أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

مطلقون غير متزوجين!!

د. نسرين حاج يحيى- محاضرة جامعية ومعالجة أسرية
نعم مطلقون غير متزوجين!!!، لم نخطئ الطباعة ولم تخطئوا أنتم قراءة العنوان فنحن نطرح في هذا المقال ظاهرة آخذة في الانتشار في الآونة الأخيرة وهي ميل الشباب إلى الطلاق والانفصال قبل زواجهم أصلا، واللافت أن الكثيرين منهم ينقضون العهد الذي بينهم لأسباب “سطحية” فمنهم من يفسخ خطوبته لأنه لا يشعر باللهفة عند لقائه بخطيبته، ومنهن من تنفصل لأن خطيبها غير رومانسي، وهناك من يريد من خطيبته أن تكون “” open mind بمعنى “متحررة” لا تسأل كثيرا ولا تعاتب كثيرا ولا تقيد” وتمنح بحبوحة ومساحة من الحرية لـ “يتحرك” بها فيتحدث فيها مع من يشاء ويمازح من يشاء مؤكدا لها بدوره أن لا عليها فهو وإن تحدث مع أخريات فأنه دائما يعود للخطيبة!!! وسمعنا أيضا عن مخطوبات يتوقعن بالمقابل من الخطيب أن يكون “فرتيكا” فهذا الزمن ليس للخجولين!! والحياء فيه هو من الضعف برأيهن وهن أبدا لا يردن أن يكون الزوج المستقبلي ضعيفا بل اجتماعيا ذا قدرة على التعامل بشكل سلس مع المحيطين به ولكنهن حين “يصدمن” بالخطيب الهادئ السكوت يصبن بالذعر فيقررن الانفصال.
نعم هذه الأسباب وهذا التوجه استوقفني كباحثة في الأسرة العربية وكمعالجة أسرية وقررت أن اطرحه علنا نفهم أسبابه وتداعياته.
من الجدير أن نستعرض بالبداية الأسباب لتزايد هذه الظاهرة مؤخرا بنظري، ومن ثم سنتطرق إلى العوامل التي تستدعي فعلا أن نفكر مليا بالانفصال قبل الزواج.
أسباب تزايد في فسخ الخطوبة: أنسب هذا الأمر إلى عدة أسباب:
أولها: الإقدام على الخطوبة والارتباط بجيل مبكر، وحين تكون الفتاة والشاب غير ناضجين فكريا وعاطفيا وشخصيا وبالقدر الكافي، نجد أن متطلبات المخطوبين تكون طفولية، فكم من فتاة وافقت على الزواج لكي ترتدي فستان تشعر من خلاله أنها سندريلا أو لأنها تريد أن تكون من أوائل المخطوبات لتثبت لبنات صفها أنها سبقتهن في الخطبة، وبذلك فهي تثبت أنها “مطلوبة” وأنها الأجمل والأفضل ولا أنسى إحدى الفتيات التي قمت بتقديم المساعدة المهنية لها بسبب عنف زوجها لها والذي يكبرها ب 25 عاما!!! وقد وافقت على الزواج منه وهي لا تتجاوز الـ 17 عاما لكي “تستفز” و”تنتقم” لكبريائها بسبب تأجيل ابن عمها التقدم لخطبتها الأمر الذي لم يرق لها فـ “انتقمت” وقبلت بأول عريس تقدم لها ولا ندري هل انتقمت لنفسها أم من نفسها.
ثاني الأسباب للتزايد في فسخ الخطبة يعود للانبهار بالمسلسلات والأفلام العربية والأجنبية خاصة التركية منها. وهذه المسلسلات والأفلام تروج ليل نهار ولأشهر للعلاقات الشرعية وغير الشرعية وتصور للمشاهدين صورة مزيفة حالمة أقرب للمثالية للعلاقات بين الجنسين، وتصور الشاب كأنه يدفع الغالي والنفيس ليغازل الفتاة فيغدق عليها بأعذب الكلام ويتعذب ويعاني المسكين ليحظى بحب محبوبته ويقضي الأشهر بل والسنين وهو يحاول دون كلل أو ملل لكسب رضاها، فما حال المراهقات أو غير الناضجات وما سيحدث لهن وقد ارتفع سقف التوقعات لديهن وقد اختلطت لديهن مفاهيم الواقع والخيال؟ أي خطيب سيقدر أن يحل مكان البطل ويكون لها كما كان مهند لنور.
السبب الثالث لتزايد الإقدام على فسخ الخطوبة مرتبط بظني بثقافة الفيسبوك والتي تصب هي أيضا برسم صورة جزئية عن الواقع إن لم نقل خيالية مزيفة. ذلك أن متصفحي الفيسبوك بإمكانهم نشر صورهم الشخصية على حائطهم الفيسبوكي وغالبا ما تكون هذه الصور للحظات سعيدة مثالية، كذلك حال المخطوبين والمخطوبات الذين ينهالون علينا بكم كبير من الصور لكل صحن سلطة تناولوها ولكل مطعم زاروه ولكل هدية تلقوها، ناهيك عن كلمات الغرام وتعابير الحب الموثقة التي يشهد عليها كل الأصدقاء في الفيسبوك. وللأسف لا يعي الكثيرون من المخطوبين والمخطوبات خاصة غير الناضجين منهم أن الصورة “الفسيبوكية” للآخرين إنما هي بعيدة عن الواقع أو لنقل على الأقل أنها تمثل صورة جزئية منه فقط، فلا داعي أن تتحسر الفتاة على سبيل المثال لأن خطيبها لا يقوم بمثل ما يقوم به خطيب صديقاتها، ولتتذكر أن المخطوبات غالبا لن يكتبن أنهن يعانين من الخطيب أو أنهن في خلاف معه، أو لن يكتب أحد الشباب أنه نسي ذكرى ميلاد خطيبته أو أنه ليس وفيا لها.
إذا، نلخص أن الشباب اليوم يبني الصورة الخيالية للعلاقة الزوجية أيضا من الفيسبوك ولذا فمهما عمل الخطيب فستشعر الفتاة بأنه لن يصل للصورة المرسومة في ذهنها عن الشريك المثالي، ومهما اجتهدت فإن الشاب لن يرى بها تلك الأميرة التي يحلم بأن تكون زوجة مثالية له.
أما السبب الرابع بنظري لتزايد نسبة فسخ الخطوبة فهو مرتبط بالبعد القائم في عصرنا هذا بين الآباء والأبناء من جهة والبعد عن التربية للقيم من جهة أخرى، ويا حسرة على الجيل الذي ابتعدنا عنه ولم نحسن تربيته لأهمية القيم وأهمها قيمة العائلة والزواج والالتزام والتمسك بعلاقاتها، كيف لا والبعض من الآباء لم يقدر قيمة الزواج والالتزام لعائلته بنفسه، فكم من أب مخلص صالح يوجد اليوم؟!! حتى يتمثل الأبناء به ليصونوا زوجاتهم المستقبليات ويخلصون لهن! وكم من فتاة عاش أبوها وأمها في حالة استقرار لتكون هي أيضا مستقرة في علاقتها مع خطيبها؟! أظن أنهم قلائل وللأسف.
ومن المهم أن أنوّه هنا أن الخطبة هي ليست بالعقد الأبدي وإلا لما كانت خطبة، فهي خصصت لتكون فترة انتقالية يمكن الانسحاب منها، ولكنني أؤكد على أن الانسحاب لأسباب طفولية سطحية هو الأمر المستهجن في حين وجود أسباب منطقية أكثر يمكن بالتأكيد التفكير بالانفصال وسأبين ما هي برأي الأسباب التي تستدعي فعلا التفكير جديا بالانفصال.
1) العنف بكل أشكاله الكلامي النفسي الجسدي علما أن العنف الكلامي أو النفسي قد يكون مؤشرا للعنف الجسدي فيها بعد لذا من المهم الانتباه والوعي للأمر وعدم التهاون فيه.
2) الوسوسة والشك بحيث يشكك الخاطب بتصرفات خطيبته ونواياها وعلاقاتها ويظن أنها بعلاقة مع آخرين ويراقبها ويتبعها في كل مكان أو يطلب منها أن تقدم له التقارير حول كل خطوة تخطوها ويضعها بالامتحانات فيما تقول، معللا ذلك بحبه الشديد لها أو غيرته عليها.
3) التعلق الزائد بل والجنوني بحيث تريد المخطوبة تملك خطيبها ليكون لها وحدها ويريد الخاطب مخطوبته له وحده رويدا رويدا فيمنعها من التواصل مع الآخرين بحجة أنها له ولا يطيق أن تكون مع غيره حتى وإن كان أخاها أو أختها أو من أقربائها.
4) الطلبات غير الأخلاقية وغير الشرعية بما يتلاءم من عقيدتنا والتزامنا ومجتمعنا ولكي أكون واضحة في هذا الجانب أروي جانبا مما روته لي إحدى الفتيات عن خطيبها الذي أراد لها أن تقيم علاقات معه ومع أصدقائه (نسأل الله العافية) وكفى بذلك مثلا لأوضح مقصدي.
5) الخيانة والإهمال الزائد والرفض وعدم التواصل لأسابيع وعدم الرغبة في التواصل لأسابيع وعند وجود الاتصال يكون الخاطبان في حالة جفاء وجفاف مشاعر حاد لدرجة الرفض.
6) تدخل الأهل الزائد المبالغ فيه لدرجة أن للخاطبين لا يوجد أي مساحة من الحوار واتخاذ القرار وينبئ هذا بعدم قدرة الطرفين مستقبلا على الاستقلال وعلى تدخل الأهل الزائد والدائم مما يمنع وجود أي حميمية وقرب بين الأطراف.
7) البخل وأقول البخل المتجذر كطبع وليس الاقتصاد أو تأجيل الرغبات لظروف أو لترتيب الأولويات حتى إتمام الزواج.
هذه هي الأسباب الأساسية التي أظن والله أعلم أنها فعلا تجعلنا نعيد النظر بفكرة الزواج من شخص ما، أما دون ذلك فهي أمور يمكن العمل على إيجاد المبررات لها وفهم أسبابها والعمل على تحسينها وتطويرها وحتى علاجها إن استدعى الأمر، فعلى سبيل المثال هذا الشاب الذي يتهم بعدم الرومانسية من الممكن أن يكون خجولا في بداية العلاقة وملتزما عرفا ودينا ما يجعله متمسكا بالتوجه الأخلاقي فلا يريد أن يتمادى في العلاقة ليصون خطيبته، ويحرص عليها حتى يتم الزواج حافظا خط الرجعة غير متعد على الأعراف قبل الزواج. علما أنه حتى وإن كان الخاطب لا يملك القدرة على التعبير عن المشاعر، هذه مهارة يمكن تطويرها أو بمساعدة المخطوبة أو مثلا بالتوجه للاستشارة المهنية، ولكننا نؤكد أن كل هذا التفكير يحتاج لوعي ويحتاج لالتزام ويحتاج لصبر ويحتاج لنضوج ويحتاج لتكاتف الأطراف، ولكن السؤال أين نحن من ذلك؟ هل أبناؤنا أهل فعلا للزواج؟ وهل نعيبهم والعيب فينا؟ فللأهل أقول: لا تجعلوا هدفكم تزويج الأبناء فقط، وإنما تأهيلهم لبناء أسرة سليمة والفرق شاسع بين الزواج وبين بناء الأسرة الصالحة، فليس كل من تزوج بنى أسرة كهذه، وأسالوا أنفسكم هل هم أهل لهذه الأسرة ومن عليهم الارتباط به ليكون لهم العون والشريك في بنائها، عندها أنا على يقين أنه بإذن الله سنكون كأفراد وكعائلات وكمجتمع بأحسن حال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى