أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المسجد الأقصى في العقلية الصهيونية ومسائل الفرص التاريخية (7)

صالح لطفي-باحث ومحلل سياسي
يُلاحظ في الأشهر الأخيرة ارتفاع سقف الاستفزاز الإسرائيلي للمصلين في المسجد الأقصى المبارك، كما يلحظ التدخل السافر للشرطة الاحتلالية على بوابات المسجد وتدخلهم في شؤون المصلين، خاصة القادمين من الداخل الفلسطيني، والسؤال عن كيفية قدومهم ولماذا ومع من، والكثير من الأسئلة التي بتجميعها يمكننا أن نتوقع خطوة قادمة بائسة تنتظر المسجد الأقصى.
الاحتلال يستغل تداعيات وباء كوفيد 19 بشكل جيد لصالح تعزيز الوجود الاحتلالي اليهودي في المسجد الأقصى وعزل المسجد عن محيطه المقدسي والداخل الفلسطيني، ويباشر عمليات تصعيده هذه على ثلاثة محاور، محور يتعلق بالقيادة المقدسية ذات الصلة المباشرة مع المسجد كما هو حاصل هذه الأيام مع فضيلة الشيخ عكرمة صبري، ومنع العشرات من هذه القيادات من دخول المسجد بأوامر احتلالية تصدر عن الجبهة الداخلية، وهو عمليا ما يعني إقرار إسرائيلي ضمني أن القدس والمسجد تحت الاحتلال، وتكثيف الاقتحامات للمسجد في الفترتين الصباحية وبعد الظهر والاقتراب من صحن الصخرة والمسجد والجلوس امام مصلى الرحمة، كما حدث مثلا هذا الأسبوع، وهذا كله طبعا يتم في ظل حراسة شرطية مشددة ومعطف استخباراتي وعادة ما تتم اقتحامات من قبل رجالات جهاز المخابرات للمسجد والقيام بجولة “تفقدية” تتعلق ببناء تصور متقدم لكيفية الاستمرار أو/ و الانتقال الى مراحل أكثر تقدما في مسيرتهم الاحتلالية، وبين هذا وذاك يطمع الاحتلال أن تتعود العين الفلسطينية على مشاهد هؤلاء المقتحمين ظنا منهم أن عملية التطبيع البصري ستؤدي الى أثر نفسي يتقبل مع مرور الوقت، خاصة وأن من بإمكانه الاعتراض والوقوف أمام هذه السلوكيات إما تمَّ ابعادهم عن المسجد أو اعتقالهم أو ملاحقتهم أو إخراجهم خارج القانون كما حصل مع الحركة الإسلامية، والمحور الثالث يتعلق بالبلدة القديمة وتكثيف الوجود اليهودي ليشكل الغلاف المُحَاصِرْ للمسجد الأقصى، وهو ما تراه العين بوضوح هذه الأيام خاصة في المنطقة القريبة من المسجد الأقصى، فهناك العديد من البيوت والمحال التي كانت مغلقة لسنوات يفتتحها اليهود، إما أنهم اشتروا هذه المحال أو صادروها أو قاموا بعمليات تزييف واسعة النطاق وقد بات معلوما أن الامارات العربية وشخصيات فلسطينية متورطة بأعمال البيع هذه، عِلما أن البلدة القديمة معظم بيوتها وقفية لا يجوز بيعها أو شرائها وهو مؤتمنون عليها، ويرافق هذه الخطوة خطوة لا تقل خطورة تتعلق بالحفريات في محيط المسجد الأقصى، فمنذ سقوط حجر من الحائط الغربي قبل عامين ودائرة الآثار الإسرائيلية ومعها العديد من الجمعيات تحت مظلة الترميم للحائط، تقوم بعمليات الحفر وتحت مظلة التنقيب عن الآثار اليهودية في منطقة القصور الاموية تتم أكبر عمليات الحفر تحت هذه القصور، التي نعلم جميعا أنها تشكل الامتداد الطبيعي للمسجد الأقصى المبارك من جهته الجنوبية وكانت السلطات الاحتلالية في أكتوبر/ تشرين أول من عام 2017، افتتحت “مطاهر الهيكل” في هذه القصور بحضور رئيس البلدية آنذاك الليكودي نير بركات ومعه قيادات الأحزاب اليمينة الدينية وعضو الكنيست من الليكود آنذاك الحاخام يهوذا غليك.
تقوم السياسة الاحتلالية في القدس والمسجد الأقصى على قاعدة واحدة ووحيدة اسمها “قاعدة القوة”، فهي برسم القوة والبلطجة والجبروت تفرض واقعها الذي تريد، ثم تطالب الاكاديميين من مؤرخين وعلماء آثار وعلماء في التناخ العمل على كتابة السردية المطلوبة والتاريخ المطلوب، ولو وهم يعلمون أنه مزيف وغير حقيقي، هكذا فعل من علمهم السحر أول مرة كبير سحرتهم بن غوريون يوم أراد الجلوس مع لجنة بيل فطالب علماء التاريخ بتسليمه رواية تاريخية عن وجودهم على هذه الأرض خلال فترة قصيرة ليتقدم بدراسته هذه الى هذه اللجنة لإثبات اغتصابه لهذه الأرض وتحويلها الى حق تاريخي.
أوسلو فرصة الاحتلال التاريخية التي لن تتكرر
كل من يحلل اتفاقية أوسلو سيجد أنها كانت هدية للاحتلال الإسرائيلي، وبغض النظر عن خلفيات وأسباب هذه الاتفاقية التي اعتقد جازما أنها انقذت منظمة التحرير وبشكل أدق فتح الخارج، فالذي لا شكَّ فيه أن الاحتلال الإسرائيلي قد خرج رابحا من هذه الاتفاقية مرحليا واستراتيجيا، فلم تفلح المنظمة أن تنتزع من إسرائيل اعترافا بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 بل قدم الاحتلال لها هدية الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطيني (من المؤسف انه لم يتم الاتفاق بين الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين في تلكم اللحظات التاريخية الحاسمة من تاريخ القضية الفلسطينية ومستقبل القدس والاقصى على الكثير من الخطوات، فقد طغى على منظمة التحرير بقيادة فتح مسألة الاستئثار بالسلطة والهيمنة على القرار الفلسطيني، وفقط من أجل المقاربات التاريخية ليفهم القارئ الكريم والقارئة الكريمة كيف تضيع الفرص التاريخية، في عام 1938 تم اتفاق سري بين قوات الهاغاناه التي كانت تحت إمرة الهستدروت وقيادة بن غوريون والاتسل الذي كانت تحت امرة الجناح الإصلاحي في الحركة الصهيونية على التزام الاتسل بالخط العملياتي الذي يقوم به الهاجاناه والتي تعني الامتناع عن كل خطوة لا تعتبر ضمن حدود “الدفاع” عن “اليشوف العبري”، وكانت هذه الاتفاقية في ظلال المفاوضات مع لجنة بيل التي سعت لفحص سبل قيام الدولة العبرية، وكلنا يعلم النتائج النهائية لهذه الاتفاقية بغض النظر عن الصراع الأيديولوجي بينهما قيام إسرائيل).
لقد ضيعت منظمة التحرير أغلى ما كان يملكه الشعب الفلسطيني من رصيد انتفاضته إلزام الاحتلال الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبحقه في دولة مستقلة كما طالبت على حدود عام 1967، وفي قراءاتنا لبنود الاتفاق سيتبين حجم الجريمة التي ارتكبتها نظمة التحرير بحقنا كفلسطينيين في كافة أماكن تواجدنا، ولا شك عندي أنه سيأتي اليوم الذي ستحاكم فيه هذه الاتفاقية، فمحكمة التاريخ كلما تأخرت كانت أحكامها أكثر قسوة وشدة. لقد استثمرت إسرائيل جيدا اتفاقية أوسلو خاصة في نجاحها بانتزاع اعتراف فلسطيني بترحيل القضايا المصيرية الى الحل النهائي الذي لن يأتي وفي مقدمتها قضايا اللاجئين والقدس.
استغل الاحتلال تأجيل وترحيل ملف القدس لفرض سياساته شبه النهائية كأمر واقع في المدينة المقدسة، فبعد أقل من ثلاثة سنوات على توقيع الاتفاقية افتتح الاحتلال نفق ما يطلقون عليه “نفق الحشمونائيم” عام 1996 ( الرواية الإسرائيلية تتحدث عن انهم ابلغوا الأوقاف بفتح النفق وذلك يوم ان كان بيرس رئيسا للوزراء وشاحل وزيرا للأمن الداخلي -انظر كتاب الوضع القائم ومراحل التغيير في الحرم لشريف، 2016،ص48- الكتاب باللغة العبرية)، والذي أدى الى اندلاع مواجهات بين الفلسطينيين وكانت النتيجة النهائية والمحصلة التي سعى الاحتلال لتحقيقها، بقاء النفق مفتوحا، ولقد افضى الامر الى بقائه مفتوحا بحيث اصبح واقعا يجب الاعتراف به من جهة، وأسس لمرحلة جديدة قوضت أركان الوضع القائم تاريخيا المعروف بستاتوس كفوو، وذلك بأن تحول الاحتلال الى لاعب مركزي داخل المسجد الأقصى المبارك (ثمة حاجة تاريخية لسرد التطورات التي حدثت في المسجد الأقصى منذ مطلع التسعينات والى هذه اللحظات لاكتشاف سياسات الاحتلال ووضع سردية حقيقية للإسرائيليين يمكن بناء عليها التكهن بسياساتهم المستقبلية ووضع كافة السيناريوهات للتعامل معها على أسس علمية وعملية).
ملاحظة تاريخية… بدأت عملية التمهيد للسيطرة على المسجد الأقصى منذ اللحظات الأولى لدخول الحركة الصهيونية البلاد فقيادات الحركة الصهيونية في الثلث الأول من القرن السالف كانوا على دراية تامة بحساسية الوضع في المسجد الاقصى المبارك، رغم أن سبب وجودهم متعلق باليهودية كدين والقدس كموروث تلمودي يجب العودة اليها لتحقيق السيادة اليهودية. المؤرخ الصهيوني ايلي كوهين يقول: “قيادات الحركة الصهيونية كانوا على علم بحساسية أن يطالبوا بالأماكن اليهودية المقدسة الموجودة تحت سيطرة المسلمين (يقصد المسجد الأقصى) لذلك ففي الاتفاق المبرم بين فيصل وفايتسمان الموقع في يناير من عام 1919، تم التأكيد على أن الأماكن المقدسة الإسلامية تبقى تحت السيادة والسيطرة الإسلامية، وفي عام 1931 أصدرت الوكالة اليهودية كراسا باللغة العربية أكدت فيها أن ليس في نية اليهود السيطرة على الأماكن المقدسة في القدس- راجع: هلل كوهين: الحركة الصهيونية وجبل الهيكل، الحركة القومية الفلسطينية والمسجد الأقصى رؤية مقارنة، مجلة “همزراح هحداش” 2018.
في هذا السياق تتأكد الحاجة الى دراسات دقيقة وفاحصة لتطور الموقف الصهيوني العلماني اتجاه القدس والمسجد الأقصى، والى هذه اللحظة التاريخية، وكيف ولماذا ضيعت نظمة التحرير في اتفاقية أوسلو فرصتها التاريخية لإقرار وانتزاع اعتراف إسرائيلي نهائي بحق الفلسطينيين والمسلمين على المسجد الأقصى، تمشيا مع الاتفاقيات التاريخية الموقعة مع الحركة الصهيونية، أقول هذا كما يفترض أنه يتمشى مع هذه الصيرورة التاريخية من المفاوضات مع الحركة الصهيونية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ترى ماذا ستقول الأجيال القادمة من ابناء شعبنا في اتفاقية ضيعت القدس والاقصى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى