أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

يا فتاتي الغالية

أمية سليمان جبارين (أم البراء)
يا فتاتي الغالية!! هكذا أناديك عبر هذه المقالة سواء كنت ابنتي من صلبي، أو ابنة جيراني أو ابنة مدينتي أم الفحم أو ابنة مجتمعي في الداخل الفلسطيني، هكذا أناديك من أعماق قلبي مؤكدة لك أن قلبي عليك وعلى حاضرك ومستقبلك، وعلى مشوار حياتك الآن كعاملة أو متعلمة أو لامعة في اختصاص حضاري من دعائم نهضة حياتنا سواء كنت طبيبة أو مهندسة أو محامية أو إعلامية أو شاعرة أو رسامة أو باحثة أو ناشطة، ثم قلبي على مسيرتك القادمة كزوجة تشاطر زوجها هموم بناء بيتك وأسرتك متزودة بحنان الأمومة وأصول التربية وحسن فهم الواقع الشائك الذي نعيش فيه والذي بات فيه الحليم حيرانا.
يا فتاتي الغالية!! بداية أؤكد لك انني سأواصل الدعاء لك أن يحفظك الله تعالى بعينه التي لا تنام وبركنه الذي يضام فكم أنا وأنت، فقراء إلى حفظ الله تعالى حتى نصمد في وجه مخاطر الشهوات والشبهات التي باتت تلتف حولنا كالتفاف الإسورة حول المعصم، والتي تجرأت واقتحمت علينا بيوتنا وليلنا ونهارنا وغرف نومنا وطعامنا وشرابنا وخطابنا وسهراتنا، كاشفة عن أنيابها وطامعة أن تنهش مني ومنك أكبر قدر من ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية حسدا لنا وحقدا علينا وظنّا سفيها منها أنها ستجهز على هذه الثوابت الشرعية والوطنية، وستبقينا مجرد أشباح آدميين لها أشكال الآدميين ولا هوية لها ولا انتماء ولا قيم ولا أخلاق بل لا لغة لها، ولا صلة لها مع تاريخها وحضارتها، ولا وشائج بينها وبين ماضيها وحاضرها ومستقبلها وكأنها مخلوق فضائي غريب هبط فجأة على الأرض وبات عالة على أهل الأرض.
يا فتاتي الغالية، دققي النظر تحت قدميك وحولك وخلفك وأمامك وعن يمينك ويسارك، فستجدين أنهم قد نصبوا لك مليون مصيدة مغرية وخداعة، قد تظنين أن فيها كل سعادتك، ولكن احذري فقد تنتهي بك إلى ندم مر وبكاء طويل، وقد تظنين أن فيها حريتك ولكن احذري فقد تنقلب عليك أغلال تقيد عقلك وتأسر قلبك وتصادر إنسانيتك وتصفد إرادتك وتكسر قلمك وتحاصر حواسك وتشلّ قدميك ورجليك وتضع الغشاوة على عينيك وكأنه لا عقل لك تفقهين به، ولا عينين لك تبصرين بها، ولا أذنين لك تسمعين بها، وكأنك جسد بلا روح ولا قلب، ولا أحاسيس ولا مشاعر، ولا عواطف ولا وجدان، يا فتاتي الغالية!! ألا توافقين معي أنك إن جنحت إلى عالم الهواتف الذكية، وعالم مواقع التواصل وصفحات التواصل على شتى أسمائها بحلوها ومرها، وصالحها وطالحها، وخيرها وشرها، وما يعاب فيها ولا يُعاب، فسيتحول هذا الهاتف الذكي الذي تحملينه بين يديك إلى سلاح انتحار يدفعك – من حيث تشعرين أو لا تشعرين – إلى انتحارك البطيء، الذي قد يقتل فيك أصالة امتدادك الإسلامي العروبي الفلسطيني، وقد يفسد عليك عفاف أنوثتك وصفاء شرفك ونقاوة عِرضك، وقد يقتل فيك الاعتزاز بانتسابك إلى مريم العذراء وآسيا زوج فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة الزهراء وعائشة أم المؤمنين وسائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسميّه أم عمار، والخنساء أم الشهداء، وسائر حرائر الأمس واليوم والغد.
يا فتاتي الغالية!! ألا توافقين معي أن الوقت ليس أغلى من الذهب فقط، بل هو الحياة، ولذلك فإن وقتك أسمى من أن تبذريه جَوّالة بين الأسواق التجارية، وبين المطاعم والمقاهي، وبين قاعات اللهو وشواطئ البحار، وأسمى من تبذيره زهيدا رخيصا ضائعا حتى ما بعد منتصف الليل وأنت تنتقلين من شارع إلى شارع، ومن حارة إلى حارة، ومن دوار إلى دوار، وكأنك لا تعرفين عمّا تبحثين، أو كأنك تبحثين عن الوهم، الذي ما أفلحت أمة اتخذته فرس سيرها أو كأن وقتك صار عبئا ثقيلا عليك، فرحت تحاولين تمزيقه إربا إربا، وليتك لو تعلمين أنه ليس ملكا خالصا لك بل هو أمانة في عنقك من عند الله تعالى، ولن تزول قدماك يوم القيامة حتى تسألين عنه؟!! أحفظتيه أم ضيّعتيه.
يا فتاتي الغالية!! هل باتت اللغة العربية عارا في ذوق لسانك العربي أصلا، وفي همس شفتيك العربيتين أصلا، وفي نطق حنجرتك العربية أصلا؟!! وإلا كيف طابت لك نفسك أن تستبدلي خلال حديثك بمفردات اللغة العربية لغة القرآن مفردات هجينة للغات أخرى قد تكون عبرية أو إنجليزية أو غيرها؟! كيف طابت لك نفسك أن ترددي خلال حديثك بلا تلعثم كلمة (בסדר) أو كلمة (מעולה) أو كلمة (זמין) أو كلمة، (חומר) أو كلمة (כל הכבוד) … والأمثلة كثيرة، وبقدر كثرتها يشتد الوجع عليّ!! كيف طابت لك نفسك بذلك؟! ألا تعلمين ماذا تعني اللغة العربية؟! هي أجل لغة في الأرض وهي معقل هويتنا، وهي خزانة تاريخنا وحضارتنا، وهي شرايين التواصل مع شعبنا الفلسطيني وعالمنا العربي وأمتنا الإسلامية؟! يا حيف أن نتنازل عنها بعد كل ذلك، يا حيف أن نورّث أبناءنا لغة عرجاء متعثرة أجْهَز عليها لحن التقليد الأعمى وعقدة الخواجا.
يا فتاتي الغالية!! ما هي رسالتك في الحياة؟! وما هي غايتك فيها؟! أنا أربأ بك أن تكون رسالتك وغايتك فيها أكل وشرب ولهو وتفاخر بملابس تل- أبيب وأخواتها، وهرولة منفلتة إلى آخر صيحات تبرج باريس وأخواتها، ولهاث مهزوم وراء سلوكيات شاذة مصادمة لي ولك ولكل ثوابتنا الشرعية والوطنية في امتدادها الإسلامي العروبي الفلسطيني.
يا فتاتي الغالية!! جرح أرضنا يناديك، وأطلال النكبة تبكيك، ومأساة المقدسات تستغيث بك، وهَمَّ بيوتنا يستنجد بك؟! ألا تسمعين أنين بلداتنا المهجرة منذ نكبة فلسطين؟! هلاَّ أصغيت سمعك لأنين حق العودة، وأنين الشهداء والأسرى، وأنين القدس والمسجد الأقصى، وأنين النقب ومأساة أهلنا في المدن الساحلية، وأنين الجليل المسربل بالكلوم، وأنين المثلث المهدد بالضياع، وأنين غزة والضفة الغربية والشتات، وأنين المظلومين في كل أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي، وأنين المضطهدين في كل العالم. يا فتاتي الغالية!! إني أحبك في الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى