قدّمت توصيات للحد من الأزمة… إمباكت: 80% من القوى العاملة في العالم تضررت بفعل كورونا
أصدرت إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان تقريرًا يرصد تعرض النسبة الأكبر من القوى العاملة حول العالم إلى سلسلة انتهاكات ضمن التدابير الاحترازية لمواجهة خطر تفشي جائحة فيروس كورونا، ويقدم توصيات لمراعاة المبادئ التوجيهية لحقوق الإنسان في التعامل مع الأزمة.
وقالت مؤسسة الفكر ومقرها لندن، إن معظم الدول حول العالم تفرض قيودًا صارمة على الحركة والعمل ضمن تدابير احتواء انتشار الفيروس الجديد غير أن ذلك يؤثر سلبًا على نحو 80% من القوى العاملة العالمية جراء الإغلاق الاقتصادي الحاصل.
وذكرت أنه من المرجح أن تؤدي الأزمة الناتجة عن تدابير مواجهة جائحة كورونا إلى انخفاض عالمي بنسبة 6.7% في ساعات العمل في النصف الثاني من عام 2020، أي ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، بحسب منظمة العمل الدولية.
وعلى المستوى الإقليمي، من المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 7.8% (ما يعادل 12 مليون عامل بدوام كامل) في أوروبا، و8.1% (5 ملايين) في الدول العربية و7.2% (125 مليون) في آسيا والمحيط الهادئ.
وشددت إمباكت على أنه في الوقت الذي يتم فيه التحرك لمواجهة فيروس كورونا، يجب التأكيد على حماية الحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في العمل.
وقالت إنه “يجب على كل من القطاعين العام والخاص الامتثال لمعايير العمل وحقوق الإنسان، ولا سيما تلك التي تحكم معايير الصحة والسلامة المهنية والرواتب وإنهاء الخدمة وعدم التمييز.”
وأشارت إلى أنه مع اتضاح الأثر الشديد لوباء الفيروس على الاقتصاد الدولي، أصبح الجدل حول الأولويات ساخنًا، إذ من جهة هناك الحاجة إلى إحياء المحركات الاقتصادية العالمية والوطنية في أسرع وقت ممكن، ومن جهة أخرى هناك رغبة ملحة بنفس القدر للحد من عدد الأمراض والوفيات من خلال الحفاظ على التباعد الاجتماعي.
وذكرت أنه بينما يكافح المسؤولون من أجل التوصل إلى توافق في الآراء، يتعرض العمال في جميع أنحاء العالم لإجازة قسرية غير مدفوعة، والفصل التعسفي، وظروف العمل السيئة وعدم كفاية التعويض عن العمل أثناء تعرضهم لخطر كبير والتمييز.
ولحماية هؤلاء العمال خاصة المهاجرين منهم، قدمت إمباكت الدولية توصيات للحكومات والشركات، تتراوح من تطوير أنظمة الضمان الاجتماعي لحالات الأزمات إلى توفير خدمات اتصال إنترنت وكهرباء كافية وبأسعار معقولة لتمكين العمل عن بُعد.
فيما يلي التقرير الكامل لإمباكت:
الحق في العمل .. انتهاكات متعددة في ظل جائحة كورونا
مع استمرار غالبية دول العالم في فرض إجراءات وقيود مشددة على حركة التنقل والعمل ضمن سياسات منع انتشار جائحة فيروس كورونا التي تجتاح العالم وتسببت بعشرات آلاف الضحايا ومئات آلاف الإصابات، يواجه العمال في كثيرٍ من الدول انتهاكات متعددة الأوجه تمس بحقوقهم الأساسية.
اليوم، يتأثر أكثر من أربعة أخماس (أو نحو 81%) من القوى العاملة العالمية، والبالغ عددها 3.3 مليار شخص، جراء الإغلاق الكلي أو الجزئي لأماكن العمل، بسبب أزمة وباء كوفيد-19، بحسب منظمة العمل الدولية. ومن المتوقع أن تؤدي الأزمة إلى إلغاء 6.7% من إجمالي ساعات العمل في العالم في النصف الثاني من عام 2020، أي ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل.
إلى جانب ذلك، من المتوقع حدوث تخفيضات كبيرة في أوروبا (7.8%، أو 12 مليون عامل بدوام كامل)، والدول العربية (8.1%، أو قرابة 5 ملايين عامل بدوام كامل)، وآسيا والمحيط الهادئ (7.2%، أو 125 مليون عامل بدوام كامل).
ومع التأثير الكبير الذي سببه تفشي الفيروس على اقتصاد العالم، يحتدم النقاش حول صراع الأولويات، بين الاستمرار في حركة الإنتاج وعجلة الاقتصاد من جهة، وبين الالتزام بالتعطيل وسياسات التباعد الاجتماعي؛ حفاظًا على سلامة الأفراد، ومنعًا لتفشي الفيروس.
وبالضرورة، بعض قطاعات العمل لا بد أن تبقى مستمرة، بل في بعض الأحيان ترتفع إنتاجيتها في تلك المرحلة، كي تساهم في مواجهة الجائحة؛ لا سيما قطاعات الصحة، والتغذية، ومواد التنظيف والمعقمات، والحركة التجارية، والقطاع الأمني والمصرفي.
وأمام كل ذلك، فهناك مسؤوليات على الدولة ومؤسسات القطاع الخاص للامتثال لمعايير العمل وحقوق الإنسان، بما في ذلك تلك المتعلقة بالصحة والسلامة المهنيتين، والراتب وإنهاء الخدمة وعدم التمييز.
ما هو الحق في العمل؟
يعد الحق في العمل جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان وتحقيق حياة كريمة للأفراد، ويشمل إتاحة الفرصة لكل فرد لكسب رزقه من خلال عمل يختاره بحرية. ويتناول العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هذا الحق بصورة أشمل من أي صك آخر في المادة السادسة التي نصت على اعتراف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق.
اليوم، يتأثر أكثر من أربعة أخماس (أو نحو 81%) من القوى العاملة العالمية، والبالغ عددها 3.3 مليار شخص، جراء الإغلاق الكلي أو الجزئي لأماكن العمل، بسبب أزمة وباء كوفيد-19
ويعد الحق في العمل أساسيًا لتحقيق حقوق أخرى من حقوق الإنسان، وهو جزء لا يتجزأ من كرامة الإنسان ومتأصل فيها. ولكل إنسان الحق في أن تتاح له إمكانية العمل بما يسمح لـه بالعيش بكرامة، وكذلك أن يعمل في ظروف ملائمة. ويسهم الحق في العمل في بقاء الإنسان وبقاء أسرته، والاعتراف بهم داخل المجتمع.
وبموجب هذا الحق، فإن الدولة ملزمة بضمان تقديم الإرشاد والتوجيه في مجال التعليم المهني والفني، فضلًا عن اتخاذ التدابير الملائمة لتهيئة بيئة ملائمة تُعزز فرص العمالة المنتجة. وضمان توفر ظروف عمل ملائمة لا تنتهك فيها الحقوق المختلفة، سواء في القطاع العام أو الخاص. كما يتعين على الدول أيضًا أن تكفل عدم ممارسة التمييز فيما يتعلق بجوانب العمل كافة.
إشكالات متعلقة بالحق في العمل في ظل جائحة كورونا
نجم عن حالة الطوارئ والقيود المعلنة ضمن الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا حول العالم العديد من الإشكالات منها ما يلي:
• إجازات إجبارية غير مدفوعة
أعلنت معظم حكومات العالم تعطيل العمل في أغلب القطاعات، وبدأ ذلك بشكل أكثر وضوحًا بدءًا من شهر مارس 2020 في أوروبا ودول المنطقة العربية والشرق الأوسط. وشمل التعطيل القطاعات الحكومية والخاصة.
وفي حين أن الدول من المفترض أن تكفل رواتب موظفي القطاع العمومي، حتى في حال تعطلهم عن العمل، خاصة في أوقات الطوارئ، فإن الإشكالية الحقيقية تكمن في القطاع الخاص، الذي يبدو في أغلبه عاجزًا عن الاستمرار في دفع رواتب العاملين لديه، فضلًا عن الفئات العمالية الهشة القائمة على العمل اليومي والحرفي الشخصي.
وتعتبر قطاعات التجارة والسفر والسياحة والفنادق والمطاعم والعقارات، من أبرز القطاعات التي طالتها أكبر آثار الجائحة، متكبدةً خسائر فادحة. يأتي بعدها قطاع التعليم والمهن الحرفية وغيرها.
ويهدد فيروس كورونا المستجد معيشة نحو 1.25 مليار عامل، وفق منظمة العمل الدولية، بما يشمل تسريح العاملين وتخفيض الأجور وساعات العمل، بحيث يُتوقع أن تكون آثار الجائحة أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية. إلى جانب ذلك، تتوقع المنظمة أن تشهد منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكبر انخفاض في ساعات العمل، أي ما يوازي 125 مليون وظيفة بدوام كامل ملغاة على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة.
وستؤثر التخفيضات في سوق العمل على نحو 5 ملايين عامل بدوام كلي في الدول العربية، في حين سيتأثر 12 مليون عاملًا في أوروبا و125 مليون عاملًا في آسيا والمحيط الهادئ.
وتشير الدراسة إلى أن القطاعات الأكثر تضررًا هي خدمات الإقامة والطعام، والصناعات التحويلية، وتجارة التجزئة، وأنشطة الأعمال والأنشطة الإدارية.
في مصر، تتجلى إحدى أوجه هذه الإشكالية، ففي 21 مارس 2020، صدر قرار في محافظة بورسعيد بإغلاق خمسة مصانع بعد وفاة عامل وإصابة بعض سكان المحافظة بفيروس كورونا المستجد، لتنطلق احتجاجات عمالية خلال اليومين التاليين وتنتشر إضرابات في عدد من المصانع، بعد عدم استجابة أصحابها لقرار المحافظ بالإغلاق.
ولجأت بعض القطاعات إلى الاستمرار في العمل ولكن من المنازل، بيد أن ذلك غير ممكن في كل القطاعات، كما أن البنية التحتية في العديد من الدول لا تزال قاصرة عن توفير بيئة عمل منزلية مناسبة، بسبب ضعف خدمات الإنترنت، أو عدم توفر كهرباء منتظمة، فضلًا عن أن الكثير من الشركات والمؤسسات لم تتكيف مع هذا الخيار بسهولة. لذلك، لجأت بعض الشركات لإعطاء عامليها إجازات إجبارية غير مدفوعة، أو تسريح عدد من العاملين.
في المملكة المغربية، أوقفت 83% من الشركات الصغيرة نشاطها بسبب تداعيات فيروس كورونا على اقتصاد المملكة. ويأتي ذلك رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لدعم الشركات المتضررة من الفيروس، ومنها تأجيل الديون وتوفير السيولة.
ويبقى قطاع الأعمال والتجارة على رأس القطاعات التي نال منها الفيروس في المغرب، بنسبة تصل على التوالي إلى 20.6% و21.9%، حسب دراسة أجرتها الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدًا والصغيرة والمتوسطة
وشملت الإغلاقات قطاعات الصناعة والبناء بنسبة 13.5%، والاتصالات بنسبة 12.7%، والمناسبات بنسبة 10.7%، والفلاحة بنسبة 5.7%، والسياحة بنسبة 5.2%، والحرف اليدوية بنسبة 4.3%.
ولم يقتصر الأمر على الشركات الصغيرة، بل طال الشركات الكبيرة. على سبيل المثال، أغلقت “مجموعة رينو” الفرنسية للسيارات مصانع عدة نتيجة تفشي الجائحة، وأعلنت إيقاف الأنشطة الصناعية مؤقتًا في المغرب
في الجزائر، خفضت بعض المؤسسات، بما فيها مؤسسة ميناء الجزائر، نسبة العمال المتواجدين إلى نحو 50% تطبيقًا لتعليمات حكومية. وقضت التعليمات بمنح إجازات استثنائية لفئات محددة، مثل العمال من أصحاب الأمراض المزمنة والنساء الحوامل وأمهات الأطفال، مع احتساب تلك الأيام من الإجازات السنوية، في الوقت الذي يُفترض فيه ألا تحتسب أيام الإجازات الإجبارية تلك من الإجازات السنوية، كونها تعد حالة طوارئ وحدثًا اضطراريًا يهدف لسلامة العامة والسيطرة على تفشي جائحة كورونا.
في تونس تم رصد شكاوى بتعطل واسع وفصل تعسفي للعاملين، بسبب ظروف جائحة كورونا. وأحال الحجر الصحي العام الذي فرضته تونس آلاف العمال إلى البطالة القسرية بما ينذر بارتفاع نسب الفقر في البلاد، والتي تبلغ نحو 15.2% من عدد السكان. ورجّح رئيس منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، “عبد الرحمان الهذيلي”، أن يزداد عدد الفقراء بنحو 100 ألف، مشيرًا إلى أنه لا يمكن توقع من سيتم تسريحهم من العمل.
إلى جانب ذلك، خفضت بعض الشركات والمؤسسات رواتب موظفيها بنسبة 50%، وهو ما يعني أن الشركات التي استمرت في تأمين رواتب مقلصة يمكن أن تتوقف عن منح الرواتب نهائيًا حال استمرت الأزمة عدة أشهر؛ لعدم قدرتها على توفيرها.
جراء هذا الواقع، توقعت الإسكوا أن يضاف حوالي 8 ملايين شخص إلى عدد الفقراء الحالي في المنطقة العربية، والذي كان يقدر عدده بحوالي 93 مليون مواطن فقير، كما أن الطبقة الوسطى بدأت بالانكماش، لتزداد الفئات الهشة في منطقة تستعر فيه الحروب والنزاعات.
إلى جانب ذلك، وعلى الصعيد الدولي، فقد تعطلت أعمال ملايين الحرفيين والعاملين في المهن الصغيرة ممن يعملون لحسابهم الخاص، بالإضافة إلى العاملين بنظام المياومة في القطاع الخاص. بالتالي، يفقد هؤلاء مصادر دخلهم دون وجود سياسات واضحة من الدول لتأمين متطلباتهم الحياتية، وفي حال قدمت بعض أشكال الدعم فهي محدودة وغير منتظمة ولم تشمل الجميع.
ورصدت شكاوى من هذا النوع في غالبية الدول، تاركة آثارًا اقتصادية كارثية على جميع قطاعات العمل في القطاع الخاص، التي تراوحت أوضاعها بين الحرمان من الأجر خلال التعطيل، أو تلقي جزء من الرواتب، في ظل غياب برامج الضمان الاجتماعي أو ضعف تأثيرها.
• إنهاء العمل
جراء تعطيل الأعمال على نطاق واسع نتيجة أزمة فيروس كورونا، لجأت العديد من الشركات ومؤسسات القطاع الخاص إلى إنهاء خدمات آلاف العاملين، دون الالتزام بالمعايير القانونية لإنهاء الخدمات والتعويض. وانطوت بعض هذه الممارسات على التمييز على أساس الجنسية.
حدثت غالبية تلك الحوادث في دول الخليج، وأغلبها استهدفت العمالة الوافدة، إلى جانب مصر والأردن ولبنان، والأراضي الفلسطينية.
ترحيل إثيوبيين في السعودية
مثّل ما أقدمت عليه المملكة العربية السعودية من تكثيف عمليات ترحيل آلاف الإثيوبيين، بمن فيهم المشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، نموذجًا لانتهاك مركب ومتعدد الأوجه ضد العاملين. فقد جرى حرمان الآلاف من هؤلاء من وظائفهم وأعمالهم في وقت وجيز يستحيل معه أن تكون إجراءات الفصل ملتزمة بالمعايير القانونية، وفي مدد قصيرة غير كافية لينفذوا تسويات وينالوا حقوقهم، وفضلًا عن كل ذلك المخاطر الصحية المترتبة على التهجير الجماعي دون إجراءات فحوص متعلقة بفيروس كورونا.
وأعيد ما مجموعه 2968 مهاجرًا في الأيام العشرة الأولى من شهر أبريل، وفقًا لمسؤول في الأمم المتحدة تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
ترحيل نيباليين في قطر
خلال جولة فحص للإصابة بفيروس كورونا المستجد، رحلت السلطات القطرية مئات العمال النيباليين إلى بلادهم في الفترة ما بين 15 – 19 مارس. وقالت منظمة العفو الدولية إن الشرطة القطرية أبلغت العاملين بأنهم سيخضعون للفحص للكشف عما إذا كانوا مصابين بالفيروس، وأنه سيتم إعادتهم إلى أماكن إقامتهم بعد ذلك، لكنهم نقلوا بعدها إلى مراكز احتجاز لعدة أيام قبل ترحيلهم إلى نيبال.
فصل عمال في تونس
قامت شركة “فرتاكس” ببنعروس بتسريح نحو 56 عاملًا من بينهم أعضاء النقابة الأساسية واللجنة الاستشارية للمؤسسة بسبب احتجاجهم ومطالبتهم بحقوقهم وأجورهم التي لم يتلقوها لمدة شهرين
وتشكل هذه الممارسة انتهاكا للحق في العمل، الذي يلزم الدول الأطراف بضمان حق الأفراد في اختيار أو قبول العمل بحرية، بما يشمل حقهم في ألا يحرموا من العمل ظلمًا، كما هو مكفول في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
• التمييز العنصري
رغم أن قواعد القانون الدولي تجرم التمييز في ظروف العمل وتلقي الخدمات الصحية، إلاّ أن سلوك العديد من الدول خلال جائحة كورونا لم يخل من هذا السلوك.
فمنذ تفشي فيروس كورونا، وثقت تقارير، بما في ذلك شهادات وحالات رصدتها إمباكت الدولية، من عدة بلدان، تعكس: التحيّز، والعنصرية، وبث الكراهية، والتمييز ضد الأشخاص ذوي الأصول الآسيوية. وشملت هذه الحوادث الاعتداءات الجسدية، والتنمّر، والتهديدات الغاضبة، والتمييز في أماكن العمل وظروفها، واستخدام لغة مهينة في التقارير الإخبارية وعلى منصات التواصل الاجتماعي. ومنذ يناير 2020 رصدت عشرات الحوادث المتعلقة بالتمييز وبث الكراهية في بريطانيا، والولايات المتحدة، وإسبانيا، وإيطاليا، وبعض الدول العربية، استهدفت الأشخاص ذوي الأصول الآسيوية، ارتباطًا بالظهور الأول لفيروس كورونا في ووهان الصينية. وتسببت هذه المواقف بما في ذلك تصريحات مسؤولين حكوميين أمريكيين، على رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تأجيج المشاعر، وخلق حالة عدائية ضد الصينيين بشكل خاص، وأثرت على ظروف عملهم.
قرار سعودي يقوم على التمييز
في 3 إبريل 2020، أصدر الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أمرًا باستثناء العاملين السعوديين في منشآت القطاع الخاص المتأثرة من التداعيات الحالية جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، من المواد الثامنة، والعاشرة، والرابعة عشرة، من نظام التأمين ضد التعطل عن العمل، بحيث يحق لصاحب العمل بدلاً من إنهاء عقد العامل السعودي أن يتقدم للتأمينات الاجتماعية بطلب صرف تعويض شهري للعاملين لديه بنسبة 60% من الأجر المسجل في التأمينات الاجتماعية لمدة ثلاثة أشهر، بحد أقصى تسعة آلاف ريال شهريًا، وبقيمة إجمالية تصل إلى 9 مليارات ريال. ويقدر عدد المؤهلين للاستفادة من التعويض مليون ومائتي ألف عامل سعودي، وبذلك يكون مئات الآلاف من العمال من الجنسيات الأخرى حرموا من هذا الحق، في إجراء يقوم على التمييز الصريح المخالف لمعايير حقوق الإنسان الدولية.
ويمثل العمال الأجانب نحو ثلث سكان السعودية البالغ عددهم 30 مليون نسمة وأكثر من 80% من القوى العاملة في القطاع الخاص، ما يعني أن تأثيرات القرار تطال ملايين الأشخاص.
العمالة في الإمارات .. قرار ينطوي على التمييز
أصدرت وزارة الموارد البشرية وشؤون التوطين الإماراتية قرارًا يخول الشركات المتأثرة بفيروس كورونا بـ “إعادة تنظيم هيكل العمل” من خلال عدة خطوات. وتشمل الخطوات المذكورة تطبيق نظام العمل عن بعد، ومنح إجازة مدفوعة، ومنح الإجازة بدون أجر، وتخفيض الأجور مؤقتًا، وتخفيض الأجور بشكل دائم. وبهذا القرار، أطلقت الإمارات يد الشركات الخاصة بتعديل عقود الوافدين أو إجبارهم على إجازة غير مدفوعة الأجر أو خفض رواتبهم بشكل دائم أو مؤقت.
وتنطبق هذه الإجراءات فقط على الموظفين من “غير المواطنين” – وهو تمييز يجعل العمال المهاجرين (من جميع فئات الدخل) مستغلين تمامًا.
تشكل هذه الممارسات انتهاكا للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي حددت في مادتها الأولى المقصود بتعبير “التمييز العنصري” بأنه أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
كما تشكل مخالفة لما تضمنته المادة الخامسة من تأكيد الحق في العمل، وفي حرية اختيار نوع العمل، وفي شروط عمل عادلة مرضية، وفي الحماية من البطالة، وفي تقاضي أجر متساو عن العمل المتساوي، وفي نيل مكافأة عادلة مرضية، وذلك دون تمييز.
• العمل في ظروف غير ملائمة
مقابل تعطل العمل في عشرات القطاعات، استمرت قطاعات أساسية بالعمل في مختلف دول العالم، وطلب من العاملين فيها إلزاميًا بالذهاب إلى أعمالهم؛ وسط مخاطر إصابتهم بوباء كوفيد 19.
ومن أبرز القطاعات التي واصلت العمل: الصحة، والأمن، والخدمات المصرفية، وبعض القطاعات الصناعية خاصة المتعلقة بالصحة والتغذية والنظافة والتعقيم. وتسبب عمل بعض هذه الفئات بإلزامية حجرهم وبالتالي ابتعادهم عن أسرهم لأيام طويلة، بما في ذلك النساء، اللواتي يشكلن نسبة عالية من قطاع التمريض على سبيل المثال.
ووفق ما رصدته إمباكت الدولية، فإن أبرز الإشكالات التي تمثلت في هذا الجانب شملت:
-عدم توفر أدوات وقاية وحماية كافية. وظهر هذا الأمر لا سيما في القطاع الصحي، حيث اشتكت العديد من الطواقم الطبية بعدم توفير أدوات وقاية مناسبة؛ ما أدى إلى تسجيل عدد كبير من حالات الوفاة والإصابات في صفوفهم. ففي مصر على سبيل المثال بلغت الإصابات في صفوف الطواقم الطبية 13% من بين المصابين بفيروس كورونا. كما رصدت عدة حالات أخرى مشابهة في لبنان، والأراضي الفلسطينية المحتلة.
-عدم منح بدل مخاطرة يعادل الخطورة العالية التي تعمل بها العديد من الفئات خاصة الطواقم الطبية. وفي حين أعلنت بعض الدول تقديم مكافآت للطواقم الطبية، تجاهلت دول أخرى ذلك، أو قدمت علاوة غير مجزية ولا تكافئ حجم الخطورة الحاصلة.
-العمل لساعات طويلة دون بدلات مناسبة، وشمل ذلك الطواقم الطبية وبعض القطاعات الصناعية.
– ضعف عمليات التوعية بمخاطر فيروس كورونا وسبل الوقاية منه وباللغات المختلفة، بما في ذلك ما يناسب ذوي الإعاقة السمعية والبصرية؛ خاصة في المرحلة الأولى للمرض.
-ترهل وضعف البينة التحتية المتعلقة بالمرافق الصحية من مياه وخدمات صرف صحي ونظافة وإدارة نفايات طبية، خاصة في البلدان النامية.
-عدم توفير التصاريح اللازمة لتحرك العاملين خلال فترات الحظر، ففي الأردن على سبيل المثال، وثق المرصد العمالي إجبار إحدى شركات الأمن والحماية العاملين على الدوام أثناء فترة حظر التجوال، ودون منحهم “تصاريح” تضمن لهم عدم توقيفهم. وضمن سردية الاضطهاد اللامتناهي، أجبرت شركة منتجات غذائية في العاصمة عمّان موظفًا يقطن في إحدى المحافظات على العمل، وذلك بالرغم من إغلاق المحافظات وحظر التجوال. شركة منتجات غذائية أُخرى مارست “الانتهاك” ذاته، حيث أجبرت الموظّفين على العمل أثناء فترة حظر التجوال، ودون منحهم تصاريح تحول دون “سجنهم”، إذ يلاحظ أن بعض الشركات “تتعمّد” ألا تمنح التصاريح، وذلك كي تجبر العمّال على “المبيت” داخل مكان العمل.
وتشكل هذه الممارسات انتهاكًا لمعايير حقوق الإنسان التي تلزم الحكومات بالتقليل من خطر الحوادث والأمراض المهنية، بما في ذلك ضمان حصول العمال على المعلومات الصحية وما يكفي من الملابس والمعدات الواقية. وهذا كان يقتضي تزويد عمال قطاع الصحة وغيرهم من المشاركين في التصدي لفيروس كورونا بالتدريب المناسب على مكافحة العدوى والمعدات الواقية المناسبة، في وقت مبكر. كما أن أي مساس بهذا المبدأ يشكل خرقا للمادة السابعة من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ألزم أن تكفل ظروف العمل السلامة والصحة.
• عدم صرف بدل المخاطرة والتعويضات المناسبة
إلزامية عمل بعض القطاعات لمواجهة الجائحة؛ مع المخاطر الكبيرة التي تواجههم، استوجبت توفر نظام واضح يحقق مكافآت تعويضية وبدل مخاطرة مناسب لهم. وبشكل خاص يدور الحديث هنا عن العاملين في القطاع الصحي، الذين عملوا في خط المواجهة الأول ضد جائحة كورونا وخطرها ضد البشرية. ولجأت بعض الدول على تأمين رواتب ومكافآت مجزية كما حدث في بعض الدول الأوروبية، في حين بقيت هذه المكافآت محدودة وليس ذات قيمة حقيقية في بعض البلدان العربية ومن ذلك ما حدث في مصر على سبيل المثال. فقد رفعت مكافأة أطباء الامتياز بالمستشفيات الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومستشفيات جامعة الأزهر، التي تتراوح حاليًا من ٤٠٠ إلى ٧٠٠ جنيه، لتصبح ٢٢٠٠ جنيه شهريًا، اعتبارًا من خريجي كليات الطب دفعة ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٩، وهو ما يعني أن قيمة المكافأة لا تزيد عن 150 دولارًا. وكذلك صرفت علاوة مخاطرة لا تتعدى جنيهات قليلة، وهو يبدو مبلغا زهيد مقارنة بما يخصص من مكافآت للجهات الأمنية والعسكرية.
العبء الكبير على بعض القطاعات خاصة الطبية والعلمية في هذه المرحلة، يوجب الحاجة إلى إجراء مراجعة شاملة لمنهجية توزيع الموازنات وبدلات الرواتب بما يلائم أدوارها والمسؤوليات الملقاة عليها؛ دون إجحاف فئة على حساب أخرى.
وبموجب المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن الدول الأطراف ملزمة بالاعتراف بما لكل شخص من حق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل على الخصوص مكافأة توفر لجميع العمال، كحد أدنى، وأجرا منصفا، ومكافأة متساوية لدى تساوى قيمة العمل دون أي تمييز، على أن يضمن للمرأة خصوصا تمتعها بشروط عمل لا تكون أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل، وتقاضيها أجرا يساوى أجر الرجل لدى تساوى العمل.
التوصيات والسياسات المطلوبة
في ضوء الإشكالات والانتهاكات المتعلقة بالحق في الصحة خلال العمل في مواجهة جائحة كورونا، فإن تصويب ذلك يقتضي ما يلي:
-امتثال الدول والحكومات، لمعايير حقوق الإنسان، والتزامات الحق بالعمل والصحة، في قراراتها المختلفة خلال مواجهة جائحة كورونا.
-تحمل الدول والحكومات بالدرجة الأولى مسؤولية توفير نظام ضمان اجتماعي يكفل العيش الكريم لجميع أفراد المجتمع بما في ذلك الفئات العمالية المختلفة خلال الأزمات والكوارث.
-ضرورة فرض نظام ضمان اجتماعي على مؤسسات القطاع الخاص دائم ومستقل، يضمن العيش الكريم للعاملين في هذا القطاع في الأزمات والكوارث، فضلا عن الظروف الاعتيادية.
-دعوة الدول إلى الوقف الفوري لأي إجراءات تنطوي على التمييز والعنصرية، ضد المهاجرين أو الوافدين، أو العاملين من جنسيات أخرى، ويشمل ذلك منع الترحيل القسري، والفصل التعسفي من العمل، وتأميل ظروف عمل متساوية وملائمة.
-دعوة الدول والحكومات لتبني سياسات لدعم الشركات والقطاع الخاص، وفرص العمل، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية، والتسهيلات المختلفة، إلى جانب التمويل المباشر لبعض القطاعات.
-الدعوة إلى تحسين البنية التحتية اللازمة لتحفيز العمل البيتي وفي مقدمة ذلك تجويد وتحسين وخفض تكلفة خدمات الكهرباء والإنترنت.
– تحمل مؤسسات الأعمال مسؤولية أن تتجنب التسبب في الآثار الضارة بحقوق الإنسان أو المساهمة فيها، وأن تعالج هذه الآثار عند وقوعها وأن تسعى إلى منعها.
– التزام الشركات بمعايير حقوق الإنسان عدة إجراءات ابتداءً من بذل العناية الواجبة، مرورا بالمتابعة ثم الإصلاح، ووصولًا بالالتزام بسياسات حقوق الإنسان.
-إعادة النظر في توزيع موازنات الدول بما يلبي حالة الطوارئ، والتوزيع العادل بين القطاعات المختلفة، لجهة التركيز على القطاع الصحي والتعليم والبحثي، بدلًا من صب أغلب الموازنات في التسليح والأمن.
-توفير أدوات وقاية وحماية شاملة للفئات التي تلزم بالعمل في هذه الظروف؛ لضمان سلامتها.
-إيجاد آليات لضمان تسهيلات اتصال وتواصل بين العاملين الذين يجبروا على الابتعاد عن عائلاتهم خلال هذه الأزمة، وعائلاتهم، إلى جانب تأمين إعالات واحتياجات هذه الأسر وفق اللزوم.
-تتحمل الدولة والشركات المسؤولية عن تأمين تصاريح التنقل والانتقال للعاملين لديها والتأكد من سلامة آلية الانتقال للعمل خلال الجائحة.