أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

عوائق في طريق نصرة القدس والمسجد الأقصى

د. أنس سليمان أحمد
ما اشبه اليوم بالأمس، وما أشبه عوائق اليوم بعوائق الأمس التي حالت دون نصرة القدس والمسجد الأقصى على مدار ثلاثمائة وثمانين عاما حتى ظهر جيل القدس والمسجد الأقصى بعد أن أخذ يحتشد كقزع الخريف منذ جهود كل من آق سنقر ثم عماد الدين زنكي ثم نور الدين زنكي ثم صلاح الدين الأيوبي، ثم بعد مرور ثلاثمائة وثمانين عاما على بذل الجهود والتضحيات لتجاوز العقبات التي حالت دون نصرة القدس والمسجد الاقصى، أي بعد تعاقب ثلاثة أجيال تقريبا في مسيرة الأمة المسلمة، تم فتح القدس وتحرير المسجد الأقصى ودحر الصليبيين مهزومين أذلاء، وحتى نتعرف على تلك العوائق التي حالت دون نصرة القدس والمسجد الاقصى على مدار تلك الحقبة الزمنية الطويلة تعالوا بنا لنقوم بقراءة متدبرة لرسالة كان قد بعثها السلطان صلاح الدين الى خليفة المسلمين العباسي المستضيء بأمر الله بعد موت السلطان نور الدين زنكي المفاجئ، حيث شرح في تلك الرسالة حالة الانحطاط التي عاشتها الأمة الاسلامية في تلك اللحظات، والتي أنتجت تلك العوائق التي وقفت حائلا دون نصرة القدس والمسجد الأقصى، وها انا اقتطف بعض ما ورد في تلك الرسالة، مع بعض التعقيبات الموجزة:
1-وصف صلاح الدين للخليفة في تلك الرسالة غربة الاسلام بين المسلمين وجفاء امرائهم لأحكام القرآن والسنة، وميل العوام الى الفساد، فقال: “استباحة للمحارم ظاهرة، وتعطيل للفرائض على عادة جائزة، وتحريف للشريعة بالتأويل، وعدول إلى غير مراد الله بالتنزيل، وكفر سُمي بغير إسمه، وشرع يُتستّر به ويُحكم بغير حكمه” !!
وهل الحكام على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي اليوم إلا على هذا الحال، إلا من رحم الله وقليل ما هم الذين يحاولون التسديد والتقريب ولا يدرون من أين تأتيهم الضربات؟! هل من صعاليك العرب أم من كيد الصهيونية العالمية أم من حقد الصليبية العالمية المعاصرة أم من مكر الباطنية المكشوفة أم من ثارات الوثنية المتحجرة.
2-وصف صلاح الدين للخليفة في تلك الرسالة حال اليمن وبؤسه وهيمنة القوى الفاسدة والباطنيىة عليه فقال: ” وكان باليمن ما عُلم من ابن المهدي الضال الملحد المبتدع المتمرد، وله آثار في الإسلام وثأر طالبه النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه سبى الشرائف الصالحات، وباعهن بالثمن البخس، واستباح منهن كل ما لا يقر المسلم عليه نفسه، ودان ببدعة، ودعا إلى قبر أبيه وسمّاه كعبة، وأخذ أموال الرعايا المعصومة وأجاحها (أي أهلكها) وأحل الفروج المحرمة وأباحها”!!.
وهل حال اليمن اليوم وقد وقع بين مطرقة مراهقة وعمالة بعض أمراء العرب وسندان باطنية الحوثيين إلا كما على عهد الضال الملحد إبن مهدي.
3-وصف صلاح الدين للخليفة في تلك الرسالة حال الشام المفكك وحال بيت المقدس المحتل فقال بإيجاز” وبالجملة فالشام لا تنتظم أموره بمن فيه، والبيت المقدّس ليس له قرن يقوم به، ويكفيه، والفرنج فهم يعرفون منا خصما لا يملّ الشرّ حتى يملّوا..”.
وهل الشام اليوم إلا كما كان الشام بالأمس، فهي سوريا المشرّد أهلها، باتت مشرّعة الأبواب للمحتل الأمريكي، وعميله العربي، وللمحتل الروسي، وللعربدة الصهيونية وللمحتل الإيراني، وهي لبنان ويا حسرة على لبنان، حيث بات بين مطرقة الفساد الرسمي المنظم وسندان التوغل الإيراني، وهي فلسطين ويا لهفي على فلسطين، لا تزال في ألف مؤامرة ما بين مؤامرة وعد بلفور في عام1917 حتى مؤامرة صفقة القرن عام 2020.
4-وصف صلاح الدين للخليفة في تلك الرسالة حال أمراء المسلمين المتناحرين فيما بينهم فقال: ” وكل واحد يتخذ عند الفرنج يداً ويجعلهم لظهره سندا”.
وهل هذا الوصف الموجز إلا هو الوصف الذي ينطبق على حكام العرب والمسلمين اليوم إلا من رحم الله، وقليل ما هم، فما الكثير من هؤلاء الحكام إلا وكلاء شعوبهم لا يملكون من أمرهم شيئا إلا تنفيذ ما يأمرهم به سيدهم الفرنجي المعاصر، أو الصهيوني المعاصر، أو الوثني المعاصر.
5-وصف صلاح الدين للخليفة في تلك الرسالة حال الخطر الخارجي الذي كان يشيعه الأعداء فقال: ” فأما الأعداء المحدقون بهذه البلاد، والكفار الذين يقاتلوننا بالممالك العظام، والعزائم الشداد، فمنهم صاحب قسطنطينية، وهو الطاغية الأكبر والجالوت الأكفر وصاحب المملكة التي أكلت على الدهر وشربت… ومن هؤلاء الكفار هذا صاحب صقليّة.. ومن هؤلاء الجيوش البنادقة، والبياشنة والجنوية..”!! بإختصار كان هناك أربعة وعشرون ملكاً صليبيا أوروبيا أعلنوا الحرب على الإسلام والمسلمين، وعلى القدس والمسجد الأقصى، أي يصلح أن يُقال إن الحروب الصليبية كانت بمثابة الحرب العالمية الأولى التي وفعت في تاريخ البشرية، وليست تلك الحرب التي وقعت في عام 1914م.
6-مع ذلك لم يرفع صلاح الدين الراية البيضاء في تلك الرسالة، بل وصف الداء للخليفة ووصف الدواء في تلك الرسالة فقال: “والمراد الآن هو كل ما يقوّي الدولة، ويؤكد الدعوة، ويجمع الأمة ويحفظ الألفة، ويضمن الرأفة، ويفتح بقية البلاد، وأن يُطبّق بالاسم العباسي كل ما تطبقه المهاد …”.
7- إلى جانب ذلك بيّن صلاح الدين في تلك الرسالة ما هو الدور الذي عزم على القيام به فقال : ” … وعلمنا أن البيت المقدس إن لم تتيسر الأسباب لفتحه، أمر الكفر إن لم يجرد العزم في قلعه، وإلا نبتت عروقه، واتسعت على أهل الدين خروقه، وكانت الحجة لله قائمة، وهمم القادرين بالقعود آثمة، وإنا لا نتمكن بمصر منه مع بُعد المسافة، وانقطاع العمارة، وكلال الدواب التي بها على الجهاد القوة، وإذا جاورناه كانت المصلحة بادية، والمنفعة جامعة، واليد القادرة، والبلاد قريبة، والغزوة ممكنة، والميرة متسعة، والخيل مستريحة، والعساكر كثيرة الجموع، والاوقات مساعدة، وأصلحنا ماضي الشام من عقائد معتلة وأمور مختّلة، وآراء فاسدة، وأمراء متحاسدة، وأطماع غالبة، وعقول غائبة…” وهذا ما باركه على القيام به الخليفة المستضيء بأمر الله.
8- وهكذا رغم كل هذه العوائق التي تجددت اليوم كأننا على عهد بؤس الحال الذي وصفه صلاح الدين في تلك الرسالة، إلا أن صلاح الدين قام بواجبه كما رسمه في تلك الرسالة فتخطى تلك العوائق ونصر القدس والمسجد الأقصى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى