أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

رسالة المسجد الأقصى في عيد الأضحى

د. أنس سليمان أحمد
لا يزال الشعراء ينشدون بإسمي ناقلين أوجاعي وأحزاني إلى كل حر وحرة من الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، فمن منشد منهم بإسمي:
كل المساجد طُهّرت وأنا على شرفي أدنس
ومن منشد منهم بإسمي غاضباً:
أنا ثالث الحرمين لا أبغي سوى أن تستحي من نكبتي يا أمتي
ومن منشد منهم بإسمي ثائرا:
إن اللئام بساحتي فعلوا خسيس الفحش والإفساد

أنا المسجد الأقصى الذي لا يزال يلهج بإسمي أحبابي الصغار والشباب والرجال والنساء مرددين من مشرق الشمس حتى مغربها: “بالروح بالدم نفديك يا أقصى” معلنين بهذا النداء العالمي الخالد العابر للقارات والحدود واللغات: أنني أحب إليهم من من أرواحهم ودمائهم، وهو إعلان حب لي وشوق إليّ ووحدة مصير معي، وليس كما شوّه المشروع الصهيوني معنى هذا النداء وإدّعى زوراً وبهتانا عبر أبواقه السياسية والمخابراتية والعسكرية والقضائية والإعلامية أن هذا النداء الأبيّ يحمل في طياته التحريض والإرهاب والعنف، وهل كان حبي في يوم من الأيام تحريضاً أم كان الشوق إليّ إرهابا أم كانت وحدة المصير معي عنفاً!! ولكنها وقاحة المشروع الصهيوني التي لا استغربها عليه!! فهو الذي بسط ذراعه الاحتلالية وجثم على ترابي المقدس العابق بنفس الأنبياء وبنفس خاتمهم المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم!!
وهو المشروع الصهيوني الذي عبث بسجل تاريخي المحفوظ تحت ساحاتي ومصلياتي وحفر بلا توقف فيه ظنا منه أنه سيجد له ذكراً في هذا التاريخ فلم يجد له في صحف هذا التاريخ العريق ولو حرفاً يشير إليه!! وهو المشروع الصهيوني الذي فكّر وقدّر فقُتل كيف قدّر وراح يكمن بجنوده وسلاحه عند كل بوابة من بواباتي ناشراً أذاه على كل أهلي عزوتي الصابرين، المصابرين المرابطين والمرابطات الذين لا يزالون يشدون الرّحال إليّ، ولا يزالون يعلنون عن عبادة النفير من كل أكنافي المباركة إلى بقعتي المباركة ملتقى أرواحهم وقلوبهم، ولا يزالون يتشرف كل واحد منهم بحمل هذا الاسم (مرابط أو مرابطة) لأنهم لا يزالون يقيمون عبادة الرباط في رحابي كما تشرّف المعتمرون والمعتمرات والحجاج والحاجات بحمل هذا الإسم، معتمر أو معتمرة وحاج أو حاجة لأنهم لا يزالون يؤدون عبادة العمرة والحج في رحاب المسجد الحرام .
أنا المسجد الأقصى أمهل ولا أهمل بإذن الله، فكم من محتل عتّل خبيث تطاول عليّ عبر تاريخي الطويل فما كان مني إلا أن أمهلته بعض الوقت، فلما طغى واستكبر وعلا وأفسد أخذته ولم أفلته بإذن الله تعالى، فهكذا كان حالي مع الاحتلال الرومي، ومع الاحتلال الفارسي، ومع الاحتلال الصليبي، ومع الاحتلال المغولي، ومع الاحتلال البريطاني، فزالوا كلهم وإندثروا وسيقوا إلى جهنم وبئس المصير، وبقيت أنا المسجد الأقصى!! أنا أولى القبلتين ولا فخر، وأنا ثاني المسجدين ولا فخر، وأنا ثالث الحرمين ولا فخر!! وهكذا سيكون حالي مع الاحتلال الإسرائيلي العقيم، الذي لو نظر إلى من قبله من محتلين لوجد أنهم كانوا أشد منه عددا وعدة وفتكاً وبطشا، ولوجد أنهم عمروا الأرض أكثر مما عمرها لدرجة أنه قد قال قائلهم: “من أشد منا قوة” ومع ذلك زالوا بإذن الله تعالى، فأبشر بزوالك القريب أيها الاحتلال الإسرائيلي الذي بات على الأبواب.
أنا المسجد الأقصى وحاضنتي القدس التي كان أول من تشرف باستلام مفاتيحها الفاروق عمر بن الخطاب ، وكان أو من لبّى نداءها يوم أن تسلل إليها الصليبيون السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، وكان أول من أنقذها من جائحة المغول السلطان قطز، وكان أول من شيّد سوراً حولها السلطان سليمان القانوني، فمن يحظى بشرف نجدتي اليوم، قد يكون عربياً كما كان الفاروق عمر، وقد يكون كردياً كما كان السلطان صلاح الدين، وقد يكون تركيا كما كان السلطان قطز، وكما كان السلطان سليمان القانوني، ولكن ليكن من يكون، ليكن عربياً أو كردياً أو تركياً أو أفغانياً أو هنديا أو بوسنياً أو أفريقيا أو من أي نسب من أنساب الأرض، وليكن أسود أو أبيض أو أحمر أو أصفر أو أي لون من ألوان البشر، فما دام حنيفاً مسلماً موحدا ولاؤه لله رب العالمين، فهو إبن بار لحاضنتي القدس، وهي إليه بالأشواق وها هي قد فتحت ذراعيها كي تحتضنه احتضان الحبيب للحبيب، واحتضان الأم لرضيعها، واحتضان الحرة لشرفها، واحتضان اللبؤة لأشبالها، وإحتضان الفرس لفارسها، نعم ليكن من يكون، أهلا وسهلا به ما دام يحمل الوفاء لحاضنتي القدس، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، ولا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، وأقربهم إلى حاضنتي القدس أقربهم إليّ، وأبعدهم عنها أبعدهم عني، ولا يسعني إلا أن أقول لمن قد تسول له نفسه أن يبيع لأعدائي حفنة تراب من حاضنتي القدس أو شجرة زيتون أو نبتة زعتر منها أو غرفة أو شارعا أو دكاناً أو ساحة منها، لا يسعني إلا أن أقول له: سحقاً سحقاً خابت تجارتك وخسرت الدنيا والآخرة!! .
أنا المسجد الأقصى الذي كان بلال بن رباح رضي الله عنه أول من تشرّف برفع آذان فتح القدس في سمائي كما كان أول من تشرّف برفع أذان فتح مكة في سماء المسجد الحرام، وكان القاضي إبن شداد أول من تشرّف بإلقاء أول خطبة جمعة فوق منبري بعد طرد الصليبيين عني، وكان السلطان نور الدين زنكي أول من تشرّف بصناعة منبر تحريري من الصليبيين بعد أن جاسوا فساداً في حرمي الظاهر قرابة المائة عام، وكان السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي أول من تشرّف بحمل منبر التحرير الذي صنعه السلطان نور الدين وأقامه قرب محرابي، فمن هو الشريف بن الشريف الذي سيكون أول من سيتشرف بنصرتي اليوم، بعد أن وقعت بين فكيّ جائحة الاحتلال الإسرائيلي؟! هل من أحد فيكم يسمع؟! هل من أحد فيكم يجيبني صارخاً: أنا لها!!
أنا المسجد الأقصى أقول لأنصاري ونصيراتي في كل الأرض باسم كل حجر من بنائي، وبإسم كل ذرة تراب من ترابي، وبإسم كل غصن من زيتوني أقول لكم: إني أحبكم في الله وتقبل الله مني ومنك الطاعات وكل عام وأنتم بخير، واعلموا علم يقين أننا على موعد لقاء قريب بكم بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي الوشيك فأبشروا … أبشروا …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى