أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

القروض المالية من السوق السوداء تغزو المجتمع العربي في زمن كورونا

حذّرت العديد من الجهات في الداخل الفلسطيني، من اللجوء إلى شركات تنشط في المعاملات المالية فيما يسمى “السوق السوداء” أو “السوق الرمادي”، في أعقاب انتشار وباء كورونا وارتفاع نسبة البطالة والإغلاق شبه الكامل للمرافق التجارية والحيوية وتعليق سوق العمل والشلل الاقتصادي.
وتقترح هذه الشركات على رب العائلة أو صاحب المصلحة التجارية الصغيرة قرضا ماليا بدون أي ضمانات، لكن شريطة أن يكون بحوزة الحاصل على القرض بطاقة اعتماد سارية المفعول.
وتروّج هذه الشركات التي تقف خلفها في العادة عصابات الجريمة المنظمة لنشاطها عبر عدة وسائل من بينها الرسائل النصية التي تصل المواطنين عبر الهاتف.
تُبيّن سهولة الحصول على القروض المالية من السوقين “الأسود” و”الرمادي”، المشهد الضبابي بكل ما يتعلق بالفوائد التي ستُجبى من أرباب العائلات وأصحاب المصالح التجارية، مقابل إرجاع هذه الديون للشركات الخاصة أو لجهات تنشط لصالح عصابات الجريمة المنظمة، ما يعني ترشيح ارتفاع أعمال العنف وجرائم القتل في المجتمع العربي، وهيمنة عصابات الجريمة على المزيد من المصالح التجارية.

“الإسلامي للإفتاء” يحذر
هذا وتوجّه المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الفلسطيني برئاسة الدكتور مشهور فواز ببيان تحذيري إلى المواطنين يدعو إلى عدم وقوعهم فريسة لما يسمى “السوق السوداء” وجلب الخراب عائلاتهم.
وجاء في البيان: “ازدادت في الآونة الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية ظاهرة القروض الربوية وبيع الشيكات المؤجلة والراجعة. ولا يخفى على أحد أنّ الربا رأس كلّ داء وبلاء وسبب كلّ فساد وسبب في نقصان البركة. فالربا عواقبه وخيمة وأضراره جسيمة؛ قال الله تعالى: “يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ”. وفي مسند أبي يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً قال: “ما ظهرَ في قوم الزِّنا والرِّبا إلاّ أَحَلُّوا بأنفسِهم عقاب الله “قال الهيثمي إسناده جيد. وهذا الحكم للمُقرِض بالربا والمُقترض على حدٍّ سواء”.
وأضاف البيان “من هنا نحذّر أهلنا الأحباب من الانزلاق في مستنقع القروض الربوية والتّورط في متاهاته إنّكم بذلك تعرّضون أنفسكم لغضب الله تعالى وتعرّضون المجتمع لسخط وعذاب الله تعالى؛ ونوصيكم بعدم الاسراف وحسن الادارة المالية والاقتصاد والاعتدال في الانفاق والمعيشة”.
وشكر المجلس الإسلامي للإفتاء “لجان الصّدقات والزكاة واللّجان والمجتمعية والأهلية التي تعمل جادة لتغطية الاحتياجات وندعوهم إلى تكثيف الجهود ونناشد الموسرين بمزيد من البذل والعطاء في ظل هذه الظّروف الحرجة”.

الدكتور مشهور فواز
الدكتور مشهور فواز

كما ناشد البيان “الاخوة الذين يُقرِضون النّاس بالربا ونقول لهم ناصحين لهم: إنّكم أخوة لنا وأنتم أبناء هذا المجتمع ولكم انتماء لهذا المجتمع ولا نتصور أنّه يهون عليكم تورط شبابنا وفتياتنا في الحرام والهاوية ولا يهون عليكم دمار بيوتنا ومجتمعاتنا. قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ”. ومن هنا نناشد حميتكم وغيرتكم على المجتمع ألا تُقرِضوا اخوانكم وأهلكم بالربا وأن تشعروا بظروف أهلكم ولا تستغلوا حاجتهم وضرورياتهم”.

كوارث كورونا!!
قال المستشار الاقتصادي ومدقق الحسابات، رامي عنابوسي، في حديث معه إن “المجتمع العربي الذي يعيش بمستوى معيشي منخفض وسوء إدارة اقتصادية أسوة بغالبية السكان في البلاد، سيكون أكثر القطاعات التي تعاني من التداعيات الاقتصادية من جراء انتشار فيروس كورونا، علما أن معدل الدين الأُسري قرابة 170 ألف شيكل على مستوى الدولة”.
وأعرب عنابوسي عن اعتقاده أن حجم الديون للعائلة العربية سيزداد في ظل البطالة وقلة السيولة المالية، محذرا من التوجه للحصول على القروض من “السوق السوداء”، وأكد أن “أحد العاملين المركزيين في “السوق السوداء” صرح في إحدى وسائل الإعلام أن الإقبال على قروض “السوق السوداء” قفز بنسبة تجاوزت 200%، ويشهد المقرضون ضغط عمل جنوني رغم أن الأزمة في بدايتها”.
وأضاف عنابوسي، أن “الناس خاصة الذين أوصدت أبواب البنوك في وجوههم هم من يبحثون الآن عن هذه القروض، بل يبذلون الجهود ويشغلون الوساطات والمعارف من أجل التدخل للحصول على قرض بنسب ربوية فاحشة للغاية، ولا يمكنهم غالبا الوفاء بسدادها”.
وأوضح أن “النسبة الربوية السوداء في هذه الأيام مرتفعة بسبب أزمة كورونا وتصل اليوم إلى 10% و25% أسبوعيا، وهذه نسب مدمرة لكل من يقربها، وللتوضيح: مبلغ 1،000 شيكل بنسبة أسبوعية 10% سيتحول إذا لم يسدد في الوقت إلى قرابة 1،500 شيكل بعد شهر واحد، وإلى 144 ألف شيكل بعد عام واحد فقط، هذا جنون!”.

المستشار الاقتصادي رامي عنابوسي
المستشار الاقتصادي رامي عنابوسي

وأكد عنابوسي أن “التأثير لقروض السوق السوداء مأساوي للغاية”، موضحا أنه “في اللحظة التي يصل فيها الشخص إلى السوق السوداء يكون قد مر بمراحل كثيرة قبلها ويكون قد قطع كافة الإشارات الضوئية الحمراء قبل أن يسلم رقبته لسكين عالم الجريمة”، موضحا أن “الدولة وسلطات إنفاذ القانون تقر وتعترف أن عالم الجريمة يبسط سيطرته على مناطق بعينها يُسميها مناطق نفوذ”.
وحذر عنابوسي من “التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للقروض السوداء على المجتمع العربي، إذ لا يستبعد وإمكانيات أن تتوصل هذه الشركات لحل وسط مع المدين، سواء رب العائلة أو صاحب المصلحة التجارية، وسلب مصلحته وبيته، فيظل يسكن في بيته بالإيجار ويبقى يعمل في مصلحته بالسخرة، يعني عبودية حديثة!”.

سلطات محلية تحذر من الانزلاق
تزعم الشرطة أن المدينين لا يجرؤون على تقديم بلاغات ضد هذه الجهات لخوفهم من بطشها.
وتبدو سلطات إنفاذ القانون التي فشلت في محاربة العنف في المجتمع العربي عاجزة أيضا أمام هذه الظاهرة الكارثية.
وتكتفي الأجهزة الشرطية الإسرائيلية إزاء هذه الظاهرة بتحذير رؤساء السلطات المحلية خلال اللقاءات معهم من انتشار القروض المالية من السوق السوداء في البلدات العربية، وتطالبهم بتوعية الجمهور والعائلات على عدم الإقبال على هذه القروض مهما كان عمق الأزمة الاقتصادية.
من جانبها تحاول السلطات المحلية الحد من الظاهرة فعلا بتوعية المواطنين وتحذيرهم من الانزلاق في السوق السوداء.
وقالت بلدية أم الفحم، هذا الأسبوع في بيان لها إنه “في ظل المعطيات التي تشير الى ارتفاع نسبة البطالة والتي وصلت لأكثر من 30% في البلاد، وعلى مستوى أم الفحم كذلك الأمر، بالإضافة إلى الانعكاسات المالية السلبية الكثيرة نتيجة لأزمة فيروس كورونا، ومن بينها عدم احترام الشيكات من قبل البنوك المختلفة وإعادة وترجيع هذه الشيكات، او الالتزامات المالية المختلفة لدى المواطنين، خاصة وأننا نسمع عن ارتفاع في نسبة المتوجهين للسوق السوداء للحصول على المال بأي طريقة لسد احتياجات العائلة”.
وأكدت بلدية ام الفحم على المواطنين بضرورة “التنبّه والحذر الشديد إزاء ظاهرة القروض المالية والتي يغرق معها المواطنون في أتون الديون الربوية المحرمة شرعاً التي لا يستطيع معها المواطن التخلص من هذا المستنقع، خاصة ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك، والمصروفات البيتية تزيد معه”.
كما أكدت بلدية ام الفحم أن “أخذ القروض من السوق السوداء هو ليس الحل ولن يكون الحل ولا بأي حال من الأحوال، وعلينا جميعاً محاربة هذه الظاهرة التي تحرق بيوتنا ومجتمعنا.
إلى ذلك وجه رئيس بلدية طمرة، د. سهيل ذياب، رسالة مستعجلة إلى مديري فروع البنوك في مدينة طمرة، طالبهم فيها بالعمل جاهدين على مساندة المواطنين على الصعيد المالي في هذه الفترة الصعبة، والتي من شأنها أن تشكل أزمة حقيقية للعائلات وأصحاب المصالح التجارية في طمرة.
وأكد أن “هذه الفترة ليست سهلة، وممكن أن تحفز الناس في الأوضاع الصعبة بالانزلاق للسوق السوداء، وعلينا جميعًا الابتعاد ومحاربة هذه الظاهرة الخطيرة!”.
وأضاف ذياب أن “بلدية طمرة ستعمل على حث جميع الجهات لمد يد العون ومساندة أصحاب المصالح والمواطنين لتخطي هذه الأزمة الصعبة”.
وختم ذياب بالقول إنه “نتوجه إليكم بأخذ الحذر، والامتناع عن التعامل مع السوق السوداء، في ظل هذه الأزمة لمصلحتكم وحمايتكم. سنعمل كل ما بوسعنا لمساندتكم في تخطي هذه الأزمة”.
وكشف رئيس مجلس محلي جت، المربي خالد غرة، النقاب عن أن “سلطات إنفاذ القانون ممثلة بالشرطة والجبهة الداخلية وخلال اللقاءات برؤساء السلطات المحلية حذرت من انتشار القروض المالية من السوق السوداء في البلدات العربية، وطالبت بتوعية الجمهور والعائلات على عدم الإقبال على هذه القروض مهما كان عمق الأزمة الاقتصادية”.
وحذر غرة في حديث معه من ظاهرة “القروض السوداء” في المجتمع العربي في ظل التداعيات الاقتصادية من جراء تفشي فيروس كورونا، داعيا مختلف جمعيات العمل المدني واللجان الشعبية ولجان الزكاة والفعاليات الجماهيرية في كل قرية ومدينة إلى “العمل والتنسيق فيما بينها والمبادرة لمشاريع خيرية لدعم المحتاجين وتوفير البدائل للعائلات ودعم المصالح التجارية ليكون هذا النشاط سدا منيعا في وجه السوق السوداء”.

ندق ناقوس الخطر من هذه الحارقة
من جانبه قال الدكتور أنس سليمان أحمد، المختص في الاقتصاد إنه “في هذه المرحلة التي نعيش ينبغي ان يكون لنا دور في تثقيف وتوعية الناس في مسألة السوق السوداء، وبيان ان هذه السوق ليست الحل، بل هي نار وشرار عليك وعلى من تحب”.
وأكد في تصريح صحفي “في هذه المرحلة أسمع وأرى عن ارتفاع متزايد في الإقبال على هذه السوق القاتلة، بل على هذه النار الحارقة، فقد وصلت نسبة قيمة الربا في السوق السوداء 10% بواقع كل اسبوع، اي بواقع 25% بشكل شهري”.
وأضاف مخاطبا من نالت منهم هذه الظاهرة: “أنا أعي جيداً أنك ما لجئت لهذا السوق، إلا بعد ان تقطعت كل السبل بك، والطرق سُدت في وجهك، لكن يعني ذلك في الجهة المقابلة أنك تجعل نفسك بل جميع أهل بيتك في ساحة الاستهداف”.
ودعا الدكتور أنس إلى “رفع سقف التوعية عند العائلات بخصوص ضرورة الاقتصاد وعدم التبذير”، وختم بالقول: “لنستيقظ ولنتكيّف مع الواقع الجديد حقيقةً وعملاً – هذه فرصة ممتازة لتختبر نفسكَ وأهل بيتك في قدرتكم على الإدارة المالية والعيش بكامل الرضى والقناعة! ولندير ميزانية بيوتنا بوعي وحكمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى