أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الرز الاماراتي والرد الرمادي

توفيق محمد
قبل عقد من الزمن أو يزيد تلقيت دعوة من مؤسسة ثقافية إماراتية للمشاركة في مؤتمر إعلامي يمتد على عدة أيام، وفيه عدد من الورشات والمحاضرات والنشاطات، ويشارك فيه عدد كبير من الإعلاميين العرب من الدول العربية وإعلاميون أخرون من دول مختلفة، وطلب مني أن أرسل اوراقي الثبوتية بما في ذلك جواز السفر لإصدار تأشيرة الدخول، وتحديد موضوع المشاركة، وبعد إذ فعلت تلقيت اعتذارا من الجهة الداعية لأني أحمل جواز سفر إسرائيلي، ولكن اللافت أنه في نفس الأسبوع الذي وجهت لي فيه الدعوة كانت قد نشرت صحيفة “يديعوت احرونوت” خبرا عن مشاركة فريق سباحة إسرائيلي في مسابقة عالمية في دبي مرفقة بصورة تظهر العلم الإسرائيلي في القاعة في دبي، فصورت الخبر مع الصورة وأرسلتها الى الجهة الداعية المعتذرة، واتبعت ذلك بمكالمة هاتفية، كان فيها على الطرف الآخر موظف مصري بدا جد محرج وهو يعتذر لي ويقول:” معلش يا افندم أنا اسف جدا هيَّ الأوامر كدا” فتفهمت اعتذار الموظف وحرجه، ولم أعد أعوِّل بعد ذلك على أية دعوة صادرة من الامارات، وأصبح مكانها المباشر الحذف.
لذلك لم أعتبر الاعلان عن اتفاق السلام المزمع توقيعه بين دولة الامارات العربية وبين إسرائيل هذا الأسبوع مفاجئا لي على الأقل، ناهيك عن أن يكون مفاجئا لمجمل الناس، فحتى الإنسان العادي غير المسيس لم يكن بحاجة الى كبير جهد حتى يعي أن النظام الاماراتي على علاقة وطيدة مع إسرائيل وتنسيق أمني عالي المستوى، ليس منذ اغتيال محمود المبحوح يوم 19.1.2010 بل قبل ذلك بكثير، ولم نكن بحاجة الى كثير عناء لنعلم أن عددا من الدول الخليجية، بل والعربية عموما لديها علاقات غير رسمية ربما تفوق العلاقات الرسيمة مع إسرائيل، وتلك غير الرسمية ، ربما تتيح مجالا للعمل والتنسيق بحرية وأريحية أكثر من العلاقات الرسمية، فهي تتم خلف الأضواء وفي أجواء السرية المطلقة التي لا تلزم الأطراف بالكشف عنها لشعوبها تحت غطاء “الأمن القومي” و”مصلحة الوطن” !! خلافا للعلاقات الديبلوماسية المعلنة والمفتوحة والتي تقتضي شفافية في العمل والتخطيط والتبرير.
في تل ابيب خططت الحكومة الإسرائيلية لإسقاط ثورات الربيع العربي وأولها في مصر، وإجهاض ما أفرز من مجالس شعب وحكومات منتخبة، تعبر عن إرادة الشعوب العربية، ومن أبو ظبي كان تمويل هذه المخططات بمليارات الدولارات والخبرات الأمنية المستقدمة من كل الأماكن المعادية للعالم العربي والأمة الإسلامية عموما، وللتيار الإسلامي خصوصا وللإخوان المسلمين على الوجه الأخص لانهم أصحاب المشروع النهضوي الكفيل بإطاحة الظلم والعنت والقهر عن الامة وأصحاب المشروع التحرري من الاحتلالات المتنوعة التي تخضع المنطقة لها، وكان أول ذلك اعتقال كل القيادات الإسلامية والوطنية، وقيادات فلسطينية في كل من الامارات العربية المتحدة والسعودية على وجه الخصوص، وهم ما يزالون رهن الاعتقال والتعذيب، وكل ذلك يجري بالتوافق والتوازي مع السياسات الإسرائيلية تجاه نفس القضايا، والغريب أنه يجري بالتخطيط الإسرائيلي والتمويل الإماراتي والسعودي وبأيدي من أشبعونا كلاما فارغ المحتوى والمضمون والفعل عن الوطن والوطنية والحرية والعدالة والثورجية من القومجيين والشيوعيين والوطنجيين.
كتبت في تاريخ 13.6.2020 تعقيبا على مقال السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة الذي نشره في صحيفة “يديعوت احرونوت” ما يلي :” يوسف العتيبة يحذر اسرائيل من الضم، وهو يسوقها. يتحدث عن حكم ذاتي فلسطيني مطور وليس دولة، يتحدث عن علاقات دولته مع إسرائيل وعن البعثات الاسرائيلية فيها وعن الجالية اليهودية في دولته، ويتحدث عن مشروع توحيد الأديان المسمى بيت ابراهيم وفقه تبني الإمارات في نفس المكان مسجدا وكنيسة وكنيسا.
العتيبة “يحذر” اسرائيل من الضم ويقول إنه في حالة حدوثه فإن علاقات التطبيع مع دولته والمتوقعة مع دول عربية أخرى ستتضرر .
العتيبة يقول في مقالته إنه كان في الغرفة الشرقية من البيت الابيض ساعة إعلان صفقة القرن فهو إذا من عرابيها .
اما لماذا كتب العتيبي فلأنه أراد:
١. تسويق اسرائيل، الدولة ذات الإمكانات المتعددة والكبيرة في التكنولوحيا والاقتصاد والتي يمكن ان يستفيد من خبراتها وإمكاناتها العالم العربي… لدى الأمة العربية وترويض العقل الباطني لقبولها.
٢.يعتبر مقاله غير المسبوق بارومتر لقياس ردة الفعل لدى الشارع العربي نخبا وشعوبا عليه يبنى تنفيذ مخطط الضم فان تم يكون هو “البطل” الذي حذر اسرائيل بصريح العبارة ولكن الواقع العربي المترهل لم يدعم موقفه.
٣. إن تأجل الضم ستنسب الإمارات ذلك لجهودها عبر العتيبي ويصبح أكبر أعداء الأمة العربية والإسلامية بطلا قوميا فقد “أوقف” الضم..
تدعي الإمارات أن من مقتضيات اتفاق السلام المزمع مع إسرائيل هو وقف عملية ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لإسرائيل وموافقة أمريكا على بيعها صفقة أسلحة متطورة من ضمنها طائرات إف 35.
ورغم ان هذا الكلام هو خفض متدن ومنخفض للمطالب الفلسطينية وهبوط مريع في سقف المطالب الفلسطينية يحمل في طياته طي القضية الفلسطينية فبعد كانت المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة أصبح وقف الضم إنجازا يُسجل، وأصبحت المطالبة بحكم ذاتي أقصى ما تسوِّق الامارات للأمة، رغم ذلك فإن ادعاء وقف الضم غير صحيح، فنتنياهو المتغطرس أعلن مباشرة أنه لم يتفق على وقف الضم وإنما على تأجيل التنفيذ، وفيما يتعلق بصفقة الأسلحة، فرغم الهرولة الإماراتية التي يمكن أن تتبعها هرولات عربية فإن إسرائيل الرسمية وغير الرسمية تعتبر أن حصول الإمارات على صفقة أسلحة متطورة يشكل تهديدا لأمنها القومي، فهي تسعى الى سلام مقابل سلام محكوم للفوقية الإسرائيلية في كل المجالات، وللتفوق الإسرائيلي الاقتصادي والتكنلوجي الذي يجعل من هذه الدول أسواقا للاقتصاد الإسرائيلي، ومحميات أمريكية ما دامت تتوافق سياساتها مع الإرادة الامريكية والإسرائيلية، ولذلك فإن إسرائيل تتخوف من تحول الشعوب العربية على أنظمتها القمعية، وبالتالي تصبح الأسلحة التي في حوزتها أسلحة معادية تتهدد الأمن القومي الإسرائيلي، فهي تقيم هذه الأنظمة بما تستحق ولا تثق بها.
يحاول بعض من باتوا يهيئون أنفسهم وأحزابهم للجولات المكوكية في أبو طبي ودبي، للسياحة و”الرز” حسب المفهوم السيسي للرز المقارنة بين علاقات تركيا بإسرائيل والعلاقات العلنية المتوقعة للإمارات مع إسرائيل، وفي الحقيقة هم يعلمون ان الحكومة التركية الحالية ورثت هذه العلاقات عن الحكومات التركية “التقدمية” و” و”المتنورة” و “المتحررة” و “التحررية” وتتميز علاقتها -أي الحكومة التركية الحالية- منذ استلمت مقاليد الحكم في بلادها بالتوتر المستمر والندية ان لم يكن أكثر من ذلك في تعاملها مع إسرائيل، بينما الإمارات كسرت الإجماع الوطني الفلسطيني والإجماع القومي العربي والإجماع الديني الإسلامي فيما يتعلق بإقامة علاقات ديبلوماسية واتفاقيات سلام مع إسرائيل ما لم تقم الدولة الفلسطينية المستقلة، ولذلك لا تستغربوا ان سيلا من المقالات ستنشر في قادم الأيام وفي صحف اليوم أيضا تدافع موقف الإمارات عبر الدفاع عن الزيارات المتوقعة والمتبادلة للإمارات ومنها لبلادنا.
وعلى فكرة فان “الرز” الاماراتي كان قد شارك في الحملات الانتخابية الأخيرة للكنيست، ولذلك رأينا حتى الآن ردودا رمادية وباهتة على الإتفاق المتوقع من مكونات قابضي “الرز” الإماراتي تضمن استمراره ليس فقط في الحملات الانتخابية وإنما في غير ذلك من النشاطات، ولا تستغربوا أيضا ان يكون هذا الرز إفطارات رمضانية في الأقصى الذي تسعى الامارات والسعودية لوضع قدمها فيه بدل الرعاية الأردنية الهاشمية وهو ما يرفضه المقدسيون والفلسطينيون عموما والأردنيون ملكا ودولة وشعبا.
وسيكون أولئك من “التقدميين” و”الوطنيين” و “دعاة الحرية” وغير ذلك من المصطلحات التي أشبعونا كلاما فارغا منها، سيكون أولئك من كبار الداعمين لمن مول كل الحروب في الوطن العربي الكبير وصنع الفتنة في كل بقعة وزاوية وهرول الى حضن نتنياهو سيصطفون معه تحت مبررات اتفاقية السلام مع الأردن ومصر والعلاقة مع تركيا فلماذا يحل لهم ويحرم على الإمارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى