أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لطائف قرآنية

الشيخ كمال خطيب

اقرأوا ما تيسر منه
إن لم تكن ممن قال الله فيهم {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} آية 121 سورة البقرة، فكن ممن قال الله عنهم {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} آية 20 سورة المزمل، فإن فاتك هذا أو ذاك فلا أقلّ من تلبية قوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} آية 204 سورة الأعراف.
ألسنا جميعًا نأكل ثلاث وجبات في كل يوم لنبقى، فلماذا لا نقرأ ثلاث صفحات كل يوم لنرقى؟ مع أن الهدي النبوي الشريف وما سار عليه السلف الصالحون أن يقرأ المسلم في اليوم جزءًا من القرآن حتى يتيسر له ختم القرآن في كل شهر مرة واحدة.
يقول أحدهم: مررت بفترة انشغلت فيها بالتزامات طارئة، واستهلكت وقتي وفكري فلم أستطع معها أن أفتح مصحفي. تألمت كثيرًا لكنني كنت أعزّي نفسي أنه انشغال بالخير وأنها فترة مؤقتة. ومرّت الأيام حتى طال انقطاعي، إلى أن جاء يوم فتحت فيه المصحف فإذا بي أقرأ هذه الآية وكأني لم أقرأها من قبل {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} آية 20 سورة المزمل، فقلت في نفسي يا الله ما ألطف هذا النداء الرباني: عبدي لا يمنعك المرض ولا طلب الرزق ولا حتى التفاني والجهاد في سبيل الله عن قراءة ما تيسر من كلامي وكتابي، فإني أقبل منك القليل وأغفر لك التقصير.

هجر القرآن بين الجهاد والجهاز
المثقف الفارغ هو الذي يقرأ في شتى العلوم وعلى رف المكتبة “مصحف” لم يمسّه أبدًا، فإما أن المصحف موجود على مكتبة “للبركة” أو أن صديقًا أهداه إياه فاستحى أن يرد الهدية، أو أن المصحف الشريف بالنسبة له هو كتاب كأي كتاب.
ينشغل أحدنا في هذه الأيام بالهاتف الجوال الذي يحمله صباحًا ومساء، قبل الصلاة وبعد الصلاة، قبل النوم وبعد الاستيقاظ فإن أول شيء يفعله ويتلمسه هو هاتفه.
إن الهاتف الجوال لا يفارقنا أبدًا، ننسى كل شيء ولا ننساه، ونقصّر في دفع الرسوم لأي متطلب وحتى للابن في المدرسة، ولا ننسى أن ندفع رسوم استخدام الهاتف لألّا يقطع عنا فجأة. يمشي الشاب أو الفتاة في الشارع وهو يكتب على شاشته أو يقرأ ولعله يتعثّر من انشغاله به، بل قد يقود سيارته بينما هو يستخدم جواله ليس لأمر طارئ وإنما لأنه لا يستطيع أن يفارقه.
كان خالد بن الوليد سيف الله المسلول رضي الله عنه إذا عاد من الحرب فيرى على المصحف شيئًا من الغبار فيمسحه ويقول: سامحنا أيها المصحف الشريف لقد شغلنا عنك الجهاد، بينما نحن اليوم في بيوتنا وفي مكاتبنا فإن المصحف الشريف قد وضع على رفوف المكاتب والمكتبات وقد علاه الغبار ولسان حال أحدنا يقول لقد شغلنا عنك الجهاز “المقصود الهاتف النقال”. إنه الفارق الكبير بين من شغلهم الجهاد عن قراءة القرآن وبين من شغلهم الجهاز عن قراءة القرآن.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيًا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان يرفع جلسة القضاء بضع دقائق لكي يقرأ القرآن، ولما سألوه عن ذلك قال: حتى لا يقول القرآن يوم القيامة “يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا” آية 30 سورة الفرقان.
إذا كان الله تعالى قد جعل لك في جوفك رئتين تتنفس بهما، فإنه قد أنزل القرآن ليكون رئتك الثالثة حين تختنق بدخان الحياة وهمومها، فهو يشفي ويشفع ويرفع فلا تهجروه.

وليَ فيها مآرب اخرى
إن الغاية والنية التي لأجلها يقرأ المسلم القرآن فهي أنه بذلك يتعبد لله تعالى بقراءته لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} آية 4 سورة المزمل. ولكن ومع نية العبادة فإنها نوايا كثيرة يمكن للمسلم أن يجمعها في قلبه عند قراءة القرآن الكريم، وتعظيم النيّات في العمل الواحد، فلقد كانت هذه تجارة قلوب الصحابة رضي الله عنهم والعلماء الربانيين فيحصل لهم الأجر العظيم.
وهذه بعض النيّات يمكن أن ننويها عند قراءة القرآن الكريم:
بقراءة القرآن نسأل الله أن يشفّعه فينا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه”.
بقراءة القرآن زيادة الحسنات لقول النبي صلى الله وسلم: “من قرأ حرفًا من كتاب الله تعالى فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف”.
وننوي بقراءة القرآن أن ينجينا الله من النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار”.
وننوي بقراءة القرآن عمارة القلوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب”.
وننوي بقراءة القرآن ونحتسب أن ننال أرفع الدرجات في الجنة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها”.
وننوي بقراءة القرآن، الشفاء لأمراض قلوبنا وأجسادنا وسببًا لنزول الرحمات علينا، قال الله تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ} آية 81 سورة الإسراء.
وننوي بقراءة القرآن أن يجعله الله حياة لقلوبنا ونورًا لأبصارنا وجلاء لأحزاننا وذهاب همومنا. كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه “…. أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي”.
وننوي بقراءة القرآن أن يكون سببًا في هدايتنا وأبنائنا قال الله تعالى {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} آية 2 سورة البقرة.
وأن ننوي بقراءة القرآن أن يكون سببًا في اصطفاء الله لنا بأن نكون من أهله وخاصته، لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: “إن لله أهلين من الناس. قالوا يا رسول الله: من هم؟ قال: هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته”.
ومع ذلك فليست العبرة كم قرأت من القرآن وإلى أين وصلت في قراءتك، وإنما العبرة والسؤال إلى أين وصل القرآن في قلبك، وماذا حدث فيك من تغيير علمًا وعملًا وأخلاقًا.

الهزات الارتدادية والألفاظ الاهتزازية
كثيرًا ما نسمع عند وقوع هزة أرضية عنيفة، فإنه يتبع تلك الهزة هزات أخرى تبعًا لها وهي التي يسميها العلماء وأصحاب الخبرة بالهزات الارتدادية والتي سببها شدة وقوع الهزة الأولى العنيفة.
وفي القرآن الكريم ومن روائع بلاغة القرآن الكريم وجود تلك الألفاظ الاهتزازية، وهي التي تشعرك بشدتها ووقعها وقوتها من خلال تكرار حرفين متتاليين في كلمة واحدة أو تكرار كلمة قوية في وصف أحداث فى منتهى الأهمية.
فتأمل قول الله تعالى {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} آية 1 سورة الزلزلة، فتأمل كلمة “ز ل زل” فهي تكرار لحرفين متابعين.
وعندما غضب الله جل جلاله على قوم صالح الذين عصوا ربهم وعقروا الناقة، فكانت كلمة “دم دم”، فقد قال سبحانه {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَ} آية 14 سورة الشمس.
وعندما تتكشف الحقائق عن مظلمة يوسف عليه السلام بعد إذ قبع في السجن لسنوات طويلة ظلمًا وعدوانًا وتجنيًا من امرأة العزيز، تأتي كلمة “حصحص”، {الْآن حَصْحَصَ الْحَقّ} آية 51 سورة يوسف.
وعندما يتحدث القرآن عن مشهد وحدث من أحداث يوم القيامة تقشعر له الأبدان، يقول الله تعالى {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} آية 21-22 سورة الفجر.
وعندما يتحدث القرآن الكريم عمّا أعدّ الله لأهل الجنة من نعيم يأتي قوله سبحانه {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} سور الرحمن آية 76.
وعندما يتحدث القرآن عن شدة ظلمة الليل وعتمته، يقول تعالى {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ،والصُّبْحِ إذَا تَنَفَّسَ} 17-18 سورة التكوير.

لليوم الثقيل عليك بالقول الثقيل
ومن اللطائف القرآنية أن كلمة ثقيل وردت في القرآن الكريم وتكررت مرتين في آيتين فقط، الأولى: {إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} آية 27 سورة الإنسان، والمقصود باليوم الثقيل يوم القيامة. والثانية: في قوله تعالى {إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} آية 5 سورة المزمل، والمقصود بالقول الثقيل القرآن الكريم.
فإذا أردت النجاة من اليوم الثقيل فتمسك وعليك بالقول الثقيل. وإذا أردت النجاة والسلامة يوم القيامة فعليك بالقرآن العظيم.
وفي القرآن الكريم آيتان متشابهتان ختمهما الله بخاتمتين مختلفتين، الأولى {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} آية 34 سورة إبراهيم. والثانية {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} آية 18 سورة النحل.
فالآية الأولى ختمت بتعامل الإنسان مع الله سبحانه، والثانيه ختمت بتعامل الله تعالى مع العبد، فما أعظم الله وأرحمه وما أجهل العبد وأظلمه.

هو أقرب إليك من حبل الوريد
من يتتبع آيات الدعاء في القرآن فإنه يجد أن “ياء” النداء قد حذفت، ولم ترد أبدًا {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} آية 143 سورة الأعراف. {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} آية 250 سورة البقرة. {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا} آية 89 سورة الأنبياء. {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} آية 45 سورة هود. {رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} آية 118 سورة المؤمنون. {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} آية 11سورة التحريم {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} آية 8 سورة آل عمران.
والسر البلاغي في حرف الياء قبل “رب” أن “ياء” النداء تستعمل لنداء البعيد، والله تعالى أقرب لعبده من حبل الوريد {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} آية 16 سورة ق. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} آية 186 سورة البقرة. فهل علمت يا مسلم قرب من تدعوه، إنه الله سبحانه.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا. اللهم ذكّرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار. واجعله نورًا لنا واجعله شفيعًا لنا يوم العرض عليك يا رب العالمين.
ملاحظة: كل ما ورد في هذا المقال هو تجميع شذرات ببعض التصرف من الكتاب الرائع “عندما يشرق الصباح” للكاتب الفاضل الدكتور حسان شمسي باشا أسأل الله أن يتقبل منه وأن ينفع به.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه وللدكتور حسان باشا بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى