أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

عام هجري جديد ومنبر للأقصى جديد

الشيخ كمال خطيب

في مثل هذا اليوم 21/8 من العام 1969 كانت يد الحقد والشرّ، يد اليهودي الاسترالي “دينيس روهان” تشعل النار في المسجد الأقصى المبارك وتحديدًا في المنبر الذي قدّمه صلاح الدين الأيوبي هدية للمسجد الأقصى المبارك لمّا حرّره من الاحتلال الصليبي بعد هزيمتهم في حطين في العام 1187.
جاء حريق المسجد الأقصى المبارك بعد عامين من هزيمة وخزي الأنظمة العربية القومية في الخامس من حزيران 1967، وفيها تم احتلال غزة والضفة الغربية والقدس الشريف وهضبة الجولان السورية. ورغم الهزيمة وذلك العار إلّا أن “غولدا مائير” رئيسة وزراء إسرائيل كانت تظن أنه ما يزال في القادة العرب والمسلمين بقايا نخوة وآثار رجولة، وأن حريق المسجد الأقصى سيفجر فيهم تلك النخوة، لكن سرعان ما تبين لها عكس ذلك لمّا قالت “لم أنم تلك الليلة خشية من ردّ عربي وإسلامي، لكن ولمّا لم أسمع إلا بيانات شجب واستنكار اطمأن قلبي وهدأ روعي”.
كان الاحتلال الاسرائيلي للمسجد الأقصى المبارك عام 1967 هو الاحتلال الثاني له منذ الفتح العمري بعد الاحتلال الصليبي للقدس والمسجد الأقصى بدءًا من العام 1099-1187. لقد جثم الاحتلال الصليبي على صدر الأمة بفعل أمراء وملوك فاسدين متواطئين مع المحتل الصليبي للمسجد الأقصى المبارك، حتى أن الفاتح صلاح الدين قد جعل استراتيجيته لتحرير القدس والأقصى من أن البداية لا بد أن تكون من تحرير القاهرة من حكامها العملاء، وكذلك تحرير الشام من أمرائها العملاء وهذا ما كان.
كان القائد العظيم نور الدين زنكي وقبله أبوه عماد الدين قبل صلاح الدين قد بدأ بمشروع التحرير، وكان على يقين بأنه سينجز هذا المشروع حيث أمر ببناء المنبر الفريد ليكون هديته للمسجد الأقصى المبارك يوم تحريره من الصليبيين. ولأن حال الأمة وما هي عليه من ضعف وفساد كثير من حكامها وخذلان شعوبها، فقد رأى هؤلاء استحالة تحقيق هذا الهدف مع وجود أربعة عشر جيشًا أوروبيًا يجثم على صدور المسلمين في الشرق، حتى أنهم كانوا يسخرون من نور الدين زنكي الذي أمر ببناء منبر واستحالة الوصول إلى الأقصى كما كان قوم نوح يسخرون منه وهو يبني السفينة على الرمل في الصحراء، واستحالة أن يأتي يوم تركب فيه السفينة لأنها لا تمشي إلا على الماء، ومن أين سيكون الماء؟ وما عرفوا أنه سيكون طوفان وليس أي ماء. فكان نور الدين زنكي رحمه الله يرد على المثبطين والمخذلين والمشككين في إمكانية تحرير القدس والأقصى وإهداء المنبر كما كان نوح عليه السلام يرد على قومه {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}.
صحيح أن نور الدين زنكي قد مات رحمه الله قبل أن ينجز المشروع ويحقق الحلم ويقدم المنبر للأقصى هدية، إلا أن الفاتح صلاح الدين قد حمل الراية من بعده، وبدأ بتطبيق استراتيجيته بتحرير القاهرة أولًا من الفاطميين عملاء الصليبيين عام 1174، ثم تحرير دمشق عام 1180، ثم حلب 1183، ثم الموصل 1185، ثم القدس 1187. نعم لقد حرّر صلاح الدين فلسطين والقدس والأقصى بعد إذ خلع وداس بقدميه الأمراء الفاسدين الصالح إسماعيل وشاور، قبل أن يدوس على رقاب ملوك أوروبا أرناط ولويس وغيرهم.
لقد دخل صلاح الدين القدس ومعه العلماء والخطباء، وفيهم الخطيب ابن الزكي الدمشقي الذي لن نملّ من تكرار قصته وهو الذي كلّفه صلاح الدين بشرف إلقاء خطبة الجمعة الأولى على منبر المسجد الأقصى الذي حمله معه هدية للمسجد، حيث كان الخطيب ابن الزكي الدمشقي قد قال يوم فتح حلب قبل أربع سنوات من فتح القدس مبشرًا بقرب الفتح فقال لصلاح الدين:

وفتحكم حلب بالسيف في صفر مبشر بافتتاح القدس في رجب
ما أشبه الليلة بالبارحة، ها هو المسجد الأقصى والقدس يقعان من جديد تحت الاحتلال الصهيوني، وها هو المنبر يحرق مثلما كان يشرب عليه الخمر أيام الصليبيين، وها هم أمراء فاسدون متواطئون ليس فقط من ضاع الأقصى في أيامهم بل الذين ساروا على نهجهم أمثال السيسي وابن سلمان وابن زايد وبشار، ها هم ومثلما أقام أمراء ذلك الزمان تحالفات مع الصليبيين ها هم أمراء اليوم يقيمون تحالفات ومعاهدات واتفاقيات مع الذين يحتلون المسجد الأقصى المبارك كما فعلت الإمارات قبل أسبوع وبارك خطوتها ابن سلمان والسيسي.
ها هم الأمراء والزعماء العملاء وبدل أن يعدوا العدة لتحرير القدس والأقصى، فإنهم يتحالفون مع من يحتل القدس والاقصى ويتبجحون بأن هذه الاتفاقية ستتيح المجال لمسلمين كثيرين لزيارة الأقصى.
إن المسجد الأقصى لا يريدوكم سائحين وإنما يريدوكم فاتحين أيها العملاء الجبناء.

🔵 هلال رشد وخير
يوم أمس الخميس كان هو اليوم الأول من الشهر الأول من العام الهجري الجديد 1/محرم/1442. إنها إذن ذكرى هجرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة. إنها الهجرة التي ظاهرها الحزن والأسى والألم على ترك الموطن والبيت والأهل والعشيرة، لكنها التي كانت تحمل في ثناياها كل معاني النصر والفتح والفرج {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} آية 40 سورة التوبة.
من وسط العتمة والوحشة، من وسط الأسى على ظلم ذوي القربى، من وسط القلق والخوف ودموع الحب من أبي بكر رضي الله عنه تتنزل آيات الطمأنينة والثقة والسكينة {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}.
ها هو العام الهجري الجديد 1442 يهلّ علينا هلاله متزامنًا مع ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك ومتزامنًا مع ذكرى محرقة الغاز الكيماوي في غوطة دمشق يوم 12/8/2013 والتي ارتكبها الدموي بشار بحق أهلنا في سوريا بعد أسبوع واحد من محرقة رابعة والتي ارتكبها الدموي السيسي بحق أهلنا في مصر.
يهلٍ علينا هلال العام الجديد في أوج موجة من موجات العار والهوان العربي ولسان حال الشاعر الذي خاطب هلال محرم يومًا فإنه يخاطبه اليوم قائلًا:
ماذا سيروي في غدٍ أحفادنا عنّا أجبنا ياهلال محرم
أنت الذي شهد الجدود مجدهم وشهدتنا والمجد جدّ محطم
سيقال لو أن المؤرخ منصف هذي الشعوب “القيادة” لأحمد لا تنتمى
رضيت من الإسلام ظاهر لفظه ومن العروبة لهجة المتكلم
كنا سنام الكون كنا هامة واليوم صرنا منه دون المنسم

يهلّ علينا هلال محرم من العام الهجري الجديد 1442 حيث الأراذل يتطاولون على الشرفاء، والتافهون والسفهاء يتطاولون وينتقصون من العلماء، وحيث الأقزام يتطاولون على العمالقة.
يهلّ علينا هلال محرم وقد أصبح الخائن يتباهى بخيانته، بل إنها أصبحت وجهة نظر لا بد أن نحترم صاحبها.
يهلّ علينا هلال محرم والأمة بين اليأس والأمل، بين الإحباط والتفاؤل، بين الشك واليقين، وهنا ما أجمل رسالة الهجره {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
إننا ومع إطلالة هلال عام جديد فإننا سنتفاءل بإذن الله، ولن يكون لليأس في حياتنا نصيب، لأننا طلقنا اليأس والإحباط طلاقًا بائنًا لا رجعة فيه، وإنه إن شاء الله سيكون عام خير وليست سنة بلاء. ولقد توقف الأستاذ الفاضل حسان شمسي باشا على الفارق بين السنة والعام في القرآن الكريم، فقال:
قال تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} آية 14 سورة العنكبوت. كان من الممكن أن يقول الله تعالى تسعمائة وخمسون سنة فلماذا قال ألف سنة إلا خمسين عامًا؟! إن لفظ سنة تطلق على الأيام الشديدة الصعبة، فالله تعالى يقول {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} آية 47 سورة يوسف. بينما لفظ “عام” يطلق على الأيام السهلة، أيام الرخاء والنعيم، قال تعالى {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} آية 49 سورة يوسف. ولهذا يكون سيدنا نوح قد قضى ألف سنة إلّا خمسين عامًا، ولهذا فمن الأفضل أن نقول لبعضنا “كل عام وأنت بخير” وليس كما يقال “كل سنة وأنت طيب”.
وإننا مع إطلالة عام هجري جديد، متزامنًا مع ذكرى حريق المسجد الأقصى فإننا يغمرنا التفاؤل إلى حد اليقين أنه وكما انتهت تسعين سنة من الاحتلال الصليبي ثم جاء بعدها عام الفتح والنصر والفرح، فإننا بمثل ذلك التفاؤل واليقين فإنها سنوات الاحتلال الصهيوني ستنتهي وسيكون بعدها وقريبًا عام الفتح والنصر والفرج. وكما رحل الاحتلال الصليبي عن القدس والأقصى بعد تسعين سنة فإن الاحتلال الصهيوني سيرحل وقد مرّ عليه اثنتين وسبعين سنة.

إنه وكما الله سبحانه ردّ رسوله صلى الله عليه وسلم وأرجعه إلى مكة {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ} آية 85 سورة القصص، وإن كان ذلك بعد أحد عشر سنة. وكما أرجع المسجد الأقصى للمسلمين بعد تسعين سنة فإنه سيرجع لنا المسجد الاقصى من الاحتلال الإسرائيلي بعد اثنتين وسبعين سنة، وسيجمع شمل المسجد الأقصى مع شقيقيه المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وسيجمع شمل القدس مع شقيقتيها مكة والمدينة المنورة.
وإذا ظنّ ضعفاء النفوس من أصحاب الجلالة والفخامة والسموّ أن هذا هو الزمن الإسرائيلي، فإن عليهم أن يعرفوا أن عقلاء الإسرائيليين أنفسهم يقولون أن الزمن الآن وأن الدورة القادمة هي دورة الإسلام، وأن هؤلاء المتهافتين على إسرائيل سرًا وعلنًا ما هم إلا مثل الفراش الذي يتهافت على النار، وإنها حتمًا ستحرقه.
إنها القدس الطاهرة لا يحررها إلا الأطهار. إنها القدس الحرة لا يحررها العبيد. إنها القدس الشريفة لا يحررها العاهرون الفاسدون. وكما التاريخ كان يومها يكتب عن فترة الاحتلال الصليبي بقلم الانبهار والرعب ثم ما لبث أن قلم التاريخ قد كتب عن تلك الفترة بلغة الماضي والذكريات. فإنه التاريخ الذي يسجل اليوم بقلم الانبهار للاحتلال الصهيوني قد تصل إلى حد التبعية من أشباه الرجال كحكام الإمارات والسعودية ومصر، فإنه وقريبًا سيكتب التاريخ عن هذا الاحتلال بلغة الماضي.
إننا في مطلع عام هجري جديد هو العام 1442 فإننا على ثقة بإذن الله أنه قد اقترب الزمان الذي سنقدم فيه للمسجد الأقصى منبرًا جديدًا هو منبر الفتح والتحرير. وإذا كان بعض المأزومين والمهزومين يسخرون من تفاؤلنا، فإننا نقول لهم ما قاله نور الدين زنكي وما قاله نوح عليه السلام {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} آية 38 سورة هود. {وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} آية 122 سورة هود
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى