أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

كيف تكونون على بصيرة يا جيل التغيير

صحيفة المدينة
اعلموا يا جيل التغيير (أن أكثر الناس حاجة إلى التفقه: أكثرهم عيالا وأتباعا وَحَشَماً وأصحابا) ولأنكم جيل تغيير، ولأن عددكم وعدد من سينضوي في مشروعكم التغييري سيزداد يوما بعد يوم فأنتم بأمس الحاجة إلى التفقه حتى تحسنوا أن تسددوا أموركم وأمور قوافل الأحرار والحرائر التي ستنحاز إليكم، ولأنكم ستكونون محط آمال المستضعفين في الأرض، وسيطمعون منكم أن يروا فيكم (الخلائق السَّنِيَّة، والطرائق العَليَّة)، ولأنهم سيسيرون نحو مجد التغيير وهم مفتقرون إليكم (في الأحكام، وقطع التشاجر، وفصل الخصام)، فأنتم (أحوج خلق الله إلى معرفة العلوم وجمع الحكم، وشخص بلا علم كدار بلا أهل)، وهذا يلزمكم أن تصنعوا من أنفسكم جيل تغيير من أخص صفاته (محبة العلم، والتحلي به، والشوق إلى إستماعه، والتعظيم لحملته، فأن ذلك دليل على قوة الإنسانية، وبعده من البهيمية، ومضاهاته للعالم العلوي، وهو من أوكد ما يُتحبَّبُ به إلى الرعية) واحذروا أن يكون جيل تغييركم خاليا من العلم، لأنه إذا كان كذلك (ركب هواه، وأضرَّ برعيته). وليس أحد (أحوجَ إلى مجالسة العلماء، وصحبة الفقهاء، ودراسة كتب العلوم والحكم، ومطالعة دواوين العلماء، ومجامع الفقهاء، وسير الحكماء) منكم، وعندها، وعندها فقط ستكونون على بصيرة، وأسوياء على صراط مستقيم. وعندها فقط ستنجحون بالحفاظ على هوية تغييركم وعلى قيمه وثوابته وإنتمائه وولائه، وعندها فقط لو كاد لكم كل أهل الأرض ليقطعوا عليكم طريق تغييركم لخابوا وفشلوا، ولو كادوا لكم ليحتَووكم ويجيروكم لأهدافهم الدنيوية الرخيصة لتعثروا وذاقوا مرارة الهزيمة، ولو طاردوكم، أو سعوا إلى تشويه مواقفكم الصافية لسقطوا في مستنقع الندامة، فعليكم بالعلم، ثم عليكم بالعلم، ثم عليكم بالعلم!! ألستم أنتم جيل التغيير الذين نصبوا أنفسهم (لممارسة أخلاق الناس، وفصل خصوماتهم، وتعاطي حكوماتهم)؟! إن كل ذلك يحتاج منكم (إلى علم بارع، ونظر ثاقب، وبصيرة بالعلم قوية، ودراسة طويلة) ويا لتعس حالكم، ويا لتعس حال تغييركم إن لم تعدّوا لهذه الأمور عُدَّتها، ولم تقدموا لها أهبتها!! ثم لأنكم جيل التَغيير فأن من سواكم من الناس (لا يَعْدِمون من يكسر عليهم ويعارضهم، ويذكر لهم مساويهم، ويخالفهم في مذاهبهم، فيكون ذلك مما يعينهم على رياضة أنفسهم، ويعلمهم مراشدهم،) أما أنتم فأن أخشى ما أخشاه عليكم أن يُفْرِطَ أتباعكم في حبكم وتقديركم، وأن يتعاملوا معكم كالسلطان الذي بسبب ارتفاع درجته (يُقطع عنه جميع ذلك، إذ لا يلقاه ولا يجالسه إلا مُعَظم لقَدْره، مبجلُ لشأنه، وساتر لمساويه، ومادح له بما ليس فيه)، وحتى لا تتورطوا في هذه الورطة القاتلة، المغرية، الخداعة، التي ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب، والتي قد تنفخ فيكم الغرور وأنتم لا تشعرون، وقد تبذر فيكم الكبر وأنتم في غفلة عنها وعنه، وقد تقذف فيكم وساوس الشعور بالإلهام والعصمة وكأنكم لا تخطؤون، حتى لا تتورطوا في هذه الورطة القاتلة، وأنتم تظنون انكم تحسنون صنعا فعليكم بالعلم، ولوذوا بالعلماء والفقهاء إن أردتم الحصانة لأنفسكم من كورونا الشبهات والشهوات وأمراض النفس ومداخل الشيطان وفخاخ الدنيا وأعاصير الهوى، بشرط حرصكم الدائم والحيّ والنقيّ على دوام التوكل على الله تعالى. واعلموا يا جيل التغيير أن مما يساعدكم على إثراء علمكم وتصويب عملكم وغربلة نواياكم وضبط خواطركم وتنقية مشاعركم وتطهير أحاسيسكم هو هذه القاعدة التوجيهية الصائبة: (مناظرة الأكفاء، ومعاشرة النظراء تلقيح للعقول، وتهذيب للنفوس، وتدريب لمآخذ الأحكام) وإلا فاحذروا سقوطا بعد إرتفاع، سيما وأنه (على قدر عُلُوِّ الهمة يكون قبح السقطة، كما أن على قدر إرتفاع الحائط يكون قدر صوت الوَجْبة) –الوجبة: صوت السقوط- ولأن طريقكم طويل وشاق وشائك، ولأن فيه من المنعطفات ما فيه، وفيه من المنحنيات ما فيه، وفيه من المنزلقات ما فيه، وفيه من المطبات ما فيه، وفيه من المفاجآت ما فيه، وفيه من الابتلاءات ما فيه، لأنه كذلك فأحرصوا خلال سيركم فيه على إشارة المرور هذه التي تقول: (ليس أحدٌ فوق أن يُؤمَر بتقوى الله تعالى، ولا أحد دون أن يؤمر بأمر الله تعالى، ولا أحدٌ أجلَّ قدرا من أن يقبل أمر الله تعالى، ولا أرفعَ خطراً من أن يتعلم حكم الله، ولا أعلى شأنا من أن يتصف بصفات الله تعالى). ومن صفات الله تعالى العلم الذي وصف الله تعالى به نفسه، والعلم فضيلة، وإذا كان كذلك فلتكن رغبتكم فيه أوْلى من غيركم، لأن الخطأ منكم يا جيل التغيير أقبح من الخطأ من غيركم، ولأن العلم فضيلة فالابتداء بالفضيلة فضيلة!! وإلا كيف ستغيرون إذا لم تعلموا من أنتم؟! ولماذا أنتم جيل التغيير؟! وماذا ستغيرون؟! وما هو بديلكم المرغوب للتغيير المطلوب؟! وما هو أسلوب هذا التغيير؟! وما هي أدواته؟! وما هي شروطه؟! وما هي مقومات نجاحه؟! وما هي منطلقات نجاحه؟! وما هي عوائق نجاحه؟! ومن هم المتربصون بهذا التغيير ولماذا؟! ومن هم المرحبون بهذا التغيير ولماذا؟! ومن هي الحاضنة الشعبية لهذا التغيير؟! وما هي صفاتها؟! ومن هي الحاضنة المعارضة لهذا التغيير؟! وما هي صفاتها؟! وإلا فأني أخاف عليكم إذا جهلتم هذه الأسئلة، وإذا جهلتم الإجابة على كل سؤال منها، أن تخطئوا في تقدير كل موقف قد تصنعونه أو قد تواجهونه، وبناء عليه ستتباعد المسافات بينكم وبين التغيير، وقد يكون حالكم كحال من يمشي مُكبّاً على وجهه!! فالعلم العلم!! الفقه الفقه!! البصيرة البصيرة!! وها أنذا أدعكم مع هذه الرواية: (حكي أن إبراهيم بن المهدي دخل على المأمون وعنده جماعة يتكلمون في الفقه، فقال: يا عمّ ما عندك فيما يقول هؤلاء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، شغلونا في الصِغر، واشتغلنا في الكبر، فقال المأمون: لم لا تتعلم اليوم؟ قال: أويحسن بمثلي طلب العلم؟ قال: نعم والله، لأن تموت طالبا للعلم، خير من أن تعيش قانعا بالجهل، قال: وإلى متى يحسن بي طلب العلم؟ قال: ما حسنت بك الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى