تزينوا بمكارم الأخلاق يا جيل التغيير
صحيفة المدينة
اعلموا يا جيل التغيير أننا نعيش نحن وأنتم في زمان لن تسعوا فيه الناس بأموالكم، إذ أن هناك من يملك من الأموال أضعاف أضعاف ما تملكون، إلى جانب صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية وما دار في فلكها، فمعسكر هؤلاء يملك من الأموال ما لا قِبَل لكم بمنافسته فهم قادرون أن يدفعوا الملايين من الأموال للملايين من الناس لشراء ذممهم!! ولن تسعوا في هذا الزمان الناس بوظائفكم، فهي دنياكم محدودة، وإمكانياتكم معدودة، وما بين أيديكم من الوظائف أقل من عددكم، مما يؤكد أنه لا فضل وظائف عندكم حتى توزعوها على الناس، بينما غيركم وقد غرف من الدنيا حتى التخمة بل فوقها، يملك جيشا من الوظائف، وبات يستغلها بلؤم حتى يملك بواسطتها جيشا من الناس، حتى تصفق له، وتهتف باسمه، وتغرقه بعناقها المزيف أمام الكاميرات متى يشاء!! ولن تسعوا في هذا الزمان الناس بالمناصب والألقاب والأوسمة، لأنكم في الأصل تهربون من المناصب والألقاب والأوسمة، إذن كيف ستسعون الناس الذين هم رأس مال مشروعكم التغييري، وكيف ستصنعون منهم حاضنة شعبية أصيلة، تعطي ولا تأخذ، وتتهافت على التضحيات لا على المكتسبات، ويفرحها البذل والكرم ويزعجها دناءة الهمم، ويطربها التطوع والتصدق والوفاء، وتمقت الثرثرة وزخرف القول والمراء؟! إعلموا يا جيل التغيير أنكم لن تفلحوا بصناعة هذه الحاضنة الشعبية بعد توكلكم على الله تعالى إلا بمكارم أخلاقكم، فبقدر مكارم أخلاقكم تصنعون هذه الحاضنة الشعبية، فاذا كانت مكارم أخلاقكم هزيلة كانت حاضنتكم الشعبية هزيلة، وإذا كانت بين بين كانت حاضنتكم الشعبية بين بين، وإذا كانت عظيمة كانت حاضنتكم الشعبية عظيمه، ولذلك عليكم أن تعلموا أن من أخص مفاتيح مشروعكم التغييري هو إفشاء مكارم الأخلاق في صفكم وفي حاضنتكم الشعبية وفي واقع حياة كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، والويل لنا ولكم إن تركنا مجتمعنا في الداخل الفلسطيني نهبا للمجاهرات والمجاهرين دعاة الفوضى الجنسية والشذوذ الجنسي والتحول الجنسي، ومما يُستفاد منه في مشاهد الحديث عن مكارم الأخلاق ما رواه الأصمعي: (قال لي الرشيد: هل تعرف كلمات جامعات لمكارم الأخلاق، يَقِلُّ لفظها، ويسهل حفظها، تكون لأغراضها لَفْقا، ولمقاصدها وَفْقا، تشرح المستبهم، وتوضح المستعجم؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، دخل أكثم إبن صَيفيٍّ حكيمُ العرب على بعض ملوكها فقال له إني سائلك عن أشياء لا تزال بصدري معتلجة، وما تزال الشكوك عليها والجة، فأنبئني بما عندك فيها، فقال: أبيت اللعن، سألت خبيرا، واستنبأت بصيرا، والجواب يشفعه الصواب، فسل عما بدا لك.
قال: ما السُّؤدد؟
قال: اصطناع المعروف عند العشيرة، واحتمال الجريرة.
قال: فما الشرف؟
قال: كف الأذى وبذل الندى.
قال: فما المجد؟
قال: حمل المغارم وابتناء المكارم.
قال: فما الكرم؟
قال: صدق الإخاء في الشدة والرخاء.
قال: فما العزّ؟
قال: شدة العضد وثروة العدد.
قال: فما السماحة؟
قال: بذل النائل وحب السائل.
قال: فما الغنى؟
قال: الرضا بما يكفي، وقلة التمني.
قال: فما الرأي؟
قال: لبٌّ تعينه تجربة.
قال له الملك: (أوريت زناد بصيرتي، وأذكيت نار خبرتي….).
(وكان قسُّ بن ساعدة يفد على قيصر ويكرمه، فقال له يوما: ما أفضل العقل؟
قال: معرفة الرجل بنفسه.
قال: فما أفضل العلم؟
قال: وقوف الرجل عند علمه.
قال: فما أفضل المروءة؟
قال: إستبقاء الرجل ماء وجهه.
قال: فما أفضل المال؟
قال: ما قُضِيَ به الحقوق).
وهذا يعني أنكم بحاجة يا جيل التغيير إلى مكارم أخلاق حية تعيشون بها، وتعيش بكم، ولا ينفعكم مجرد التغني بمكارم الأخلاق كما تغنى بها الشعراء، ولن تنفعكم مكارم الأخلاق إذا ظلت علاقتكم بها عند حد الحديث عنها أو الكتابة عنها، بل أن تكون مسيرة مشروعكم التغييري ترجمة حية معاشة ومشاهدة وملموسة لمكارم الأخلاق، وتدبروا هذا القول الثريّ لأبي جعفر المنصور: (ما كان أحوجني إلى أن يكون على بابي أربعة، لا يكون على بابي أعفُّ منهم، قيل: من هم يا أمير المؤمنين؟ قال: هم أركان المُلك، ولا يصلح الملك إلا بهم، كما أن السرير لا يصلح إلا بأربع قوائم، فإن نقص قائمة واحدة عابه:
أحدها: قاض لا تأخذه في الله لومة لائم.
والآخر: صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي.
والثالث: صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية، فأني غنيّ عن ظلمهم.
والرابع: ثم عضّ على إصبعه السبابة ثلاث مرات، يقول في كل مرة: آه، آه، قيل من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد، يكتب بخبر هؤلاء على الصحة). ولذلك فأن مشروعكم التغييري سيظل جثة هامدة إن خلا من مكارم الأخلاق، ولن تدبُّ فيه الروح، ولن تسري فيه الحياة، ولن يستوي على سوقه إلا بمكارم الأخلاق، وأترككم مع هذا القول الكريم المفعم بالحكمة الذي يقول فيه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا يصلح الوالي إلا بأربع خصال، إن نقصت واحدة لم يصلح له أمره، قوة على جمع المال من أبواب حِلِّه، ووضعه في حقِّه، وشدةٍ لا جبروت فيها، ولين لا وَهْن فيه).



