أخبار عاجلةمقالات

لعل فيكم يا جيل التغيير الإمام العادل

كلمة صحيفة “المدينة”

كم نحن بأمس الحاجة في هذه الأيام إلى (الإمام العادل) يا جيل التغيير، ولا أقصد بكلمة (الإمام العادل) إمام الصلاة، وإن كنا لا نقلل من شأنه، بل أقصد بها الحاكم العادل الذي من شأنه إذا تولى مهمة إمامة أمر الناس في دينهم ودنياهم أن يعدل فيهم، وأن يحفظ لهم أموالهم لا أن يتسلط عليها، وأن يصون لهم أعراضهم لا أن ينتهك حرمتها، وأن يدافع عن حياض أوطانهم ومقدساتهم ويردع كل محتل قد تسول له نفسه الاعتداء ظلما وعدوانا على هذه الأوطان والمقدسات، وأن يوفر هذا الإمام العادل للناس مناخ الحرية وأدب النقد ونزاهة القضاء وتداول السلطة والرقيّ العلمي والنهضة الاقتصادية والرعاية الصحية، وتوقير الكبار والرحمة بالصغار، ونصرة المظلوم وردع الظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى جانب إظهار شعائر الدين وتوقير العلماء وخدمة القرآن والسنة والمدارس الفقهية الراشدة، ونصرة قضايا الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني بعامة، ونصرة القدس والمسجد الأقصى بخاصة، ولأن الإمام العادل منوط به كل هذه المهمات، فقد رفع الله تعالى من شأنه، وأعلى منزلته في الدنيا والآخرة، لدرجة أنه بات من النخبة الذين لا تُرَدُّ دعوتهم، وفي ذلك روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الإمام العادل والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم) – رواه الترمذي والإمام أحمد-، ولدرجة أنه بات من النخبة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)- رواه الشيخان-، ولدرجة أنه نال وصفا رفيعاً لم ينله أحد سوى الأنبياء، وفي ذلك روى كثير بن مُرّة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السلطان ظل الله في الأرض، يأوي إليه كل مظلوم من عباده، فاذا عدل كان له الأجر، وعلى الرعية الشكر، وإذا جار كان عليه الأصر وعلى الرعية الصبر)- رواه البزار والبيهقي- لكل ذلك فيلفت الانتباه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدَّم ذكر (الإمام العادل) في الحديثين الأول والثاني السابقين، فهو رأس الأمر في السياسة الشرعية الساعية بجد لملأ الأرض قسطا وعدلا، وتطهير الأرض من الظلم والجور، ولأن الإمام العادل رأس الأمر، فقد تقدّم ذكره في الحديث النبوي الأول على النخبة مستجابي الدعوة، وتقدّم ذكره في الحديث النبوي الثاني على النخبة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ونال منزلة (ظل الله في الأرض) في الحديث النبوي الثالث.
وصدق من قال ليس فوق الإمام العادل منزلة إلا نبي مرسل، أو مَلَك مقرب، فهو الذي يُصلح الله تعالى به البلاد والعباد، وتُنال الزُلفى إلى الله تعالى، والفوز بجنة المأوى، وهو الذي بعدله (انتشر العدل في رعيته، فأقاموا الوزن بالقسط، وتعاطوا الحق فيما بينهم، ولزموا قوانين العدل، فمات الباطل، وذهبت رسوم الجور، وانتعشت قوانين الحق، فأرسلت السماء غيثها، وأخرجت الأرض بركتها، ونمت تجاراتهم، وزكت زراعتهم، وكثرت ثمارهم، وتناسلت أنعامهم، ودرَّت أرزاقهم، ورخصت أسعارهم، وامتلأت أوعيتهم، فواسى البخيل، وأفضل الكريم، وقُضيت الحقوق، وأعيرت المواعين، وتهادَوْا فضول الأطعمة والتحف، فهان الحطام لكثرته، وذلَّ بعد عزته، فتماسكت على الناس مروءاتهم، وإنحفظت عليهم أديانهم) – سراج الملك، الطرطوشي-. وكم أصاب الإمام سفيان الثوري كبد الحقيقة عندما قال ذات يوم لأبي جعفر المنصور: (إني لأعلم رجلا إن صلح صلحت الأمة، قال: ومن هو؟ قال أنت)، والعكس صحيح، لأن أبا جعفر المنصور كان خليفة المسلمين، ولذلك أراد الإمام سفيان الثوري أن يقول له: إذا صلح الخليفة صلحت الأمة، وإذا فسد الخليفة فسدت الأمة، مما يؤكد أن الخليفة الذي هو إمام الناس أو الحاكم في مصطلحات اليوم قد يكون مفتاحا للخير إذا صلح، وقد يكون مفتاحا للشر إذا فسد (وروى أصحاب التواريخ في كتبهم قالوا: (وكان الناس إذا أصبحوا في زمان الحجاج فتلاقوْا يتساءلون: من قتل البارحة؟ ومن صُلب؟ ومن جُلد؟ ومن قُطع؟ وامثال ذلك. وكان الوليد صاحب ضياع واتخاذ مصانع، فكان الناس يتساءلون في زمانه عن البنيان والمصانع والضياع وشق الأنهار وغرس الأشجار. ولمّا وَليَ سليمان بن عبد الملك، وكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يتخذون الأطعمة الرفيعة، ويتوسعون في الأنكحة والسراري، ويعمرون مجالسهم بذكر ذلك. ولما وَليَ عمر بن عبد العزيز كان الناس يتساءلون: كم تحفظ من القرآن؟ وكم ورْدك في كل ليلة؟ وكم يحفظ فلان؟ ومتى يختم؟ وكم يصوم من الشهر وأمثال ذلك) –سراج الملوك، الطرطوشي-. ولأن الإمام العادل له هذا الدور وهذا الأثر روى أبو هريرة يرفعه قال: (لَعَمَلُ الإمام العادل في رعيته يوما أفضل من عبادة العابد في أهله مئة سنة، أو خمسين سنة). وقال مسروق: (لأن أقضي يوما بالحق أحبُّ إليّ من أن أغزو سنة في سبيل الله). وهاكم واقع حالنا اليوم يا جيل التغيير بعد أن فقدنا الإمام العادل، فكلنا نتألم وكلنا نعاني وكلنا لا يزال يتجرع مرارة الأذلال والهزائم، ومع ذلك فإن دوام الحال من المحال، ومن يدري لعل فيكم يا جيل التغيير الإمام العادل الذي سينقذنا بإذن الله تعالى مما نحن فيه من فرقة وضنك وفاقة، حتى بتنا كالأيتام على موائد اللئام، او لعلكم ستمهدون الطريق لميلاد الإمام العادل قريبا بأذن الله تعالى، فاصبروا على رفع راية الحق، حتى لو بتم كالقابضين على الجمر، وأبشروا فإن التغيير قادم وقريب ولن يطول عهد الحكم الجبري الذي لا زال رابضا على قلوبنا منذ عقود وعقود، واعلموا أن الشجاعة صبر ساعة، وأعلموا أنه لم يبق من ليلنا إلا اللحظات الأخيرة التي تسبق طلوع الفجر، وكأني بكم وأنتم تهتفون منصورين مسرورين في ساحات المسجد الأقصى: جاء الحق وزهق الباطل، إن الاحتلال الإسرائيلي كان زهوقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى