقول: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الذنب أعظم؟ قال: أنْ تجعل لله ندًّا وهو خَلقك. قلتُ: ثم أيّ؟ قال: أن تقتل ولدك من أجل أن يَطعَمَ معك. قلت: ثمَّ أيّ؟ قال: أن تُزاني حليلة جارك (رواه البخاري في الحدود).
وقد حذر الله تعالى من هذا الفعل الشاذ، بل إن الله حذَّر من الاقتراب من أسبابه فقال ” ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا ” (الإسراء 22).
وفي آية أخرى يتوعد الفاعل بالعذاب الشديد “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا” (الفرقان68).
نعم، آثامٌ وأوزار، بل إنه العقاب من الله في الدنيا فكيف سيكون في القبر وكيف هو يوم القيامة؟
هذا الذي خان الأمانة والميثاق الغليظ فاستأنسَ بالحرام وأدار للحلال ظهره ورضيَ لنفسه أن يتلوَّث بالحرام ليكسب الوزر مقابل لحظة شهوة عارمة!!
وذاك الذي خان عقد الأخوّة ورابط القرابة والجيرة فهتك العِرض بدافع شهوة شيطانية ساقته نحو الهاوية.
أتساءل كما يتساءل غيري من الغيورين على محارم الله، أين هؤلاء من تقوى الله والخوف من الله، ألم يقرؤوا قوله صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني وهو مؤمن..).
ألم يتمعّنوا في قوله صلى الله عليه وسلم (أُمرتُ أن أقاتلَ الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد حقنوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها. قيل: وما حقّها يا رسول الله؟ قال: زنى بعد إحصان وارتدادٌ بعد إيمان وقتل النفس ظلمًا وعدوانًا).
ألم يستشعروا عذاب الله وهم يرتكبون تلك الفاحشة؟
فلننظر أولًا في كتاب الله، نقرأ ما أعدّه الله من العذاب الشديد للزاني يقول تعالى ” الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (النُّور2).
ويقول في آية قد نُسخ لفظها وبقي حكمها “الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجُموهما البتَّة جزاءً من الله والله عزيز حكيم” أخرجه النسائي.
انه الوعيد والعذاب الشديد، فهذا النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول (… لم تظهر الفاحشة في قومٍ حتى يُعلِنوا بها إلا فشا فيهم الطاعُون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) رواه ابن ماجه، وصدق صلى الله عليه وسلم فما مرض الايدز والزهري والسيلان وغيرها إلا عقاب من الله لأهل هذه الفاحشة.
وبفعله هذا يستحق القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثّيب الزاني والنَّفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه.
والعقاب لا يقتصر على الفاعل بل ينال غيرهم فينزل غضب الله على قوم كثُر فيهم الزنا، فعنِ ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ظهر الزنا والربا في قومٍ فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله) (رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد).
وإذا أفلت الزناة من عقوبة الدنيا ولم يتوبوا فلهم في الآخرة عذاب أليم، وفي حديث سمرة بن جندب الطويل، قال صلى الله عليه وسلم(رأيتُ الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة… فانطلقنا إلى ثقب مثل التّنور أعلاهُ ضيّقٌ وأسفله واسع يتوقّد تحته نارًا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا فإذا خمدت رجعوا فيها، فيها رجال ونساء عراة. قلتُ من هذا؟ قال جبريل: هم الزناة…) رواه البخاري 1386.
في رحلة المعراج رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجالا بين أيديهم لحم سمين طيّب إلى جانبه لحم غثّ نتن، يأكلون النتن ويتركون الطيّب. قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء من يتركون ما أحلّ الله لهم من النساء ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم. ثمّ رأى نساءً معلقات بأثدائهن، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اللائي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهن.
وقال عبد الله ابن مسعود: (ما ظهرَ الربا والزنا في قرية إلا أذِن الله بإهلاكها).
ومن عقوبة الزنا أنه يجمع خصال الشرّ كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانيًا معه ورع ولا وفاء بعهدٍ ولا صدقٌ في الحديث ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله.
ومن عقوبته سواد الوجه وظلمته، وظلمة القلب وطمس نوره، وكآبة النفس وعدم طمأنينتها، ومنها قصر العمر ومحق بركته والفقر اللازم، وفي الأثر أن الله مهلك الطغاة ومُفقِر الزناة، وقيل في الأثر كذلك (بشِّر الزاني بالفقر والعمى ولو بعد حين)، وقيل (الزنا يورث الفقر)، وقيل (والزاني يُزنى به ولو بجدار بيته) فالزنا دَيْن، وأجاد من قال:
يا قاطعًا سبُل الرجال وهاتكًا سُبل المودةِ عشتَ غير مكرَّم
مَن يزني في قومٍ بألفي درهم في أهلـه يزني بغير الدرهم
إنّ الزنا دَينٌ إذا استَقرضتَه كان الوفا مِن أهل بيتك فاعلمِ
لو كنتَ حُرًا من سلالة ماجدٍ ما كنتَ هتّاكًا لحرمة مسلم
مَن يرضى هذا لأمِّه أو لأخته أو لابنته؟ أترضاه؟؟
إذًا كيف ترضاهُ لبنات الناس؟
ألا فلنتقِ الله ولا نجعل الله أهون الناظرين إلينا.
أيها العاصي، أيتها العاصية، سارعوا إلى التوبة كما سارع إليها ماعز بن مالك حيث أحرق الذنب قلبه فطلب من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُطهره، فرُجم حتى الموت، فقال عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم (لقد تاب توبة لو قُسمت على أمّة لوسعتهم، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها).
كفِّروا من ذنوبكم بالتوبة الصادقة الصحيحة الكاملة، وبكثرة الاستغفار باللسان مع القلب وأكثِروا من الأعمال الصالحة.
ربُّوا أبناءكم وبناتكم على الفضيلة والأخلاق، علِّموهم الإيمان منذ الصِغر ليختلط مع دمائهم ولحومهم، علموهم هذا حلال وهذا حرام ولا تُماروا في دينكم ولا تداهنوا.
سترنا الله وإياكم في الدنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى