أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المسجد الأقصى في العقلية الصهيونية ومسائل الفرص التاريخية (2)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
الصراع بين الاردن ومحور السعودية على المسجد الاقصى المبارك على أشده ويستغل الاحتلال تعزيز علاقاته العلنية والسرية مع هذا المحور لابتزاز السلطة والأردن، خاصة فيما يتعلق بقضيتي مصادرة الاراضي المسماة الضم والبلدة القديمة والمسجد الاقصى عبر تعزيز أكثر للسيادة الاسرائيلية.
يحاول محور السعودية ان يجد له موطئ قدم في البلدة القديمة والمسجد الاقصى عبر دعمه لصفقة القرن، مقابل ضمان أمريكي-إسرائيلي لهذا الوجود السعودي الذي يطمع من خلاله استغلال المسجد الاقصى كرافعة عالمية بين-إسلامية تعزز من مكانة المملكة في عصر محمد بن سلمان، الذي فتح المملكة على مصراعيها باسم الحداثة، وأحدث شرخا ثقافيا غير مسبوق في تاريخ تلكم البلاد، وحارب بشدة الاصلاحية السلفية، كل ذلك حتى ترضى عنه ساكنة البيت الابيض، ولذلك تتزايد عمليات التنسيق بين هذا المحور والاحتلال لحشر السلطة والاردن في الزاوية وللحيلولة دون تواجد أقوى لتركيا بل والعمل على قطع دابر وجودها إن أمكن.
يعتقد محمد بن سلمان ومستشاروه المقربين من التيار الانجيلي-الالفي الامريكي الحاكم في الولايات المتحدة أن تلبية طلباتهم المتعلقة بمصالح الاحتلال الإسرائيلي، يعني حماية وجودهم ومكتسباتهم من جهة، ويمكن أن يشكل نقطة اختراق لتحقيق تواجد عملي في المسجد الأقصى، باعتبار أن منطق المصالح السياسية وتناقضاتها وتداخلاتها يسمح باستغلال هذه الفرصة التاريخية المسماة بصفقة القرن، والولوج من خلالها إلى ما ذكرت.
ثمة تكامل أدوار هائل بين المؤسسات الاسرائيلية واليهودية العالمية لتحقيق منجز يهودي حقيقي وكوني في القدس والمسجد الأقصى، وتكاد المرويات التوراتية وأقوال الانبياء والمزامير ومختلف كتبهم وأقوال أحبارهم، خاصة الرامبام، تشكل حادي ركبهم في تحقيق مشروع السيادة “الكامل” على المدينة وجبل بيت المقدس.
المعهد اليورشالمي لقضايا الجمهور والدولة، أحد أدوات تذويت هذه السيادة، وغيره طبعا كثير، ولكل من هذه المؤسسات قبلته الخاصة الخادمة للمشروع الاساس، مشروع السيادة وبناء الهيكل. المعهد محسوب على التيار اليميني، ويتمول من مؤسسات أمريكية يهودية مقربة من الانجيلية الالفية واليهود ذوي الصلة بالمشروع، وهو من المراكز المقربة من صناعة القرار الاسرائيلي ومعبر عن سياساتها وسياسات داعميه الأمريكيين، ويتولى كِبَرَ التحريض على المصلين والمسلمين ومن يخدم المسجد الأقصى، وعن كل ما هو مسلم وعربي وفلسطيني ليس في ركاب المطبعين والموالين لمحور واشنطن-تل ابيب.
عشرات الدراسات والكتب والمقالات صدرت ولا تزال عنه تتحدث عن مآلات العلاقة مع القدس والاقصى والفلسطينيين، وتحرض على الوجود الفلسطيني برمته. من هؤلاء: يوني بن مناحيم ونداف شرجاي وبنحاس عنبري، وقد كتب بن مناحيم عددا من المقالات المهمة في هذا الشأن خاصة وضعيات الاردن والسلطة والاحتلال مع المسجد الأقصى، حيث ينظر للسيادة على المسجد الاقصى وعدم قطع الخيوط مع من ذكرت.
الحفاظ على الاسرة الهاشمية حاكمة في الاردن
مقابل السيادة الاسرائيلية على الاقصى..
يراهن الاحتلال الاسرائيلي أن الاردن سيقبل بقضم الاغوار ومناطق (ج) وفرض السيادة على القدس “كاملة”، بسبب العلاقات التاريخية التي ربطت الدولتين وحماية إسرائيل للأسرة الهاشمية كما يصرح هذه الايام اكثر من محلل سياسي اسرائيلي مقرب من الدوائر الحكومية، وربط الموضوع بالمسجد الاقصى، ومثل هذه التصريحات لا تخرج عبثا.
يوني بن مناحيم أحد هذه الابواق الحكومية في مقالة له تحت عنوان “الاردن تعلم : تغيير في اتفاقية السلام معناه تغيير في الوضع القائم في المسجد الأقصى”، يتحدث بصراحة عن التنسيق القائم بين الطرفين وعن سماح الاحتلال للمسلمين الصلاة في المسجد- كلفتة للقارئ أن السيادة الفعلية بيد الاحتلال- فهو يكتب: “بحسب مصادر سياسية في القدس، فعلى الرغم من التهديدات العلنية التي وجهها الملك عبد الله ووزير خارجيته أيمن الصفدي ضد إسرائيل فيما يتعلق بضم أراضي في الضفة الغربية، إلا أن هناك تهدئة خلف الاسوار فيما يتعلق بما يحدث في المسجد الأقصى. القصر الملكي في الاردن نسق مع مجلس الامن القومي إغلاق المسجد الاقصى فور انتشار وباء كورونا، وكذلك نسق موضوع الافتتاح مجددا قبل اسبوع -المقالة نشرت يوم 9\6\2020- ولقد افتتح المسجد بسلاسة دون أي خروقات فيما تحافظ الشرطة على الوضع القائم، وتسمح للمسلمين الصلاة بحرية فيه وفي المقابل ما زالت زيارات الاسرائيليين للمسجد “للمجمع” مستمرة، ويتحدث في نفس المقالة عن عمق التعاون بين البلدين فيما يتعلق بسياسات الاحتلال في الاقصى مشيرا الى التعاون المتعلق بمصلى باب الرحمة إذ يقول: “من جانبها، قامت إسرائيل بتجميد الاجراءات المتعلقة بمصلى باب الرحمة والشرطة بدورها بناء على توجيهات من المستوى السياسي لا تنفذ اوامر المحكمة المتعلقة بإخلاء المصلين وإغلاق المصلى وذلك ضمن صيغة توافقية فالشرطة حسب توجيهات القيادة السياسية، لا تنفذ أمر المحكمة الإسرائيلية بإخلاء المصلين وإعادة إغلاق المصلى. ما زالت الاتصالات قائمة بين القصر ومجلس الامن القومي للوصول الى حل وسط لكنّ إسرائيل لن تقبل أن يفتح هناك مسجد جديدا..”.
السعودية والمسجد الاقصى
بدلا من أن تستغل السعودية مكانتها ووضعيتها وثقلها لحماية المسجد الاقصى والقدس وكنس الاحتلال عنهما وعن كامل مناطق الضفة الغربية باعتبارها الراعية والداعية لخطة السلام التي طرحها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وسميت بالمبادرة العربية وقد أطلقت عام 2002 بإحياء من الصحافي الامريكي توماس فريدمان، تعمل جاهدة في عصر الملك سلمان وابنه لضرب الوجود الفلسطيني، عبر دعم لافت لصفقة القرن باعتبارها لحظة تاريخية قد تفيدها محليا وقطريا وأمميا.
في المقالة الآنفة الذكر يتحدث بن مناحيم عن أطماع محمد بن سلمان الاستحواذ على المسجد الاقصى وجعل المملكة السعودية صاحبة الوصاية على المسجد، لتكتمل لها الوصاية على المساجد الثلاثة. يقول بن مناحيم “وفقا لمصادر في منظمة التحرير الفلسطينية فالسعودية ترنو ببصرها نحو المسجد الاقصى منذ زمن طويل، وتسعى أن تكون صاحبة الوصاية عليه باعتباره المسجد الثالث من حيث أهميته في الاسلام بعد مسجدي مكة والمدينة والتي تتولى المسؤولية عليهما، وتطمع على الاقل أن يكون لها موطئ قدم في المسجد الاقصى، وقد كان هذا أحد اسباب عمل محمد بن سلمان من خلف الاستار لدفع صفقة القرن، فقد طمع أن يكون له في نهاية هذا المسار موطئ قدم فيه. سعى بن سلمان لإقناع الرئيس الفلسطيني بقبول العاصمة الفلسطينية المستقبلية في ابو ديس وهو ما قوبل بالرفض المطلق”. بن مناحيم يتحدث عن اتهام مصادر فلسطينية للسعودية برفع سقف تدخلاتها في المسجد الاقصى تزامنا مع تعزيز علاقاتها مع الاحتلال وذلك منذ عام 2016. ويشير في مقالته: “وفقا لمصادر في حركة فتح فقد سعت السعودية عام 2018 لتنظيم بعثة من فلسطينيي شرقي القدس لزيارة الرياض لتعلن عن دعمها للملك سلمان بن عبد العزيز ولكنَّ الأردن عرقلت سفر هذه البعثة. العديد من القيادات الفلسطينية المحسوبة على السلطة تتهم الامارات والبحرين والسعودية بمساعدة جمعيات اسرائيلية لشراء بيوت في البلدة القديمة وقرية سلون المجاورة للبلدة القدية والمسجد الأقصى”.
الاردن لن يتنازل عن اتفاقية السلام..
وفقا لتقديرات بن مناحيم وكثير غيره لن يتنازل الاردن عن اتفاقية السلام تحسبا من دخول السعودية على الخط وتوليها شؤون المسجد الأقصى بالاتفاق مع إسرائيل، على الرغم من تلقي الاردن دعما مباشرا من دول اسلامية كتركيا حيث تدعمه بالمواقف والاموال لبقائه مسؤولا عن المقدسات في القدس، وفي هذا يكتب يوني بن مناحيم “الملك عبد الله يخاطر في الغاء السلام مع اسرائيل لأنّ الاردن ستفقد وصايتها على الاماكن المقدسة وبذلك ستفقد العائلة الهاشمية مكانتها فضلا عن انها ستخسر المياه التي تتَّحصلُ عليها من اسرائيل. صفقة القرن لم تضر بوضع الاردن الخاص في المسجد الاقصى، لذا من المأمول أن تكون تهديدات الملك الأردني مجرد ضريبة كلامية لإرضاء الفلسطينيين، وبشكل عام الملك عبد الله محدود في خيارات رده على خطوات القضم “الضم” المتوقعة، بل يذهب يوني بن مناحيم الى ما هو أكثر وضوحا فيقول: “ليس من مصلحة الملك عبد الله أن يخرج في مواجهة سياسية حقيقة مع اسرائيل. من وراء هذه المواجهة سيجني الخسارة فقط، لقد حافظت اسرائيل سرا وعلنا على استمرار وجود السلالة الهاشمية في الحكم في الاردن في أصعب الفترات والظروف “في ايلول الاسود” عام 1970، ولا ينبغي له أن يفقد الدعم الاسرائيلي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى